حذارٌ من سياسة فرق تسد الإسرائيلية الجديدة
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
قبل استهداف مسؤول منطقة الشمال في سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الشهيد بهاء أبو العطا، كانت نقاشاتٌ إسرائيليةٌ حادةٌ وجادة تدور بين المسؤولين الإسرائيليين، العسكريين والأمنيين والسياسيين، وأخرى داخل مجلس الوزراء المصغر “الكابينت”، حول مسؤولية حركة الجهاد الإسلامي عن موجات العنف في الفترة الأخيرة، وأنها التي تقوم بإطلاق الصواريخ من قطاع غزة على مستوطنات الجنوب، وتعمل على اضطراب الأوضاع فيها، وأنها تتعمد انتهاك الهدوء السائد، وخرق التفاهمات الضمنية، ولا يعنيها معاناة سكان غزة وشكواهم، ويزعمون أنها تلتزم بالتعليمات الإيرانية، وتنفذ ما يطلب منها، حتى ولو كانت الأوضاع العامة هادئة والاستقرار في المنطقة سائد، وأشارت بأصبع الاتهام إلى الشهيد بهاء أبو العطا، واعتبرته مارقاً ومتمرداً على تفاهمات التهدئة القائمة.
وأشارت أوساطٌ عليمة بالشأن الإسرائيلي إلى أن اسم بهاء أبو العطا لم يغب عن وسائل الإعلام الإسرائيلية، بل كان حاضراً في مختلف النقاشات الأمنية والحوارات السياسية، وكان اسمه يتردد في نشرات الأخبار والبرامج الإعلامية، فيما بدا أنه شبحٌ مخيفٌ يطارهم، وعدوٌ قويٌ يتربص بهم، وقائدٌ عسكري لا يخلع بزته ولا يلقي بندقيته، ووصفه البعض بأنه قنبلة موقوتة تكاد تنفجر في أي لحظة، ولا يجوز تركه أو التغافل عنه، ولهذا فقد بدا واضحاً أنهم سيستهدفونه، ولن يترددوا في قتله إذا أتيحت لهم الفرصة، ولم تكن هذه النية خافية على أحد، إلا أن البعض كان يستبعد فكرة إقدام الكيان على العودة إلى سياسة الاغتيالات، التي من شأنها تفجير المنطقة واندلاع الحرب فيها من جديدٍ.
يحاول الكيان الصهيوني بلغةٍ خبيثةٍ ومفرداتٍ مسمومةٍ في معرض تبريره لجريمته، تصوير حركة الجهاد الإسلامي بـأنها غير مسؤولة وتتعمد الخروج على الإجماع الفلسطيني، وتعمل على الضد من حركة حماس، التي تحاول ضبط الأمن ومنع الخروقات، في الوقت الذي لا تتحمل فيه أي مسؤولية عن السكان، ولا تهتم بتسهيل حياتهم وتخفيف الأعباء عنهم، ولا يعنيها كثيراً الضائقة التي يعيشون فيها، وأخذت سلطات الاحتلال في شيطنة حركة الجهاد الإسلامي وتسخين الأجواء ضدها، في محاولةٍ خبيثةٍ منها لخلق واقعٍ شعبي معادي لها، وزيادة نقمة السكان وغضبهم عليها، وذلك تمهيداً لأي اعتداء أو استهداف قادم ضد كوادرها وقياداتها، وضد مقرات ومؤسسات تابعة لها، سواء في قطاع غزة كما حدث مع الشهيد بهاء، أو خارجها كما حدث باستهداف بيت عضو مكتبها السياسي أكرم العجوري.
يعمل الكيان الصهيوني في ظل أجواء الفتنة على التفريق بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي، فيبرئ الأولى من تنفيذ عمليات القصف الصاروخي ويتهم الثانية ويتوعدها، إلا أنه يحمل حركة حماس المسؤولية التامة عن عمليات القصف، كونها هي السلطة الفعلية الحاكمة في قطاع غزة، وأنه كان عليها أن تضبط جميع الأطراف وأن تمنع وقوع أي خروقات، وإلا فإنها شريكة فيما يقع، ومسؤولة عما يقوم به أي طرف يخضع لسلطتها التنفيذية، ولهذا يعمد جيش الاحتلال إلى ضرب مقار حركة حماس ومواقعها العسكرية، ومرافقها العامة ومخازن أسلحتها، وغيرها مما يظن أنها تخص كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة، ويلحق بها أضراراً كبيرة بقصد الوقيعة بين الحركتين، وإشعال نار الفتنة والاختلاف بينهما.
وتحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلية التلاعب أكثر في مفرداتها واتهاماتها، فتسعى للوقيعة بين كوادر حركة الجهاد أنفسهم، عندما تقول بـأن الذي يقف وراء موجات التصعيد الأخيرة ليس حركة الجهاد الإسلامي، وإنما مسؤول لواء الشمال في جناحها العسكري، الذي بدا أنه يتفلت من القرارات ولا يلتزم بها، بينما تتوافق حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس على سياسة التهدئة المتبعة، وتحرصان معاً على انتظام عمليات الإغاثة القطرية والمساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة بموجب حالة التهدئة العامة التي ترعاها مصر أمنياً وقطر إنسانياً، ولن يكون من صالح حركة الجهاد الإسلامي أن تتهم بأنها تقف وراء تعطيل المساعدات وتوتير الأجواء الأمنية وتعطيل جهود المساعدة الإنسانية.
أمام الجريمة الإسرائيلية الجديدة، وفي مواجهة سياستها الخبيثة، التي تسعى للاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي، ينبغي على كل القوى الفلسطينية أن تكون يقظة ومنتبهة، وألا تسمح للعدو بأن يوقع بينهم ويستفرد بهم قوةً إثر أخرى، فلا يفرق بيننا ليسود، ولا يدق بيننا أسافين الاختلاف لينجو، ولا نقبل بتصنيفاته ولا نسكت عن ادعاءاته، إذ ليس فينا ولا بيننا مارقٌ أو متمردٌ، ولا يوجد بيننا من يشذ عن الصف أو يتفرد بالقرار، بل نحن جميعاً قوى تحرر وطنية، كلمتنا موحدة، وإرادتنا جامعة، وموقفنا مشترك، نتفق جميعاً في مواجهة عدونا الوحيد، الذي لا نرى غيره عدواً لنا وغاصباً لحقوقنا ومحتلاً لأرضنا.
ينبغي على القوى الفلسطينية جميعها، وفي المقدمة منها حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، أن تبري سهمها وتشد قوسها وتحد سيفها، وأن تفعل غرفة العمليات المشتركة، وتضرب عن قوسٍ واحدةٍ ليكون ردها على الاعتداءات الإسرائيلية جامعاً موحداً، وقوياً مزلزلاً، وتكون رسالتها إلى العدو واضحةً صريحةً، مدويةً جريئة، أننا شعبٌ واحدٌ وجبهةٌ مشتركة، نخوض الحرب معاً ونصنع التهدئة سوياً، فلا يجوز لقوةٍ أن تقف على الحياد، تتفرج على المعركة وتشاهد العدوان، فهذه معركةٌ لا حياد فيها، ولا مناص من خوض غمارها، فالشريف من يشارك فيها، والوضيع من يهرب منها.