رأى

أحمد ويحمان ومضة نور في زمن العتمة

استمع الي المقالة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

أصبت بالصدمة والذهول لدى سماعي نبأ اعتقال الأخ المناضل العربي المغاربي أحمد ويحمان، وانتابتني موجاتٌ عارمةٌ من الحزن والأسى، والثورة والغضب، فما الجرم الذي ارتكبه، وما الخطيئة التي اقترفها، وهل تراه تجاوز القانون أم اعتدى على أحد، أم أنه جاء بفعلٍ فاضحٍ يخالف قيم الأمة وموروثات الشعب.

أحمد ويحمان ليس بالرجل الذي يعتقل ويهان، ويضيق عليه ويساء إليه، وليس بالرجل الذي يحبس لسانه ويصادر قلمه، وتمزق كتبه وتبعثر أوراقه، بل هو الرجل الذي يستحق من الأمة العربية والإسلامية قبل الشعب المغربي كل تقديرٍ وعرفانٍ، ومحبةٍ وولاء.

إنه ضمير المغاربة ولسانهم الصادق وترجمانهم الأمين، وكلمتهم الأصيلة، وموقفهم الحر، وهو ابنهم البار الذي ينافح عنهم ويكافح من أجلهم، ويتصدى للذود عنهم وحمايتهم، ويضحي بالقليل الذي يملك في سبيلهم، وهو خير من يحمل قضاياهم ويعبر عن مواقفهم في وطنهم وفي مغترباتهم، بل هو سفيرهم الناجح ورائدهم الصادق، وجنديهم المجهول ومواطنهم الغيور ومقاتلهم الجسور.

المغربي أحمد ويحمان عرفته المنابر الثقافية والإعلامية في المغرب وخارجه، حيث المؤتمرات التي يشارك فيها، والندوات التي يحاضر فيها، والبرامج السياسية التي تستضيفه المحطات الفضائية فيها، رجلاً صادق اللهجة بيِّنَ الكلمة، صريحاً جريئاً قوياً لا يخاف، لا يداهن ولا ينافق، ولا يكذب ولا يرائي، ولا يجامل ولا يداري، صديقه الحق، ورفيق دربه الصدق، وشعار حياته الموقف الحر، كلماته كالطلقة المصوبة، ومواقفه كالمدافع المدوية، لا يتأخر عن واجبٍ، ولا يقصر في حق، ولا يغيب عند الأزمات، ولا يجبن في مواجهة الملمات.

يؤمن أن أمته بخير، وأن ما أصابها ليس إلا جرحاً عابراً سيندمل قريباً وتتعافى منه سريعاً، وستنهض من كبوتها قويةً، وستستعيد ألقها الذي كان، وستحمل من جديد سيفها الذي سقط من يدها أو ثلمت شفراته، لتواجه به المتآمرين، وتصد عنها كيد الكائدين.

أحمد ويحمان ذو الأسمال البسيطة والثياب العادية، صاحب السيارة القديمة التي لا يعيرها أحدٌ اهتمامه، ولا يتمنى اقتناء مثلها الفقراء أمثاله، إلا أن الجميع بات يعرفها ويحفظ شكلها ولونها وأرقامها، فهي التي نافح بها وكافح ليثبت بها حقوق المواطنين، ويحول دون تغول السلطات الحاكمة عليهم، وهي مكتبه المتنقل ومستودع أوراقه الكثيرة، تأخذه إلى كل مكانٍ، وتحمله حيث يريد، ويذهب بها إلى مكاتب الوزراء وبيوت رؤساء الحكومات، ويشارك بها في أكبر المؤتمرات، ويقل بها زملاء له ومشاركين سواه، فما يشعر بالخجل منها، ولا ينتابه الحرج إن رآه البعض يستخدمها.

أحمد ويحمان الرجل الفقير المال، البسيط الحاجة، الغارق في ديونه، المريض المعاني، الواثق بربه، المعتمد على الله خالقه، المطمئن إلى رزقه، المستبشر بغده، الصابر الورع، الشفاف الصافي، الرقيق البكاء، المعروف لدى من يعرفه بأنه أبو ذر الغفاري، أو الاشتراكي المسلم، قد استحق بجدارةٍ هذا اللقب ونال شرف هذا الاسم.

إنه أبو ذر زماننا الذي عز نظيره وقل مثيله، منذ سنين طويلة وأنا أعرفه مثال الشعب المغربي في طيبته وبساطته، وفي خلقه وسماحته، زاهداً في الحياة ومتعففاً في العيش، لا يبحث عن الشهرة ولا يسعى إلى المال، ولا تهمه المناصب ولا تعنيه الصفات، تسعه أضيق الأماكن، ويسكت جوعه أقل القليل، وترضي نفسه الكلمة الطيبة والابتسامة الحلوة، لا يغضب لنفسه لكنه يثور لحقه، يسامح من أساء إليه لكنه يبطش بمن يجور على أمته ويسيء إلى قضيته.

أحمد ويحمان يحبه الفلسطينيون ويقدرونه، ويحفظون فضله ولا ينسون جهوده، فهو الذي انبرى مع صحبةٍ مغربيةٍ أصيلة فأسسوا معاً مجموعة العمل المغربية من أجل فلسطين، وإلى جانبها المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، وكان في المؤسستين رائداً ومقدماً، ينافح بقوةٍ عن حقوق الشعب الفلسطيني، ويقف صنديداً في مواجهة العدو الصهيوني، ويتصدى بغيرةٍ وعنفٍ لكل المتآمرين على الأمة والمطبعين مع العدو، فيقسو عليهم ويشتد في مواجهتهم، ولا تأخذه في حربه معهم رحمةٌ ولا شفقة، حيث يرى فيهم خذلاناً للأمة وخيانةً للأمانة، إذ يصادقون أعداء الأمة، الذين اغتصبوا أرضها وقتلوا رجالها  وعاثوا في بلادها فساداً وخراباً.

فهل يدرك الذين اعتقلوا أحمد ويحمان أنهم بفعلتهم النكراء يسيئون إلى أنفسهم ويلطخون سمعتهم ويلحقون العار بمن سكت عن جريمتهم، وأنه يجب عليهم أن يبادروا إلى إطلاق سراحه وتقديم الاعتذار له، وتكريمه بأعلى وسام مغربي وأعظم وشاحٍ عربيٍ.

واعلموا أن المغاربة الأحرار الكرام لن يغفروا أبداً لمن أقدم على ضربه وإهانته، ولمن أصدر القرار بتوقيفه واعتقاله، فهذا رجلٌ تعتقله الفئة الباغية، وتحبسه الطغمة الظالمة، وتبقي على القيود في يديه والأغلال في قدميه الجهاتُ التي تخاف منه وتقلق من جهده، إذ أنها تدرك أنه القادر على تحطيم أصنامهم، وتعرية مخططاتهم، وفضح مؤامراتهم، والانتصار على أوهامهم، فلا تفرحوا الصهاينة الذين انبرى لحربهم نيابةً عنكم باعتقاله، وعجلوا بتصويب خطأكم وتصحيح قراركم، ووقف إجراءات محاكمته، والاعتذار إليه عن سوء فعلكم وقبح عملكم وعيب قراركم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى