رأى
الغاز إسرائيلى.. الأهداف والأبعاد الاستراتيجية
الغاز الإسرائيلي في مياه البحر الأبيض المتوسط: الثروة الطبيعية و النفوذ الإقليمية
مما لا شك فيه تعد الثروات الطبيعية منها الغاز و النفط أهم المصادر الرئيسية للثروات الوطنية التي تحسن من المداخيل المالية للميزانية العمومية و تزيد من تراكم الناتج المحلي الإجمالي السنوي. كما تبين اليوم أن الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط و خاصة منها ملف دولة سورية الضحية للأطماع الدولية أصبحت هي المصدر الأساس في ذلك الصراع الإقليمي من أجل السيطرة علي المناطق الجغرافية لتسهيل مرور مصادر الطاقة إلي الدول المستهلكة و خاصة منها الأوروبية. إذ أصبح رهان وضع اليد علي دولة سورية مكسب مالي و ثورة كبري باعتبارها موقع إستراتيجي لتسهيل العمليات التجارية خاصة في مجال الطاقة. بالتالي يمكن القول اليوم أن ما حدث في سورية خلال السنوات الماضية و مازال يحدث إلي يومنا هذا من ظلم من قبل بعض القوي العظمي التي خربت بنيتها التحتية و شردت شعبها هو بالأساس نتيجة للرغبة في السيطرة علي النفوذ الإقليمي لإشباع رغباتها و أطماعها الإقتصادية التي تخدم مصالحها الشخصية فقط. إن الحروب العصرية أخذت طابع جديد و متنوع منها الحروب التي تدار بالوكالة عن طريق عصابات و مجموعة إرهابية أو عملاء و التي أغلبها تحقق للقوي العظمي انتصارات ضخمة بأقل خسائر ممكنة. كذلك الحروب الإعلامية و النفسية التي تشن عبر وسطاء قصد تأليب و تغليط الرأي العام المحلي و الأجنبي و خلق الفوضي و بما يسموها هم ثورات الربيع العربي و نشر الديمقراطية, إلا أن هذا القناع سقط و تبين مدي سيطرة تلك القوي علي بعض الأنظمة السياسية و التحكم فيها عن بعد. أما الأخطر من مجمل تلك الحروب الحديثة نذكر الحروب الإقتصادية القادرة علي تدمير جميع هياكل الدولة عن طريق تخريب إقتصادها. فالتجربة السابقة أثبتت بشاعة ما حصل في بعض الدول التي فرض عليها حصارا سابقا بحيث تسبب إرتفاع نسب التضخم السريع و الرهيب و إنهيار العملات المحلية مقابلة سلة العملات الأجنبية في وصول النمو الإقتصادي إلي الحضيض و دون الصفر و كبح التنمية و هروب الإستثمارات الأجنبية المباشرة و بالتالي تأزم الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية و الدخول في دوامة أزمات مالية حادة. بالعودة للحدث الرئيسي و الأهم و الذي هو محل صراع قائم حاليا بمنطقة الشرق الأوسط و ذلك عبر بروز مصطلح جديد يسمي بحرب الغاز الإقتصادية بحيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطة لحماية حقول الغاز بمياه البحر الأبيض المتوسط و ذلك خلال زيارته المفاجئة مطلع سنة 2019 لتلك الحقول مع تكثيف التدريبات العسكرية الضخمة تحت شعار “الضرب بقبضة من حديد” علي كل إعتداء. إذ هذا الملف الذي أخذ بعد سياسي دولي أصبحت تتشابك فيه المصالح الإقتصادية و العلاقات الدولية و الدبلوماسية في ظل التطبيع الكلي لجل الدول الخليجية مع دولة إسرائيل. فقبل إندلاع الثورات العربية قدمت دولة قطر مشروع مد أنابيب الغاز عبر الأراضي السعودية