ثورة الشعب اللبناني..أوضاع إجتماعية تعيسة فقرت البلاد وحقرت العباد
بقلم: فؤاد الصباغ
تعتبر العشرية الحالية إنطلاقا من سنة 2011 إلي غاية الآن بمثابة تسونامي حقيقي عبر تلك موجات الإحتجاجات الشعبية التي خرجت للشوارع تصرخ بصوت واحد “يسقط النظام و يسقط الجميع” و ذلك تذمرا و سخطا علي أوضاعهم المعيشية التي أضحت في الحضيض. فمما لا شك فيه تعتبر تلك الجحافل المجحفلة للشعوب الصارخة في شوارع العواصم العربية و الغاضبة من تردئ معيشتهم اليومية و التي أصبحت تقارن كموتي شعوب في الحياة تعد في مجملها حدث بارز عالميا. فهذا الوضع لم يأتي من فراغ بل جاء نتيجة لتراكم المشاكل المعيشية و تزايد فوارق الطبقات الإجتماعية التي أصبحت في مجملها مضطهدة و محتاجة لأبسط أساسيات الحياة “من أكل و مسكن و عمل و ضمان إجتماعي و صحة و غيرها” و التي حرمت منها في أوطانها لتصبح غرباء عنها. إذ في هذا السياق فيهم من تلك الشعوب العربية من فضل الغربة ملجأ له لعله يجد فيها قيمته الحقيقية و لقمة عيشه و منهم الآخر من إنتحر أو دخل في غيبوبة و أمراض نفسية و عصبية مزمنة و الجميع أصبح يعاني من مأساة حقيقية أدت لبروز تلك الثورات الشعبية المتواصلة علي مدار هذه العشرية التعيسة. إنفجرت تلك الشعوب العربية علي بكرة أبيها لتقول “كفي ظلما و محسوبية و فسادا” من تعيينات في الوظيفية العمومية و غلاءا للأسعار و الغياب الكلي للعدالة الإجتماعية. فبيروت اليوم أصبحت ضمن تلك المجموعة من الشعوب العربية الثائرة بحيث أضحت تنزف دموعا و بؤسا لأوضاع إجتماعية تعيسة و لا مثيل لها, و هذا دليل واضح علي سوء الحياة بتلك البلدان العربية التي طالها تسونامي الإحتجاجات الشعبية المطالبة بالتشغيل و تحسين ظروف العيش. فالفساد بلغ ذروته من تراكم للعجز المالي و تفاقم المديونية و غياب العدالة الإجتماعية لتبرز الكوارث الإجتماعية من حرق ذلك الشخص نفسه نقمة علي أوضاعه المادية و ينتحر ذلك الطفل الذي أصبح ينظر لمستقبل مفقود و الجميع أصبح يعاني من عاطل عن العمل, أجير, موظف و حتي أساتذة جامعيين أصبحت تصرخ في حرم الجامعات مطالبة بتسوية وضعيتهم المزرية. فهنا يكمن مربط الفرس, فالمشكلة ليست “تخص شخص واحد” في تلك البلدان العربية بل آلف و ملايين الأشخاص من الخليج إلي المحيط. إن بيروت اليوم تحترق نتيجة لتراكم الأزمات الإجتماعية و الإقتصادية بحيث فقرت البلاد و حقرت العباد و الجميع يعاني الأمرين من بطالة طالت أمدها و غلاء للأسعار رهيب و لا يطاق.
