بقلم: أحمد سلام
الخبير في الشأن الصيني والمستشار الإعلامي السابق بسفارة مصر لدي الصين
تحت شعار “عصر جديد، مستقبل مشترك”، يُقام حالياً معرض الصين الدولي للواردات في دورته الثانية بشانغهاي وذلك خلال الفترة من 5-10 نوفمبر 2019، وهو أول معرض دولي في العالم مخصص للواردات والذى يؤكد على سياسة المنفعة المتبادلة والمصلحة المشتركة التي تنتهجها الصين كمبدأ أصيل في علاقاتها الخارجية. وتعد محل تقدير وترحيب من غالبية دول العالم، والشاهد على ذلك أن هذه الدورة يشارك فيها هذا العام 155 دولة ومنطقة و26 منظمة دولية وبحضور رؤساء دول وحكومات ووزراء ممثلين عن دولهم، ويقام المعرض على مساحة 360 ألف متر مربع، وجذب قرابة 4000 شركة.
المعرض يحظى باهتمام كبير على أعلى المستويات في الصين، ويشرف الرئيس الصيني شي جين بينغ بنفسه على كافة المسائل المرتبطة بتنظيمه، فبعد نحو أربع سنوات من قيامه بطرح مبادرة “الحزام والطريق” في عام 2013، والتي غيرت من ملامح الاقتصاد العالمي. حيث وقعت الصين وثائق تعاون في إطار المبادرة مع 137 دولة و30 منظمة دولية حتى نهاية يوليو الماضي. أعلن الرئيس شي في مايو عام 2017 عن إطلاق معرض الصين الدولي للاستيراد الذي تم إقامة دورته الأولى في نوفمبر 2018.
وألقي الرئيس شي خطابا رئيسيا مهما في افتتاح المعرض وضح فيه سياسات الصين في الانفتاح الاقتصادي على العالم الخارجي وما تقوم أو تعتزم القيام به من إجراءات وسياسات اقتصادية داخلية أو خارجية بهدف تعزيز وتعميق إندماجها في الاقتصاد العالمي.
فيماأكد الرئيس شي أن الصين ستعمل على مزيد من تسهيل وصول الاستثمار الأجنبي للسوق وتقليص القائمة السلبية لدخول الاستثمارات الأجنبية، وأنها ستواصل تحسين بيئة الأعمال لجعلها أكثر توجها نحو السوق واعتمادا على القانون وذات توجه دولي.
وخلال الخطاب، قدم الرئيس شي منظور البناء المشترك لاقتصاد عالمي مفتوح من خلال التعاون والابتكار ومن أجل منفعة متبادلة، وحدد معالم سياسات الانفتاح الصينية في المرحلة المقبلة، وهي المعاني التي أكد عليها بقوله: “نريد أن ‘نتكاتف’ مع بعضنا البعض بدلا من ترك أيدينا ‘تفلت’ من بعضها الآخر. نريد ‘هدم الجدران’ وليس’ بناء الجدران’، نحتاج أن نقف بحزم ضد الحمائية والأحادية. نريد هدم العوائق باستمرار وتحسين سلاسل القيمة والإمداد العالمية وتسريع طلب السوق بشكل مشترك.” وحث شي على بذل جهود مشتركة لدعم القيم الجوهرية والمبادئ الأساسية لنظام التجارة متعدد الأطراف وتعزيز تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار.
ارتباطاً بما سبق، وفي مؤتمر صحفي عقده لياو لي تشيانج السفير الصيني لدى القاهرة في 30 أكتوبر الماضي، أعلن خلاله مشاركة 23 شركة مصرية في فعاليات الدورة الثانية لمعرض الصين الدولي للاستيراد بشانغهاي، وأنه قد تم تخصيص مساحة أكثر من 360 مترا مربعا للجناح المصري، وأكد أن المعرض يُعد فرصة ومنصة هامة لمصر لعرض منتجاتها، والترويج لها على الساحة الدولية، وللإنجازات الاقتصادية التي تحققت خلال الفترة الماضية، لاسيما وأن مصر تعتبر من أوائل الدول التي أعلنت استجابة سريعة للمشاركة في هذا المعرض. وقد بلغ حجم الصفقات المبدئية التي أبرمتها الشركات المصرية مع المشترين الصينيين خلال مشاركتها في الدورة الأولى للمعرض نحو 42 مليون دولار أمريكي.
وكانت رئيس هيئة تنمية الصادرات المصرية قد صرحت في مارس الماضي بأنه تم حجز مساحة 150 متراً مربعاً للجناح الوطني بالمعرض والمدعوم من الحكومة الصينية، والذى يضم 3 مجالات رئيسية تتضمن القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية، لافتةً إلى أن الوفد المصري المشارك بالمعرض سيقوم باستعراض الإنجازات الاقتصادية والتنموية للحكومة المصرية فى مجالات التجارة والصناعة والاستثمار والسياحة، كما ستشارك مصر بجلسة التجارة في السلع والتجارة فى الخدمات المنعقدة على هامش المعرض.
وثمة إقرار من جانب الأوساط والفعاليات الاقتصادية والتجارية الصينية بأهمية مشاركة مصر في الدورة الثانية للمعرض والاستفادة من الفرص الهائلة التي تتميز بها الأسواق الاستهلاكية بالصين. فعلى سبيل المثال، تشير إحصاءات الإدارة العامة للجمارك الصينية إلى أنه خلال السنوات العشر الماضية، نمت تجارة المنتجات الغذائية المستوردة في الصين بمعدل سنوي متوسط قدره 17.4%، وللمرة الأولى في عام 2018، تجاوزت 70 مليار دولار أمريكي. وفي الوقت الحاضر تم تضمين 2283 نوعا من المنتجات الغذائية المستوردة من 176 دولة ومنطقة، وتمت الموافقة على تسجيل 18295 شركة أغذية خارجية، و33059 من وكلاء الاستيراد والتصدير في الجمارك.
فمن جانبها، أشارت شو لومي المستشار التجاري بوزارة التجارة الصينية إلى أهمية مشاركة مصر بالمعرض باعتبارها شريكا استراتيجيا للصين فى منطقة الشرق الأوسط والاستفادة من السوق الاستهلاكي الضخم بالصين، مشيرةً إلى أن هناك فرصا ضخمة لمنتجات الأغذية والمنتجات الزراعية ومنتجات الادوية والمنسوجات والملابس، وكذا التجارة في الخدمات مثل السياحة والثقافة المصرية للنفاذ للسوق الصيني خلال المرحلة المقبلة.
وذكر الوزير المفوض التجاري بالسفارة الصينية بالقاهرة أن مشاركة مصر في معرض الصين الدولي للواردات تعكس قوة العلاقات الوثيقة بين مصر والصين والتي تمهد لإحداث طفرة في التعاون المشترك بين البلدين في كافة المجالات، وأن العلاقات المصرية الصينية شهدت تطورا كبيرا خلال الفترة الأخيرة، حيث شاركت الصين في العديد من مشروعات البنية التحتية والمشروعات الإنشائية الخاصة بالمشروعات الكبرى التي تنفذها الحكومة المصرية في الفترة الحالية والتي تتضمن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات السكك الحديدية وإنشاء الموانئ الجديدة.
ومما يزيد من أهمية مشاركة مصر في الدورة الثانية من المعرض، أنها ترفع مؤشر العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مستوى أعلى وتبرز الدبلوماسية التجارية المصرية النشطة تحت مظلة هذا المعرض الهام الذي يواصل التأكيد على أن العولمة الاقتصادية اتجاه تاريخي لا رجعة عنه وأن التعاون المفتوح يمثل قوة دافعة هامة لتعزيز حيوية الاقتصاد والتجارة الدوليين.
وفي حقيقة الأمر، فإن مشاركة 23 من كبريات الشركات المصرية في الدورة الثانية للمعرض هذا العام تُعد فرصة كبيرة للاستفادة من التوسع الهائل للسوق الاستهلاكي الصيني لما يقرب من مليار و400 مليون مواطن صيني، والذى بدوره يعزز ويزيد من معدلات الصادرات المصرية للصين، خاصة مع توجه الصين إلى زيادة وارداتها إلى 10 تريليون دولار خلال السنوات الخمس القادمة، وضرورة استفادة مصر من هذا التوجه فى تخفيض العجز في الميزان التجاري بين مصر والصين والذى يميل بشدة لصالح الجانب الصيني. حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 13.8 مليار دولار العام الماضي، من بينها 12 مليار دولار صادرات صينية لمصر، و1.8 مليار دولار صادرات مصرية للصين.
وتحرص مصر على فتح أسواق جديدة لمنتجاتها في السوق الصينية الضخمة، وفي نفس الوقت تفتح الصين أبوابها على نطاق أوسع للسلع المصرية، وتهتم بزيادة الصادرات المصرية إليها. وفي هذا الإطار، ارتفعت صادرات مصر من الموالح، خاصة البرتقال، إلى الصين خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2019 لتبلغ 134 مليون دولار، بزيادة 65.8% مقارنة بعام 2018، وذلك حسب جهاز التمثيل التجاري بوزارة التجارة والصناعة المصرية. فيما أكد المكتب التجاري المصري ببكين أن أهم بنود الصادرات المصرية للصين، تتمثل في: الرخام، البولي إثيلين، الكيماويات، الكتان نصف المغزول، البلاستيك، النشادر المائي، النحاس، الجلود الخام، وحاصلات زراعية مثل البرتقال وعنب المائدة وعلف البنجر والفراولة المجمدة.
أتذكر مقالاً كتبته قبيل إنطلاق فعاليات الدورة الأولى لمعرض الصين الدولي للاستيراد في نوفمبر 2018 والذى كانت مصر ضيف الشرف للمعرض .. تسائلت فيه: هل استعدت الأجهزة الحكومية المختصة الاستعداد الكامل للمشاركة في هذا المعرض الدولي المهم في ظل نهضة مصر الحديثة وما تشهده من إصلاحات في كافة المجالات الاقتصادية والاستثمارية ومجالات البنية التحتية؟، وهل تمت الاستفادة من خبرات الدول والتجارب التصديرية الناجحة؟، وهل تم تفعيل الاتفاقيات التجارية والاقتصادية المبرمة بين الجانبين المصري والصيني خلال الآونة الأخيرة؟ وغيرها الكثير من الأسئلة التي تجول بخاطري والتي تذكرني بالتجربة الصينية التي كنت شاهد عيان على ما بلغته من مراحل وتطورات عديدة.
والحقيقة أنني لمست عن قرب مدى ما تبذله الدولة والحكومة في هذه المجالات والذى ظهر جلياً من خلال المشاركة المصرية هذا العام علي المستويين الرسمي والخاص ، وقد شاهدت أثناء زيارتي الأخيرة للصين ( حيث شاركت بمؤتمر حوار الحضارات مايو الماضي ) أن هناك العديد من الأصناف والمنتجات المصرية التي يمكن للمواطن الصيني شراؤها من المواقع الإليكترونية التجارية بالصين، ومنها على سبيل المثال العسل الأسود والفول والجبن والبرتقال الطازج والجاف والعصائر والملابس القطنية وغيرها الكثير من المنتجات المصرية لشركات مصرية ذات شهرة، وتملكني شعور عظيم بالفخر ببلدى وأن أجد عبارة (صنع في مصر) على المنتجات الغذائية التي يستخدمها المواطن الصيني. ومازال أمام المصدر المصري الكثير من المجالات والفرص السانحة، وأذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر (الجمبري المجمد – جراد البحر – الكركديه – العنب – الفراولة المجمدة – الثوم الطازج – الجلود – الأقطان والغزول القطنية – السجاد – مركزات عصائر الفاكهة – مسحوق الفلفل الأحمر.. إلخ).
وأكرر أنه في إطار حرص مصر وهي في مرحلة الإنطلاق علينا أن نستفيد من نجاح تجربة الصين فى مجال تنمية الصادرات والنظر ودراسة العديد من الأسباب، ولعل من أهمها: عدم اكتفاء الصين بإصلاح البيئة العامة للتجارة الخارجية من سعر صرف وضرائب وإصلاح جمركى، والاستفادة من استثمار الإعلام الاقتصادى والتنموي في الترويج والجودة والتوعية للمواطن الصينى، والأكثر من ذلك أنها اتبعت سياسة جديدة وهي سياسة الاستهداف لضمان فاعلية الحوافز المقدمة وسهولة التنفيذ، والتى تمثلت في ثلاثة عناصر، تتمثل في:
(1) إنشاء مناطق جغرافية جديدة: وهي تنقسم إلى نوعين من المناطق:
الأولى: المناطق الخاصة: وهى مناطق جغرافية تطبق فيها قوانين أكثر انفتاحاً وتعتبر مناطق ذات إدارة اقتصادية مستقلة فى مجالات العمل والاستثمار، التسعير والضرائب، حرية التعامل مع الاستثمار الأجنبي، موانئ التجارة الدولية.