ثم الأردنية مرورا بسوريا و تركيا قصد تصديره للإتحاد الأوروبي المستهلك الأكبر للغاز الطبيعي لكن فشلت الصفقة نظرا لتقارب مصالح الرئيس السوري بشار الأسد مع المصالح الروسية و الإيرانية. كما تقدمت تركيا في هذا الصدد سنة 2005 بإنشاء المشروع الضخم و المعروف “بنابوكتو للغاز” و الذي شاركت فيه إسرائيل عبر تمثيل وزيرها السابق للطاقة و البني التحتية بنيامين باليعازر لكن تم تجميد ذلك المشروع لأسباب سياسية. فمن المعروف أن تركيا لا تملك الغاز بحيث لديها فقط ما يقارب 10% من إحتياطي الغاز الطبيعي بحيث يقتصر ذلك فقط علي الإستهلاك المحلي و السؤال المطروح لمن ذلك المشروع الذي يحمل إسم نبي إسرائيلي. فمع مطلع سنة 2011 تبين ذلك المخطط الإستراتيجي الكبير, بحيث تحولت دولة إسرائيل العظمي في ليلة وضحاها بعد الخراب العربي الكبير المعروف بالثورات العربية إلي إمبراطورية غاز طبيعي تملك أضخم احتياطي من الغاز لتتحول بذلك إلي أكبر مصدر لتلك الطاقة في منطقة الشرق الأوسط. إذ انطلقت العملية باكتشاف مجموعة كبري من الحقول للغاز في البحر الأبيض المتوسط و هي إلي حد الآن مشكوك في ملكيتها نظرا لتقسيم المياه الإقليمية و الإقتصادية و إحتساب أقرب نقطة في المسافة بين الحقل و الأراضي الترابية بين قطاع غزة و مصر و قبرص و لبنان. نذكر من بين تلك الآبار الضخمة حقل الغاز نافياثان و هو حاليا الأكبر بحيث يحتوي علي أكثر من 400 مليار متر مكعب و حقل شمشون القريب جغرافيا من مصر, إلا أنهما حسب التقسيم الجغرافي يعودان إلي ملكية دولة مصر لكن قوة و غطرسة دولة إسرائيل انتصرت في تلك الصفقة الإستعمارية علي مصادر الطاقة. أيضا حقل تمار القريب لسواحل لبنان و الذي احتلته إسرائيل بتعلة أنه من اكتشافاتها أما الحقل الذي يعتبر الأبعد في مياه البحر الأبيض المتوسط و هو حقل ديفروت القريب من جزيرة قبرص و الذي تعتبره إسرائيل أنه في نطاق مياهها الإقليمية و لا يمكن بأي حال من الأحوال بالتخلي عنه لصالح دولة قبرص. تلك الثروة الطبيعية الهائلة من إحتياطي الغاز حولت إسرائيل إلي أكبر دولة منتجة و مصدرة للغاز في منطقة الشرق الأوسط و ربما ستكون المنافس الثاني مستقبلا لتصدير تلك الطاقة الخام بعد روسيا الإتحادية نحو المستهلك الأكبر عالميا دول الإتحاد الأوروبي. لكن هنا يكمن مربط الفرس, فلمن ستصدر تلك الثروة الطبيعية الطائلة و التي ستعود لخزينة إسرائيل بالمليارات أو حتي بالتريليونات من الدولارات. ففي هذا الصدد تسارعت إنجازات المشاريع التخطيطية و الإستراتيجية لمد خطوط أنابيب تصدير الغاز إلي الدول المجاورة مثل مصر و الأردن. أما بخصوص دول الإتحاد الأوروبي تبقي المسافة هي العائق الرئيسي للتصدير إذ تشير الدراسات الحديثة في هذا المجال أن كلفة مد خط أنبوب غاز بحري مباشر إلي اليونان يتكلف قرابة 7 مليارات دولار و مدة زمنية لإنجاز المشروع تصل إلي 10 سنوات نظرا لبعد المسافة التي تصل إلي أكثر من 2200 كلم. أما بخصوص تصدير الغاز عبر جزيرة قبرص أو لبنان أو سورية يعتبر مستحيلا نظرا لرفض ذلك الملف بحيث لا يعتبر شريك إقتصادي