السفير ناصر كنعانى يكتب
يوافق يوم 17 من شهر فبراير ذكرى وفاة الصحفي والمحقق والمؤلف الكاتب المصري الشهير حسنين هيكل الذي رحل عن عالمنا عام 2016م، لقد كان هيكل ظاهرة لا نظير لها في التاريخ المعاصر لمصر والعالم العربي أجمع، هو الرجل الذي لا يمكن مقارنته بأحد، حيث أن إحدى الخصائص البارزة والمتميزة لهيكل هي امتلاكه لقدرة قل نظيرها على التحليل، بالإضافة إلى تبحره في السياسة والثقافة والفكر والفكر الحر وتمسكه ب”قداسة القلم”.
* متعدد الحدود القومية والجغرافية!
فهو كاتب ومفكر حر وملتزم بالقيم الدينية والأخلاقية والإنسانية، كما أنه أضفى شرفًا على قلم الصحافة والفكر الإعلامي، يجب التعرف على هيكل من جديد، بلا شك هو نموذج قل نظيره في تاريخ الصحافة العالمية فلم يبع أصالة وسلامة قلمه وحافظ على قداسته وظل على هذا العهد حتى نهاية عمره، لقد كان هيكل رجل محب لوطنه ورجل عروبي قومي شريف كان تفكيره متعدياََ الحدود القومية والجغرافية، لم يكن منتميًا للإسلام السياسي، ولكن على الصعيد الشخصي كان مسلماََ معتقداََ بمبادئ الإسلام ومدافعًا عن عزة وكرامة الدول الإسلامية وانسجامها.
* ..بصراحة!
شغل هيكل منصب رئيس تحرير جريدة الأهرام لمدة 17 عامًا واستطاع خلال هذه المدة تحويل جريدة الأهرام إلى صحيفة عالمية، وقد جذب عموده “بصراحة” الكثير من القراء العرب وغير العرب نحو الأهرام، تُعد شهرة الأهرام هي الإرث الثمين لهيكل، فقد كان هو نفسه بمثابة منصة إعلامية وقلمه وكلامه قوة ناعمة في حد ذاتها، كتب هيكل اکثر من أربعين كتابًا تُرجم معظمها إلى اللغات العالمية الحية وهو الأمر الذي أوصل أفكاره إلى العالم. كان يعتبر إسرائيل عدوًا ووصفته إسرائيل بعدوها الأكبر في مصر، لذا فقد وصف الفلسطينيون أنفسهم ب”أول الخاسرين” بعد وفاة هذا الكاتب الشهير.
* صانع الزعماء!
يُعتبر كلام هيكل وثيقة وحُجة لأنه کان كاتب ومحقق وملتزم بالمبادئ العربية والإسلامية والإنسانية، كما أنه كان مؤرخًا على الرغم من أنه كان يصف نفسه بكل تواضع ب”محض صحفي”، وبالطبع كان على صواب لأنه لم يكن كاتبًا للأحداث التاريخية بل كان محللًا تاريخيًا ولم يكن “محايدًا” بل كان يحاول أن يكون “مستقلًا”، كان يقول: «أنا لست محايدًا ولست خجلًا بل أفتخر أنني مؤيد لوطني وأمتي». كان كاتبًا تاريخيًا واعيًا لأنه كان مطلع من الكثير من الوثائق و کان قریب للمراكز القوى السياسية، وكان مستشارًا أمينًا وشجاعًا لزعماء مصر.
* عاشقاََ لإيران!
كان حسنين هيكل محبًا لإيران وعالمًا بأحوالها، فقد سافر مرارًا إلى إيران سواء قبل الثورة الإسلامية وبعدها وحاول التعرف على إيران عن قُرب، كما أنه قد كتب تاريخ التحولات السياسية الإيرانية أيضًا ودافع عن العلاقة بين إيران ومصر، حيث كان يعتبر البلدين مركزين كبيرين للحضارة وإنتاج الثقافة، وكان يعتقد أنه لو حدث وأصبحا هذان المركزان الثقافيان في مواجهة ضد بعضهما فسوف تتهيأ الأجواء للعدو المستبد للهيمنة على المنطقة.