غياب العدالة الإجتماعية
إن الأوضاع الإجتماعية التي أصبح يعيشها المواطن اللبناني أصبحت لا تطاق منها تراكم الضرائب الجبائية علي كاهل الفقراء, غياب التوظيف القار, محسوبية و فساد في الإدارات العمومية. فتلك النتائج لم تأتي فرادة بل كان لها مسبب أو بالأحرى سببها سياسات النظام الرأسمالي المتعفن في مناهجه و مدارسه الإقتصادية التي مازالت تروج لتحرير الأسعار و الأسواق و تطالب بمزيد دعم القطاع الخاص و الإستثمار في بيئة تفتقد لرؤوس الأموال و شعب فقير و مهمش و مازالت تدعو لتعزيز مكانة الخصخصة في الإقتصاد الوطني اللبناني الهش بطبعه. فهنا تكمن الكارثة الإقتصادية التي تتسبب في بروز تلك الثورات الشعبية بحيث لا تتحقق العدالة الإجتماعية في صلب تلك السياسات التي لا تتلاءم مع البنية التحتية لنوعية تلك الإقتصاديات المعوقة إجمالا لأنها تزرع في المجتمعات العربية الفقيرة و المفقرة بطبعها فوارق إجتماعية هائلة لتبرز بالنتيجة إرتفاع نسبة البطالة و الإنتحار و الإنعزال عن المجتمع أو حتي مغادرة أوطانهم نقمة علي وضعهم الإجتماعي التعيس. إن الشعب اللبناني اليوم يحتضر بحيث إنعدمت الحياة الكريمة داخله نظرا للغياب الكلي لتوزيع الثروة الوطنية علي الطبقات الإجتماعية الفقيرة و المحتاجة. أيضا نتيجة نهب ثرواته بحيث فقرت البلاد و حقرت العباد و ما كان للحراك الشعبي “طلعت ريحتكم” الذي إنطلق منذ السنوات الماضية لينفجر في أواخر هذه السنة, إلا تكملة لتلك الثورة الحقيقية لشعب لبناني “صارخ و غاضب” عن أوضاعه المعيشية التعيسة. ففي ذلك البلد أو بقية الدول العربية التي شهدت ثورات شعبية نشاهد مشاهد غريبة و غير طبيعية, فكيف لخريج جامعي حامل حتي درجة شهادة دكتوراه أن يشتغل “أجير في مصنع, في حرف لا تحتاج دراسة, في محل ألعاب إلكترونية للأطفال, نادل بمقهي أو حانة, في مكتبة أو حتي عامل في البناء” نعم هذا هو الواقع الأليم لأصحاب الشهائد العليا في لبنان و في جميع الدول العربية. فلماذا ذلك الطالب يدرس تلك السنوات الطويلة بالجامعات ليجد نفسه في قوارب الموت المتجهة نحو البلدان الغربية أو في بيئة شغل لا تحتاج أبدا لشهادة جامعية. فهنا تكمن تلك المأساة الحقيقية لملايين الأشخاص بلبنان و حتي ببقية البلدان العربية التي يجب تسليط الضوء عليها و التي مازالت تعاني من فساد و محسوبية رهيبة داخل أوطانهم لتجعلهم غرباء عنها للأبد.أما البقية التي رفضت الإذلال إختارت اللجوء للهجرة نقمة علي تعاسة حياتها في تلك البلدان الفقيرة لبحث عن قيمتها الحقيقية في الدول الأجنبية التي وفرت لهم مستواهم العلمي و المكانة المرموقة في المجتمع فمنهم من أصبح نائبا بالبرلمان و وزيرا أو مستشارا و التي لم يجدها للأسف في وطنه الأم. إن الشعب اللبناني لن تهدأ له بال حتي يسقط ذلك النظام الفاسد الذي إختار المولاة لرجال المال و الأعمال و القطاع الخاص و يدير ظهره للطبقات الفقيرة و المضطهدة و المحتاجة. إن لبنان اليوم تنتفض في كل ربوعها وهي تذرف دموع “المساكين و المحتاجين” و ذلك مواصلة لتسونامي الإحتجاجات الشعبية بالبلدان العربية التي تطالب بالعدالة الإجتماعية بحيث أضحت شعوبها تحترق جسديا و داخليا.
أوضاع إقتصادية مزرية
من المعروف أن جميع الدول العربية التي شهدت ثورات شعبية خلال هذه العشرية و المشابهة بموجات تسونامي شعبي تذمرا و سخطا علي معيشتهم اليومية بحيث أصبح العاطل و العامل و الموظف و الأستاذ في سلة واحدة نتيجة لعجزهم المادي لبناء مسكنهم و توفير لقمة عيشهم. ففي تلك البلدان العربية الثائرة بما فيهم لبنان مازلت تعاني الإقتصاديات الوطنية من هشاشة هيكلية بحيث تبرز تلك العوائق واضحة و خاصة علي مستوي النمو الإقتصادي الذي أضحي في الحضيض و من المعروف لدي خبراء الإقتصاد أن كل إرتفاع في نسبة النمو الإقتصادي يخلق وظائف جديدة و يحفز مناخ الإستثمار و إستقرار الأسعار و إزدهار الشعوب. كذلك مازالت تعاني لبنان كغيرها من البلدان العربية من عجز مالي حاد وفقا لما صرحت به وسائل الإعلام و من تراكم للمديونية و غيرها من الأوضاع الإقتصادية المزرية التي أدت إلي إنفجار تلك الفقاعة الشعبية التي تطالب بتحسين ظروف عيشها و الكف عن السياسات الرأسمالية الرجعية من خلال زيادة الضرائب الجبائية و أسعار المحروقات و المواد الغذائية.