لدولة إسرائيل نظرا لتجريم التطبيع بين تلك الدول أو منافسة ذلك المشروع التصديري للغاز خاصة مع دولة قبرص. فمؤخرا عقدت صفقة إقتصادية ضخمة لتصدير الغاز الإسرائيلي نحو مصر و الذي إعتبارها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نصرا عظيما تم تحقيقه في عهدته و يوم عيد وطني لدولة إسرائيل العظمي و ذلك بصفقة اقتصادية لتصدير 64 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي علي مدة 10 سنوات تقدر بمبلغ 15 مليار دولار. أما المخزون الإسرائيلي من ذلك الغاز مازال كبيرا جدا و نتنياهو يحلم بإنجاز تاريخي له يعود علي شعب دولة إسرائيل بالرفاهية و يحولها إلي إمبراطورية إقتصادية و مصدر ثروة مالية ضخمة تجعلها مثل سويسرا يتمتع شعبها بدخل فردي خام مرتفع و ممتاز. ففي هذا الصدد تتحول القضية إلي صراع إقليمي في المنطقة برمتها نظرا لتشابك المصالح الإقتصادية بإعتبار روسيا المزود الرئيسي للإتحاد الأوروبي عبر غازبروم بنسبة 30% و أيضا لمنافسة مشروع الغاز الإسلامي الذي تعده حاليا إيران بالتنسيق مع روسيا و تركيا في إطار التحالف الدولي الثلاثي الحالي بين تلك الدول. إذ يعتبر مشروع تصدير الغاز الإيراني عبر الأراضي العراقية ثم التركية و إلي الإتحاد الأوروبي أقرب مشروع للإنجاز لكن يبقي هناك عائق و هو معبر الأراضي العراقية التي ترفض حاليا الحكومة مرور خط تلك الأنابيب لأسباب إقليمية و جغرافية. أما مشروع قطر فقد دفن نهائيا نظرا للأزمة القطرية مع الدول الخليجية و قطع جميع العلاقات الإقتصادية و الدبلوماسية معها و فرض عليها حصار جائر عطل جميع مصالحها التجارية و نفوذها الإقليمي في المنطقة خاصة منها مشروع تصدير الغاز نحو الإتحاد الأوروبي. فمصائب قوم عند قوما فوائد بحيث يبقي مشروع دولة إسرائيل العظمي في المنطقة بمخزونها من الغاز الطبيعي الكبير أقوي و أقرب مشروع للتنفيذ علي أرض الواقع. فمؤخرا تبنت شركة إماراتية إنجاز ذلك المشروع و زيارات وزير الخارجية الإسرائيلي يإسرائيل كاتس المتتالية لأبوظبي و التطبيع العلني تندرج ضمن مشروع صفقة تصدير الغاز إلي دول الإتحاد الأوروبي. بالتالي تتحول تلك الدولة الصغيرة في الحجم في منطقة الشرق الأوسط إلي أكبر دولة منافسة للغاز الروسي. فعلي الرغم من الصادرات الضخمة للغاز الروسي نحو دول الإتحاد الأوروبي, إلا أن هذا الأخير يحتاج إلي ضخ المزيد من الغاز خاصة عبر أنابيب الغاز النرويجي و مشروع المغرب للطاقة الذي يوفر كميات ضخمة من الغاز الإفريقي عبر أراضيها نحو إسبانيا ثم دول الإتحاد الأوروبي. لكن يبقي غاز منطقة الشرق الأوسط هو الأهم في تلك الصفقة الإقتصادية الضخمة بمليارات الدولارات و التي تشهد حربا حقيقية غير مباشرة بين إسرائيل و إيران و قطر, ففي ذلك السياق وقعت دولة سورية ضحية لتلك التجاذبات و الصراعات الإقليمية. كما أن أزمة دولة قطر مع دول مجلس التعاون الخليجي عطلت تنفيذ مشروعها الطموح و حول إهتمامها بتصدير الغاز الطبيعي عبر مد أنابيب غاز نحو دول جنوب شرق آسيا و التي تعتبر سوق إقتصادية واعدة و صاعدة بحيث تحقق لها أرباح