هناك عبارات وجمل متداولة في الفضاء الإعلامى والسياسى صارت مبتذلة من كثرة استخدامها بلا نفاذ لمضمونها الحقيقى، من أشهرهذه العبارات ( تجديد الخطاب الدينى ) والتى يتم استدعاءها عقب كل حادث إرهابى يتورط فيه بعض المهووسين دينيا، ومن المثير للشفقة في مصر أن لبانة تجديد الخطاب الدينى صارت في أفواه الجميع بدءا من المخبرين وعلماء السلاطين ومرورا بأنصار الفضيلة المزعومة الذين يطاردون الملحدين ويهاجمون خصوصية المواطنين ولا يتورعون عن التشهير بالناس واتهامهم بالانحلال والشذوذ إلى أخره من قائمة الاتهامات التي صار حزب أنصار الفضيلة – المزعومة- الرسمى وغير الرسمى يدجنها في مصر
تخيل أن هؤلاء هم الذين ينادون بتجديد الخطاب الدينى !، على جانب أخر هل رأيت تغطية الإعلام المصرى لمجرزة شارلى ايبدو بباريس؟ هل فاجئتك الجذور الداعشية المتآصلة في التغطيات الاعلامية المختلفة التي بدا أنها تبرر ما حدث وتراه عقابا عادلا لمن أساءوا للدين والرسول؟ هل رأيت الشماتة في صياغة الأخبار الخاصة بالحدث وطريقة سرد قصة حياة رئيس تحرير الجريدة الذي تم تصفيته في المجزرة؟ راجع كل ما سبق وتعجب فهؤلاء الداعشيون المستترون هم الذين رفعوا أسنة الرماح على الأزهر طوال الفترة الماضية واتهموه بكل نقيصة وبأنه داعم الارهاب ومنشئه وبأنه حضن التطرف الأول !
هل تتعجب الأن من ازدواجية المشهد؟ لا تتعجب ففى مصر لا شىء يدعو للعجب لأن الدهشة قد انتحرت من زمن بعيد وحل مكانها التبلد والاعتياد والبلادة وثقل الدم، يقوم شيخ الأزهر بدعوة رؤساء تحرير صحف وإعلاميين – عدد منهم محسوب على الاعلام زورا وبهتانا – لحوار حول دور الأزهر فيتحول اللقاء إلى ما يشبه محاكم التفتيش بعد أن يُنصب بعض هؤلاء أنفسهم كقضاة على دور الأزهر وشيخه، يتحدثون أحاديثا بلهاء تؤكد أن مستواهم الفكرى والادراكى بحاجة إلى تأهيل ولكن الحقيقة أن العيب ليس على هؤلاء بل على من تورط في دعوتهم ظنا منه أنه سيوقف مسلسل النهش المستمر في الازهر منذ شهور متتابعة ليفاجىء أن بعض الأصوات البلهاء قد صدقت نفسها واعتقدت أنها تمتلك ملكة التنظير والتأمل والاجتهاد لتمارس الوصاية على الازهر
يُحّملون الأزهر كل الخطايا وكأن شيخ الأزهر هو خليفة داعش ويعتقدون أن التطرف والتحول لعنف ليس للاستبداد والقمع أي دور فيه ويتناسون ان خطابات التحريض والكراهية التي سادت المرحلة الماضية والحالية وكانوا ينشرونها عبر منابرهم لا تأثير لها في خلق أجيال جديدة من المتطرفين والارهابيين، يتباكون على جرائم الارهابيين ولا يرون أنفسهم إرهابيين حقيقيين لو كانوا في دولة قانون تُجرم التحريض والتمييز لتمت مساءلتهم وادانتهم !
هل تتذكر حين رفض الأزهر مبدأ التكفير بشكل عام فكتب هؤلاء الأشاوس منشورات تسب الأزهر وتطلب منه أن يقوم بالتكفير وتلوم عليه موقفه! هؤلاء هم من سيجددون لنا الخطاب الدينى !
أسطورة تجديد الخطاب الدينى تحتاج لمفاصلة حقيقية تنتقل من مرحلة ( الكلام الملزق ) والمانشيتات الصحفية الموحدة وركوب الموجة إلى مرحلة تجديد الدين نفسه، هل نمتلك الشجاعة لنتوقف أمام قضايا مثل حد الردة وعقوبة الاعدام؟ هل نمتلك الشجاعة لمراجعة الاجتهاد في تطبيق الحدود وعقوباتها؟ هل نستطيع أن نتحدث بصدق عن المختلف دينيا وكيف نراه؟ هل نستطيع أن نقرأ أيات القرآن التي تتحدث عن الاستبداد وعاقبة الظلم وعن المنافقين الذين يدعمون قهر الناس ونجعلها ضمن ما يسمى بتطوير الخطاب الدينى لتنتهى ظاهرة علماء السلطان وفتاوى السياسة؟ هل سنتوقف عند نصوص صريحة يراها الأخرون دعوة لقتلهم ونراها جهادا في سبيل الله؟ هل سنستطيع أن نسأل أنفسنا أسئلة أخرى كثيرة بهذه الدرجة من الحساسية ؟
كل من يدورون في زفة ( تجديد الخطاب الدينى ) يقولون أن التجديد يعنى الاضافة فقط وليس الاقتراب من الموروث ويرفعون قميص الثوابت والمقدسات في وجه الجميع! واذا تحدثوا عن الاقتراب من الماضى قالوا لك نقوم بتنقيحه فقط! ألا تخجلون من هذا العبث والتدليس ؟
قد يعجبك هذا الكلام أو لا يعجبك ولكن بعضا مما تفعله داعش واخواتها – من وجهة نظرهم- له أصل في الدين ونصوص تدعمه! فماذا ستفعلون حين تقول لكم داعش أن سبى النساء واغتصابهن هو غنيمة نثاب بغنمها وأن سلب أراضى الناس وبيوتهم قربى إلى الله؟ هل تمتلكون الشجاعة لمواجهة ذلك أم ستظلون تدلسون على الناس بكلام رخيص وتبريرات لا تقنع طفلا صغيرا ثم تتساءلون بعد ذلك: لماذا يرتفع عدد الملحدين ؟
قبل أن تتهموا الأزهر بأن ما حدث في مجزرة شارلى ايبدو يتحمل هو مسئوليته، صارحوا أنفسكم هل تريدون تطوير الأزهر أم تدميره؟ هل تريدون تجديد الخطاب الدينى أم تطويعه لرغباتكم وأهواءكم؟ هل تمتلكون شجاعة المواجهة أم تتاجرون بالقضية؟ حين تجيبون يكون حينها للكلام معنى .