نوران عبد المنعم
اشتهر المواطن العُماني طوال تاريخه القديم والمعاصر بقدرته على ارتياد البحار والمحيطات، فامتداد سواحل سلطنة عُمان كان لها عظيم الأثر في التكوين الاجتماعي والوجداني والثقافي، قبل التأثير الاقتصادي، وكانت حاضرة دائما في مراحل النهوض الوطني على امتداد التاريخ التليد.
واتسمت عُمان على مدار العصور بالتأثير والتأثر بالثقافات حول العالم، وكان لأبنائها جهد واضح في خدمة الحضارة الانسانية قاطبة، مستفيدة من الموقع المتميز الذي تمتلكه في وسط العالم القديم والحديث، ووجودها على خط التجارة العالمي الرئيسي الذي ربط الشرق بالغرب قديما وحديثا، والتي أثرت على المكون البشري، فاستلهم الروح النضالية الساعية للرزق في كل فجاج العالم، والتي حملته إلى أقاصي الأرض، ليجوب البحار طولا وعرضا، متحديا في سبيل ذلك الأخطار، وكانت الأسفار الساعية للرزق مفتاحا للتواصل الحضاري.
فقد تعرف العُمانيون على كافة الحضارات الإنسانية، وخالطوا أهلها، واستخلصوا دائما السمات الحضارية الخاصة لكل بلد تعايشوا معها في ترحالهم، فكان لذلك أثر بارز في البناء الحضاري العُماني، لكن بتمايز وتفرد عن كافة حضارات وثقافات العالم، فقد جسد الأجداد والآباء تجربتهم الخاصة وصنعوا تراثا يعبر بصدق عن ثراء التجربة العمانية الضاربة في أعماق الزمن.
علاوة على ما سطره العمانيون من تواصل ثقافي وفكري مع حضارات وشعوب العالم، تأتي سفينة البحرية السلطانية العمانية (شباب عمان الثانية)، والتي تشارك في مهرجان ختام سباقات السفن الشراعية الطويلة لعام 2019م والذي يقام خلال الفترة من 1 ـ 4 من أغسطس الجاري في مدينة (أرهوس) بالدنمارك، تعبيرا وتلخيصا مبسطا لتاريخ عمان البحري.
حيث يعد هذا المهرجان البحري آخر مشاركة للسفينة ضمن مشاركاتها خلال رحلتها الدولية إلى القارة الأوروبية (صواري المجد والسلام)، وذلك للتعريف بالمقومات الحضارية والسياحية والاقتصادية والثقافية وإبراز الصورة الحضارية المشرقة للسلطنة وما يتميز به الشعب العماني من القيم الإنسانية النبيلة وحب التواصل الحضاري مع الشعوب الأخرى، حيث قطعت السفينة منذ أن انطلقت رحلتها من السلطنة يوم 15 أبريل 2019م وحتى وصولها ميناء أرهوس بمملكة الدنمارك حوالي 8 آلاف ميل بحري، لتشارك خمسين سفينة شراعية من 19 دولة استطاعت إكمال سباقات السفن الشراعية الطويلة من مختلف الأحجام، لتكون السفينة العربية الوحيدة المشاركة في هذا المهرجان.
كما أسهمت سفينة شباب عُمان الثانية خلال رحلاتها الخارجية في تجسير أواصر المحبة والصداقة والتواصل الحضاري بين السلطنة وباقي شعوب العالم، وكانت خير ممثل للسلطنة , حيث توجت بجائزة الصداقة الدولية لسباقات السفن الشراعية الطويلة لعام ٢٠١٩م، والذي يعد انجازاً كبيراً ، كون هذه الجائزة هي الأرفع في سباقات السفن الشراعية الطويلة لهذا العام، فبفضل خبرة طاقمها في مجال الإبحار الشراعي وتفوقهم في إظهار القيم العمانية الأصيلة ومعاني الصداقة والتفاهم بين جميع طواقم السفن المشاركةـ كان الفوز من خلال التصويت العام بين طواقم جميع السفن المشاركة في سباقات السفن الشراعية الطويلة، لتلعب بذلك شباب عمان الثانية دورا ملهما في فنون التواصل الحضاري، الذي يعكس مكانة سلطنة عُمان ومل تملكه من قيم حضارية تسعى للتفاهم والوئام والسلام القائم على الاحترام المتبادل.