مالية ضخمة و صفقة تجارية محترمة. أما الصراع الإيراني مازال قائم نظرا لتشبث هذا الأخير بتنفيذ مشروعه المسمي بخط أنابيب الغاز الإسلامي بالتنسيق مع تحالفه بين روسيا الإتحادية و تركيا العثمانية. فاليوم أصبح نتنياهو يتباهي بالتطبيع الخليجي “العلني” من خلال زيارات مسئوليه لكل من سلطنة عمان و البحرين و الإمارات العربية المتحدة و السعي لفتح قنصليات و سفارات و تمثيل دبلوماسي رفيع المستوي مع تلك الدول و الأهم هو إفتخاره بمشروع مد خط للسكك الحديدية التي تنطلق من مدينة حيفا لتشمل السعودية و الإمارات و بقية الدول الخليجية. فالتطبيع أصبح واقعا و لم يعد سرا و التمثيل الدبلوماسي سيصبح من أولويات الحكومات الخليجية مع دولة إسرائيل خاصة بعد نتائج ورشة المنامة الإقتصادية بالبحرين لسنة 2019 تحت رعاية صهر الرئيس الأمريكي ترامب جارد كوشنير. بالتالي سيعود ذلك التطبيع الشامل و الكامل و الزيارات العلنية بين الدول الخليجية و دولة إسرائيل بثماره من أجل تصفية القضية الفلسطينية نهائيا و خلق عدو جديد مشترك و هو الخطر النووي الإيراني في المنطقة و التركيز علي المشاريع الإقتصادية الضخمة علي غرار مشروع “نيوم” و المصالح التجارية المشتركة. عموما سيشكل الغاز الإسرائيلي في مياه البحر الأبيض المتوسط الحدث الإقتصادي البارز مستقبلا و الذي سيحولها إلي نواة قوة في المنطقة بحيث ستضمن تفوقها علي جميع الدول الخليجية خاصة بعد ذلك التطبيع الخليجي الكبير و وضع دولة إيران الإسلامية في قفص الإتهامات الإقليمية و الدولية و لربما سيشمل التطبيع قريبا دول عربية أخري بشمال إفريقيا.
مما لا شك فيه تعد الثروات الطبيعية منها الغاز و النفط أهم المصادر الرئيسية للثروات الوطنية التي تحسن من المداخيل المالية للميزانية العمومية و تزيد من تراكم الناتج المحلي الإجمالي السنوي. كما تبين اليوم أن الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط و خاصة منها ملف دولة سورية الضحية للأطماع الدولية أصبحت هي المصدر الأساس في ذلك الصراع الإقليمي من أجل السيطرة علي المناطق الجغرافية لتسهيل مرور مصادر الطاقة إلي الدول المستهلكة و خاصة منها الأوروبية. إذ أصبح رهان وضع اليد علي دولة سورية مكسب مالي و ثورة كبري باعتبارها موقع إستراتيجي لتسهيل العمليات التجارية خاصة في مجال الطاقة. بالتالي يمكن القول اليوم أن ما حدث في سورية خلال السنوات الماضية و مازال يحدث إلي يومنا هذا من ظلم من قبل بعض القوي العظمي التي خربت بنيتها التحتية و شردت شعبها هو بالأساس نتيجة للرغبة في السيطرة علي النفوذ الإقليمي لإشباع رغباتها و أطماعها الإقتصادية التي تخدم مصالحها الشخصية فقط. إن الحروب العصرية أخذت طابع جديد و متنوع منها الحروب التي تدار بالوكالة عن طريق عصابات و مجموعة إرهابية أو عملاء و التي أغلبها تحقق للقوي العظمي انتصارات ضخمة بأقل خسائر ممكنة. كذلك الحروب الإعلامية و النفسية التي تشن عبر وسطاء قصد تأليب و تغليط الرأي العام المحلي و الأجنبي و خلق الفوضي و بما يسموها هم ثورات الربيع العربي و نشر الديمقراطية, إلا