أما الثانية، فتتمثل في مناطق التجارة الحرة: وهي تهدف إلى زيادة درجة الانفتاح على العالم الخارجى وجذب الاستثمارات الأجنبية. وفي أغسطس الماضي أنشأت شاندونغ وجيانغسو ويوننان وغيرها من ست مقاطعات ومناطق ذاتية الحكم في الصين مجموعة جديدة من مناطق التجارة الحرة.
(2) جذب رؤوس الأموال الأجنبية: وذلك بهدف تشجيع الصادرات بربطها بتشجيع الاستثمار الأجنبى المباشر فى الصناعات التكنولوجية عالية التقنية، وتشجيع الشركات الأجنبية على إنشاء مقار إقليمية ومراكز لتدريب العمالة الصينية وكذلك تقديم عدد من الحوافز. وفي إطار سعيها لخلق بيئة أعمال أكثر جاذبية، أصدرت الصين في العام الحالي سلسلة من السياسات والتدابير. ففي مارس الماضي أقرت قانون الاستثمار الأجنبي بهدف تعزيز حماية الاستثمار الأجنبي. وفي يونيو الماضي، أصدرت النسخة الجديدة من القائمة السلبية لدخول الاستثمارات الأجنبية وقائمة الصناعات التي تشجع الاستثمار الأجنبي، وبدأت في تنفيذها رسمياً منذ 30 يوليو من العام الحالي.
(3) زيادة الكفاءة الإنتاجية للمصدرين: من خلال توفير قروض تمويل للمشروعات وإنشاء شبكات للإنتاج التصديرى وذلك بربط الشركات الكبرى بعضها ببعض، خاصة تلك التى تعمل في نفس المجال وتقديم الدعم لهم لتشجيعها على التطوير والابتكار واستيراد التكنولوجيا المتقدمة، بالإضافة إلى التدريب المستمر لرفع المستوى التكنولوجى للعمال والمتخصصين مع العمل على تسهيل وضمان إمدادات المواد الخام والطاقة وتوفير البنية التحتية والخدمات اللوجيستية وإعفاء واردات السلع الوسيطة المخصصة للإنتاج التصديرى من الرسوم الجمركية.
إن الطفرة الهائلة التي حققتها الصين في مجال تنمية الصادرات والتي تعكسها أرقام الصادرات الصينية إلى العالم الخارجي، لم تأت من فراغ، وإنما كانت نتيجة أسس وسياسات اقتصادية مرسومة ومطبقة بدقة على أرض الواقع.
خلاصة القول: لدى مصر فرصة كبيرة للدخول والمنافسة في السوق الصينى والاستفادة من مشروع تطوير محور قناة السويس وتكلفة الشحن المنخفضة للمنتجات المصرية مقارنةً بالمنتجات الأوروبية المنافسة. فالمعرض يتميز بأنه يتضمن العشرات من الفعاليات، منها عقد لقاءات ثنائية ومنتديات استثمارية تتيح لمصر نافذة لعرض أوجه تنميتها وإنجازاتها الاقتصادية وما لديها من فرص استثمارية وما اتخذته من إجراءات لتحسين مناخ الأعمال والاستثمار.
وحسب المعاني التي أكد عليها الرئيس شي في كلمته في افتتاح المعرض فإن المعرض الدولي للواردات بشانغهاي يُعد فرصة هائلة أمام الجانب المصري والمصدر المصري لاستعراض كافة الإنجازات الاقتصادية والتنموية للحكومة المصرية فى مجالات الصناعة والتجارة والاستثمار والسياحة والاستفادة من هذا المناخ الصحي في التعاملات الاقتصادية والتجارية الدولية من جانب جمهورية الصين الشعبية.