* فوق البركان!
قام هيكل بتعريف إيران الجديدة للمصريين والعالم العربي عن طريق زياراته لإيران وكتبه حول إيران والإمام الخميني وثورة إيران. كتاب “إيران فوق البركان” هو الكتاب الأول الذي خطه هيكل في عام 1951م، وشرّح هيكل في هذا الكتاب الخالد مراحل تأميم صناعة النفط الإيرانية وأحداث الانقلاب الأمريكي على رئيس الوزراء الإيراني حينها محمد مصدق، كما أنه التقى في زياراته لإيران في فترة نظام “الشاه” بأحد الزعماء السياسيين الدينيين الشعبيين البارزين وهو آية الله “ابوالقاسم كاشاني”، والتقى أيضًا برئيس وزراء إيران حينها الدكتور “محمد مصدق” وكان له لقاء أيضًا مع “محمدرضا بهلوي” وتبادل معهم جميعًا أطراف الحوار.
* لقاءه بالإمام الخمينى!
سافر هيكل إلى باريس قبل انتصار الثورة الإيرانية من أجل لقاء الإمام الخميني وعقد حوار معه ونشره، أبدى الإمام احترامًا جمًا لهيكل الذي ألّف كتابه الثاني “مدافع آية الله – قصة إيران والثورة” عام 1979م. والذي خصصه للحديث حول إيران، وأوضح هيكل في هذا الكتاب أحداث الثورة الإسلامية.
* مصر-إيران..كلمة السر لأمة عملاقة!
اعتبر هيكل في الكثير من حواراته المتعددة أن التباعد بين إيران ومصر هو أمر يضر بمصلحة البلدين والمنطقة وكان منزعجًا بشكل كبير من سلوكيات بعض الدول العربية تجاه إيران (في حوار له مع برنامج تلفزيوني على قناة سي بي سي المصرية) وكان يقول أن الأمريكان قد فعلوا بعض الأمور التي جعلتنا ننسى الحرب مع إسرائيل وننحدر نحو صراع شيعي وسني (في حوار له مع برنامج “مع هيكل” في قناة الجزيرة).
*شخصية عابرة للمذاهب والقوميات!
كما لم يكن هيكل “محايدًا” أيضًا بخصوص المقاومة الإسلامية في لبنان، فقد كانت له رؤاه الخاصة وقد ذهب للقاء الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله وعقد معه حوارًا، وتُظهر خدمات هذا الرجل للمقاومة الإسلامية في لبنان مدى شخصيته العابرة للقوميات والمذاهب، ونبعت مساعدته للمقاومة الإسلامية في لبنان من منطلق مواقفه المبدأية في دعمه لفلسطين ومعاداته للكيان الصهيوني المُحتل للقدس. لم يكن هيكل “طالبًا لراحة البال” فقد صرف من رصيد حياته ومكانته كثيرًا من أجل أفكاره المستقله والشريفة وقد تحمل كثيرًا من أجل “استقلاليته” و”عدم حياديته”.
* هيكل.. والإمام الحُسينْ!
كان هيكل ملتزمًا بالقيم والمبادئ والأصول والأخلاق الإسلامية من منطلق التربية العائلية، لذا ووفقًا لوصيته فقد تم تشييع جنازته دون أي مراسم رسمية من مسجد الإمام الحسين في القاهرة وبعدها تمت مواراته في التراب، كان هيكل مدرسة (اي طريقة فكرية مستقلة) في الصحافة وتحليل الأحداث التاريخية، فقد كان منصة إعلامية في حد ذاته. هيكل حي! ويجب الاعتزاز به والتعرف عليه من جديد.