أن هذا القناع سقط و تبين مدي سيطرة تلك القوي علي بعض الأنظمة السياسية و التحكم فيها عن بعد. أما الأخطر من مجمل تلك الحروب الحديثة نذكر الحروب الإقتصادية القادرة علي تدمير جميع هياكل الدولة عن طريق تخريب إقتصادها. فالتجربة السابقة أثبتت بشاعة ما حصل في بعض الدول التي فرض عليها حصارا سابقا بحيث تسبب إرتفاع نسب التضخم السريع و الرهيب و إنهيار العملات المحلية مقابلة سلة العملات الأجنبية في وصول النمو الإقتصادي إلي الحضيض و دون الصفر و كبح التنمية و هروب الإستثمارات الأجنبية المباشرة و بالتالي تأزم الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية و الدخول في دوامة أزمات مالية حادة. بالعودة للحدث الرئيسي و الأهم و الذي هو محل صراع قائم حاليا بمنطقة الشرق الأوسط و ذلك عبر بروز مصطلح جديد يسمي بحرب الغاز الإقتصادية بحيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطة لحماية حقول الغاز بمياه البحر الأبيض المتوسط و ذلك خلال زيارته المفاجئة مطلع سنة 2019 لتلك الحقول مع تكثيف التدريبات العسكرية الضخمة تحت شعار “الضرب بقبضة من حديد” علي كل إعتداء. إذ هذا الملف الذي أخذ بعد سياسي دولي أصبحت تتشابك فيه المصالح الإقتصادية و العلاقات الدولية و الدبلوماسية في ظل التطبيع الكلي لجل الدول الخليجية مع دولة إسرائيل. فقبل إندلاع الثورات العربية قدمت دولة قطر مشروع مد أنابيب الغاز عبر الأراضي السعودية ثم الأردنية مرورا بسوريا و تركيا قصد تصديره للإتحاد الأوروبي المستهلك الأكبر للغاز الطبيعي لكن فشلت الصفقة نظرا لتقارب مصالح الرئيس السوري بشار الأسد مع المصالح الروسية و الإيرانية. كما تقدمت تركيا في هذا الصدد سنة 2005 بإنشاء المشروع الضخم و المعروف “بنابوكتو للغاز” و الذي شاركت فيه إسرائيل عبر تمثيل وزيرها السابق للطاقة و البني التحتية بنيامين باليعازر لكن تم تجميد ذلك المشروع لأسباب سياسية. فمن المعروف أن تركيا لا تملك الغاز بحيث لديها فقط ما يقارب 10% من إحتياطي الغاز الطبيعي بحيث يقتصر ذلك فقط علي الإستهلاك المحلي و السؤال المطروح لمن ذلك المشروع الذي يحمل إسم نبي إسرائيلي. فمع مطلع سنة 2011 تبين ذلك المخطط الإستراتيجي الكبير, بحيث تحولت دولة إسرائيل العظمي في ليلة وضحاها بعد الخراب العربي الكبير المعروف بالثورات العربية إلي إمبراطورية غاز طبيعي تملك أضخم احتياطي من الغاز لتتحول بذلك إلي أكبر مصدر لتلك الطاقة في منطقة الشرق الأوسط. إذ انطلقت العملية باكتشاف مجموعة كبري من الحقول للغاز في البحر الأبيض المتوسط و هي إلي حد الآن مشكوك في ملكيتها نظرا لتقسيم المياه الإقليمية و الإقتصادية و إحتساب أقرب نقطة في المسافة بين الحقل و الأراضي الترابية بين قطاع غزة و مصر و قبرص و لبنان. نذكر من بين تلك الآبار الضخمة حقل الغاز نافياثان و هو حاليا الأكبر بحيث يحتوي علي أكثر من 400 مليار متر مكعب و حقل شمشون القريب جغرافيا من مصر, إلا أنهما حسب التقسيم الجغرافي يعودان إلي ملكية دولة مصر لكن قوة و غطرسة دولة إسرائيل انتصرت في تلك