هل الاقتصاد الإيراني تأثر بالحصار الأمريكي ؟!
بقلم: فؤاد الصباغ
إن الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط اليوم تمثل تحولا جذريا في العلاقات الدولية بحيث تشكل تلك التحالفات الإقليمية الجديدة بداية ملامح التغيير الإستراتيجي و الدبلوماسي الجديد بتلك المنطقة خاصة منها بروز التكتلات الموالية للكتلة الثورية و المقاومة التابعة لدولة إيران الإسلامية و تكتلات أخري منصهرة مباشرة في التحالف الأمريكي الدولي. فمجمل تلك المتغيرات الدولية و الإقليمية أصبحت تشكل بدورها منعطفا جديدا بحيث أصبحت تتصاعد فيها لهجات الوعد و الوعيد أو التصعيد و التهديد. أما بخصوص تلك الأحداث المتشعبة و المتوترة أصلا بين جماعات المقاومة الحوثية المدعومة إيرانيا فهي تندرج ضمن ذلك الصراع الإقليمي مما زادت من وتيرة التوترات الدولية في تلك المنطقة التي أصبحت مؤخرا تعيش برمتها علي صفيح ساخن. إذ أن تلك الأعمال العدائية ضد المصالح الإقتصادية السعودية خاصة منها تفجير خط أنابيب النفط أو الإعتداءات المتتالية و المتكررة علي السفن التجارية في المياه الإقليمية الإماراتية أو العمانية مثلت أيضا في مجملها تصعيدا متوصلا في ذلك الصراع الإقليمي المنفجر بطبعه أصلا. فتلك العمليات كانت بمثابة القطرة التي أدت إلي فيضان ذلك الكأس بحيث كانت أخطرها متمثلة بالأساس في إسقاط تلك الطائرة الأمريكية بدون طيار و التي تبلغ قيمتها 200 مليون دولار من قبل صواريخ قوات الحرس الثوري الإيراني. بالتالي كانت تلك الأحداث الحربية بإمتياز في صميم ذاك التصعيد الذي ممكن أن ينحرف عن مسار مجهودات التهدئة التي ترعاها المفوضية للإتحاد الأوروبي و بالنتيجة تنجرف نحو التدخلات العسكرية المباشرة, إما ضد مليشيات دولة إيران في المنطقة أو ضد قوات حرسها الثوري إجمالا. فتلك الحرب بدأت فعليا “إقتصاديا” عبر فرض حصار أمريكي علي جميع المصالح المالية و التجارية الإيرانية بحيث أشتد الخناق علي الإقتصاد الوطني الإيراني الذي أصبح يعاني اليوم من الأمرين منها تدهور الأوضاع الداخلية و إنغلاق كامل للعلاقات الدولية و الإقليمية.
الإنعكاسات الإقتصادية لخروج الولايات المتحدة الأمريكية من الإتفاق النووي الإيراني
يعتبر الإتفاق النووي الإيراني المبرم سنة 2015 بين مجموعة خمسة زائد واحد في جوهره أفضل ضامن للإستقرار السياسي و الإقتصادي لجمهورية إيران الإسلامية. إذ كان ذلك الإتفاق بمثابة وثيقة دبلوماسية تحفظ إستمرارية العلاقات الدولية لدولة إيران مع بقية دول العالم بحيث ساهمت في تعزيز مبادلاتها التجارية بمنطقة الشرق الأوسط و إستمرارية علاقاتها المالية و التجارية. إلا أنه في المقابل كانت لقرارات ترامب خلال شهر مارس 2018 بالإنسحاب من ذلك الإتفاق من جانب واحد إنعكاسات سلبية مباشرة علي الأوضاع الإقتصادية الإيرانية مما تسبب لها في عزلة دولية و إنفصالها الكامل عن محيطها الإقليمي. فكان ذلك الخروج بمثابة سكب الزيت علي النار و صفعة مؤلمة لعلاقاتها الدولية أدت نتائجه إلي تأجيج العمليات العدائية ضدها بحيث فقدت الثقة العامة بينها و بين بقية دول المنطقة و أيضا مع الإدارة الأمريكية و بالنتيجة إنهارت جميع مؤشرات إستقرار إقتصادها الوطني. إذ من المنظور الإقتصادي تعتبر الثقة من أهم العوامل التي تساعد علي تحفيز الإقتصاد الكلي بحيث تضمن إستقراره و إزدهاره. فقد كانت لتلك الأحداث المأسوية في العلاقات الدولية تداعيات مباشرة خلقت من دولة إيران العدو الرئيسي و الوحيد لجميع دول مجلس التعاون الخليجي بإستثناء دولة قطر التي إختارت نهج سياسي آخر متضامن مع جميع الحركات الإسلامية و متحالف مع تركيا و روسيا و إيران بحيث زادت تلك الأحداث المعقدة في تعقيد الأمور خاصة منها العلاقات الإقتصادية, التجارية و المالية مع الدول العربية و الغربية. عموما أدي ذلك الخروج من ذلك الإتفاق إلي إنهيار العملة المحلية الإيرانية التي وصلت مؤخرا إلي الحضيض مقارنة مع