الصفقة الإستعمارية علي مصادر الطاقة. أيضا حقل تمار القريب لسواحل لبنان و الذي احتلته إسرائيل بتعلة أنه من اكتشافاتها أما الحقل الذي يعتبر الأبعد في مياه البحر الأبيض المتوسط و هو حقل ديفروت القريب من جزيرة قبرص و الذي تعتبره إسرائيل أنه في نطاق مياهها الإقليمية و لا يمكن بأي حال من الأحوال بالتخلي عنه لصالح دولة قبرص. تلك الثروة الطبيعية الهائلة من إحتياطي الغاز حولت إسرائيل إلي أكبر دولة منتجة و مصدرة للغاز في منطقة الشرق الأوسط و ربما ستكون المنافس الثاني مستقبلا لتصدير تلك الطاقة الخام بعد روسيا الإتحادية نحو المستهلك الأكبر عالميا دول الإتحاد الأوروبي. لكن هنا يكمن مربط الفرس, فلمن ستصدر تلك الثروة الطبيعية الطائلة و التي ستعود لخزينة إسرائيل بالمليارات أو حتي بالتريليونات من الدولارات. ففي هذا الصدد تسارعت إنجازات المشاريع التخطيطية و الإستراتيجية لمد خطوط أنابيب تصدير الغاز إلي الدول المجاورة مثل مصر و الأردن. أما بخصوص دول الإتحاد الأوروبي تبقي المسافة هي العائق الرئيسي للتصدير إذ تشير الدراسات الحديثة في هذا المجال أن كلفة مد خط أنبوب غاز بحري مباشر إلي اليونان يتكلف قرابة 7 مليارات دولار و مدة زمنية لإنجاز المشروع تصل إلي 10 سنوات نظرا لبعد المسافة التي تصل إلي أكثر من 2200 كلم. أما بخصوص تصدير الغاز عبر جزيرة قبرص أو لبنان أو سورية يعتبر مستحيلا نظرا لرفض ذلك الملف بحيث لا يعتبر شريك إقتصادي لدولة إسرائيل نظرا لتجريم التطبيع بين تلك الدول أو منافسة ذلك المشروع التصديري للغاز خاصة مع دولة قبرص. فمؤخرا عقدت صفقة إقتصادية ضخمة لتصدير الغاز الإسرائيلي نحو مصر و الذي إعتبارها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نصرا عظيما تم تحقيقه في عهدته و يوم عيد وطني لدولة إسرائيل العظمي و ذلك بصفقة اقتصادية لتصدير 64 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي علي مدة 10 سنوات تقدر بمبلغ 15 مليار دولار. أما المخزون الإسرائيلي من ذلك الغاز مازال كبيرا جدا و نتنياهو يحلم بإنجاز تاريخي له يعود علي شعب دولة إسرائيل بالرفاهية و يحولها إلي إمبراطورية إقتصادية و مصدر ثروة مالية ضخمة تجعلها مثل سويسرا يتمتع شعبها بدخل فردي خام مرتفع و ممتاز. ففي هذا الصدد تتحول القضية إلي صراع إقليمي في المنطقة برمتها نظرا لتشابك المصالح الإقتصادية بإعتبار روسيا المزود الرئيسي للإتحاد الأوروبي عبر غازبروم بنسبة 30% و أيضا لمنافسة مشروع الغاز الإسلامي الذي تعده حاليا إيران بالتنسيق مع روسيا و تركيا في إطار التحالف الدولي الثلاثي الحالي بين تلك الدول. إذ يعتبر مشروع تصدير الغاز الإيراني عبر الأراضي العراقية ثم التركية و إلي الإتحاد الأوروبي أقرب مشروع للإنجاز لكن يبقي هناك عائق و هو معبر الأراضي العراقية التي ترفض حاليا الحكومة مرور خط تلك الأنابيب لأسباب إقليمية و جغرافية. أما مشروع قطر فقد دفن نهائيا نظرا للأزمة القطرية مع الدول الخليجية و قطع جميع العلاقات الإقتصادية و الدبلوماسية معها و فرض عليها حصار جائر عطل جميع مصالحها