سلة العملات الأجنبية. بالإضافة إلي ذلك إرتفع التضخم المالي بشكل ملحوظ مما أدي إلي زيادة أسعار المواد الغذائية و تدهور القدرة الشرائية. بالنتيجة إنخفضت نسبة النمو الإقتصادي بشكل رهيب و غريب بحيث أدت إلي كبح عجلة التنمية الإقتصادية مما إنعكست بدورها سلبا علي نسبة التشغيل بحيث زادت من نسبة التذمر الشعبي و السخط العام علي الأوضاع الإجتماعية من بطالة و فقر و عجز علي مجابهة غلاء المعيشة. أما الأدهي و الأمر من كل ذلك هو تدهور المبادلات التجارية من صادرات و واردات مع بقية دول العالم مما زادت من نسبة العجز في الميزان التجاري و بالنتيجة في تعميق ذلك العجز الكلي في الميزانية العامة. إذ ساهمت عملية الخروج الأمريكي من ذلك الإتفاق النووي في فقدان الثقة الكاملة و بالنتيجة في شلل الإستثمارات و المعاملات المالية و المبادلات التجارية الدولية الإيرانية. فأصبحت تلك الأحداث بمثابة الكابوس الذي أصبح يؤرق الجهات الحكومية الإيرانية التي أصبحت بدورها معزولة دوليا و إقليميا بحيث كانت تلك “الحرب الإقتصادية” لها تأثيرات تدميرية شاملة و كانت نتائجها أحد و أعظم من تلك الحروب العسكرية.
العلاقات الإيرانية الإقليمية و نتائج الحصار الإمريكي
مما لا شك فيه تعتبر تلك العزلة التي تعيشها إيران حاليا بمثابة عقم يكبل جميع أجهزة الدولة مما تسبب لها في شلل إقتصادي حاد و في تباطؤ المبادلات التجارية و المعاملات المالية. فالعلاقات الإيرانية في محيطها الإقليمي شهدت مؤخرا شللا ملحوظا خاصة منها مع بعض الدول العربية و الخليجية التي إختارت هذه الأخيرة التكتل مع الحلف الأمريكي و الإسرائيلي الساعي إلي شيطنة الأعمال الإيرانية و مليشياتها الحوثية بمنطقة الشرق الأوسط. بالنتيجة خلق ذلك “البعبع” و العدو الوحيد في المنطقة بحيث أصبح البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي لجميع دول منطقة الشرق الأوسط. أما بخصوص الأعمال التخريبية للمليشيات الإيرانية في المنطقة خاصة منها لجماعات الحوثي اليمنية التي تسببت في أضرار جسيمة للمصالح الإقتصادية السعودية و الإماراتية لم تكن هي أيضا بعيدة عن تصاعد تلك الحرب الإقتصادية التي تديرها حاليا الولايات المتحدة الأمريكية ضد جميع المصالح التجارية و المالية الإيرانية. أما الحشودات العسكرية المهولة للقوات الأمريكية بالمنطقة فهي أيضا ساهمت في خنق ذلك الإقتصاد الإيراني الذي أضحي يحتضر تدريجيا. كذلك يعتبر التهديد الأمريكي الأخير بشن حرب إلكترونية شاملة ضد جميع أجهزة و برمجيات الحاسوب للمؤسسات الخاصة و الحكومية الإيرانية جزء لا يتجزأ من تلك الحرب الإقتصادية التي ستتسبب في تخريب كلي للبنية التحتية للإقتصاد الرقمي الإيراني مما ستؤدي بالنتيجة إلي إنهيار كلي لجميع المرافق الحيوية للدولة. عموما كانت لنتائج الحصار الإقتصادي و العسكري الأمريكي ضد دولة إيران الإسلامية نتائج سلبية و وخيمة تسببت خاصة في إنهيار العملة المحلية الإيرانية و في شلل تام للمبادلات التجارية و المعاملات المالية لتلك الدولة التي أصبحت ضحية لمؤامرة إقليمية و دولية كبري. أما بخصوص ورشة المنامة بدولة البحرين التي خصصت لها أموال ضخمة بلغت 50 مليار دولار من أجل إنعاش الإقتصاد الفليسطيني و لإقتصاديات بعض الدول المجاورة منها خاصة لبنان و الأردن و مصر فهي أيضا تندرج في إطار إخراج الصراع العربي – الإسرائيلي من تلك الدائرة ليتحول بالنتيجة إلي صراع عربي – إيراني. فتلك الورشة الإقتصادية هي عبارة عن عملية ضرب عصفورين بحجر واحد منها التخلص من القضية الفلسطينية و الصراع العربي – الإسرائيلي بصفة نهائية تحت صفقة “المال مقابل السلام” و تحويل ذلك الصراع نحو العدو الجديد المختلق في المنطقة و هو “بعبع الخطر النووي الإيراني المصطنع” و “مليشياته المزروعة في المنطقة”. عموما يمكن القول من خلال مجمل تلك الأحداث أن الإقتصاد الإيراني أضحي يحتضر و يعاني و الحصار الأمريكي أصبح ينتصر و يتنامي.