التجارية و نفوذها الإقليمي في المنطقة خاصة منها مشروع تصدير الغاز نحو الإتحاد الأوروبي. فمصائب قوم عند قوما فوائد بحيث يبقي مشروع دولة إسرائيل العظمي في المنطقة بمخزونها من الغاز الطبيعي الكبير أقوي و أقرب مشروع للتنفيذ علي أرض الواقع. فمؤخرا تبنت شركة إماراتية إنجاز ذلك المشروع و زيارات وزير الخارجية الإسرائيلي يإسرائيل كاتس المتتالية لأبوظبي و التطبيع العلني تندرج ضمن مشروع صفقة تصدير الغاز إلي دول الإتحاد الأوروبي. بالتالي تتحول تلك الدولة الصغيرة في الحجم في منطقة الشرق الأوسط إلي أكبر دولة منافسة للغاز الروسي. فعلي الرغم من الصادرات الضخمة للغاز الروسي نحو دول الإتحاد الأوروبي, إلا أن هذا الأخير يحتاج إلي ضخ المزيد من الغاز خاصة عبر أنابيب الغاز النرويجي و مشروع المغرب للطاقة الذي يوفر كميات ضخمة من الغاز الإفريقي عبر أراضيها نحو إسبانيا ثم دول الإتحاد الأوروبي. لكن يبقي غاز منطقة الشرق الأوسط هو الأهم في تلك الصفقة الإقتصادية الضخمة بمليارات الدولارات و التي تشهد حربا حقيقية غير مباشرة بين إسرائيل و إيران و قطر, ففي ذلك السياق وقعت دولة سورية ضحية لتلك التجاذبات و الصراعات الإقليمية. كما أن أزمة دولة قطر مع دول مجلس التعاون الخليجي عطلت تنفيذ مشروعها الطموح و حول إهتمامها بتصدير الغاز الطبيعي عبر مد أنابيب غاز نحو دول جنوب شرق آسيا و التي تعتبر سوق إقتصادية واعدة و صاعدة بحيث تحقق لها أرباح مالية ضخمة و صفقة تجارية محترمة. أما الصراع الإيراني مازال قائم نظرا لتشبث هذا الأخير بتنفيذ مشروعه المسمي بخط أنابيب الغاز الإسلامي بالتنسيق مع تحالفه بين روسيا الإتحادية و تركيا العثمانية. فاليوم أصبح نتنياهو يتباهي بالتطبيع الخليجي “العلني” من خلال زيارات مسئوليه لكل من سلطنة عمان و البحرين و الإمارات العربية المتحدة و السعي لفتح قنصليات و سفارات و تمثيل دبلوماسي رفيع المستوي مع تلك الدول و الأهم هو إفتخاره بمشروع مد خط للسكك الحديدية التي تنطلق من مدينة حيفا لتشمل السعودية و الإمارات و بقية الدول الخليجية. فالتطبيع أصبح واقعا و لم يعد سرا و التمثيل الدبلوماسي سيصبح من أولويات الحكومات الخليجية مع دولة إسرائيل خاصة بعد نتائج ورشة المنامة الإقتصادية بالبحرين لسنة 2019 تحت رعاية صهر الرئيس الأمريكي ترامب جارد كوشنير. بالتالي سيعود ذلك التطبيع الشامل و الكامل و الزيارات العلنية بين الدول الخليجية و دولة إسرائيل بثماره من أجل تصفية القضية الفلسطينية نهائيا و خلق عدو جديد مشترك و هو الخطر النووي الإيراني في المنطقة و التركيز علي المشاريع الإقتصادية الضخمة علي غرار مشروع “نيوم” و المصالح التجارية المشتركة. عموما سيشكل الغاز الإسرائيلي في مياه البحر الأبيض المتوسط الحدث الإقتصادي البارز مستقبلا و الذي سيحولها إلي نواة قوة في المنطقة بحيث ستضمن تفوقها علي جميع الدول الخليجية خاصة بعد ذلك التطبيع الخليجي الكبير و وضع دولة إيران الإسلامية في قفص الإتهامات الإقليمية و الدولية و لربما سيشمل التطبيع قريبا دول عربية أخري بشمال إفريقيا.