
بقلم: د. أحمد مصطفى
يتسم صعود الصين إلى قمة الاقتصاد العالمي بمؤشرات اقتصادية بارزة، مثل معدل تضخم يبلغ حوالي 2%، ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 62%، وناتج محلي إجمالي يتجاوز 17 تريليون دولار، وفقًا لصندوق النقد الدولي. وقد تحققت هذه المكانة من خلال السياسات الاقتصادية الفعالة والتخطيط، والتي تركز بشكل خاص على بناء قوة عاملة ماهرة. وقد أدى الاستثمار في التعليم إلى التحاق أكثر من 50 مليون طالب جامعي كل عام، مما يعزز المهارات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والتصنيع المتقدم، كما أن العمال المؤهلين تأهيلاً عالياً في الصين لهم أهمية بالغة في الصناعات عالية التقنية، مثل الاتصالات والطاقة المتجددة. وتستثمر الدولة أكثر من 2% من ناتجها المحلي الإجمالي في البحث والتطوير، مما يدعم الابتكار. وقد أدت مكاسب الإنتاجية من هذه القوى العاملة المتعلمة إلى زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بأكثر من ستة أضعاف منذ عام 2000، ليصل إلى حوالي 12,741 دولارًا في عام 2023. ومع تقدم الصين، فإن تركيزها على تعزيز مهارات القوى العاملة سيكون أمرًا حيويًا للحفاظ على القدرة التنافسية العالمية.
يرجع نجاح الصين في أسواق العمل العالمية إلى أنظمة التعليم القوية والتدريب المهني والثقافة التي تقدر العمل الجاد والابتكار. وفي حين أن الصين استلهمت بعض الأفكار من الزعيم المصري السابق جمال عبد الناصر، إلا أنها طورت مسارها الفريد من نوعه. كما أن الأول من مايو، المعترف به عالميًا كيوم للاحتفال بالإنجازات العمالية، يذكّر مصر أيضًا بمشاكلها العمالية المستمرة. فمنذ منتصف التسعينيات، انخفضت جودة العمالة في مصر بسبب سوء الخصخصة واللوائح والقوانين غير الفعالة. ولتحسينها، يجب على مصر أن تتبع نهج الصين في ربط التعليم باحتياجات الصناعة وتوفير برامج تدريبية مدعومة من الدولة.
فالصين تستثمر بشكل كبير في التعليم المهني، مما يضمن امتلاك عمالها للمهارات اللازمة في مختلف الصناعات، مما يؤدي إلى الهيمنة في التصنيع والتكنولوجيا. ولكي تكرر مصر هذا النجاح، يجب عليها إصلاح نظامها التعليمي الفني للتركيز على المهارات العملية والشراكات مع الصناعات. وهذا من شأنه أن يساعد على خلق قوة عاملة جاهزة للسوق العالمية التنافسية. وقد أدت الخصخصة في مصر خلال التسعينيات إلى فقدان الوظائف وإضعاف حماية العمال. ولاستعادة الثقة، تحتاج مصر إلى تنفيذ سياسات تعزز النمو الاقتصادي ورفاهية العمال على حد سواء، مستفيدة من النموذج الصيني.
كما يستمد تميز الصين في مجال العمل من التزامها بالابتكار والتحسين المستمر. حيث تتكيف قوتها العاملة بشكل جيد مع التكنولوجيات الجديدة، على عكس مصر، حيث كان التكامل التكنولوجي بطيئاً. ومن خلال تبني الابتكار، يمكن لمصر تحديث صناعاتها. تشير المناقشات الجارية حول قوانين العمل في مصر إلى ضرورة حماية حقوق العمال مع جذب الاستثمارات، على غرار سياسات العمل المعدلة في الصين.
علاوة على ذلك، تحافظ الصين بشكل فعال على انضباط العمل والإنتاجية من خلال ثقافة العمل الجاد. ويمكن لمصر، بتاريخها الحافل بالنشاط العمالي، أن تلهم العمال من خلال تعزيز الفخر والوحدة الوطنية. كما أن تمكين النقابات من التفاوض على شروط أفضل أمر بالغ الأهمية لاستعادة صورة مصر العمالية. وأخيراً، يمكن لمصر محاكاة قدرة الصين على توسيع نطاق الإنتاج بكفاءة من خلال الاستثمار في البنية التحتية وإدارة سلسلة التوريد، مما يجعلها أكثر تنافسية في الأسواق العالمية. كما أن تحقيق التوازن بين مصالح أصحاب المصلحة في قوانين العمل سيكون ضرورياً للإصلاحات المستقبلية في مصر، على غرار الصين.
فقد ساعد تركيز الصين على الصناعات الموجهة نحو التصدير اقتصادها بشكل كبير، مما أدى إلى خلق الملايين من فرص العمل والحد من الفقر. ويمكن لمصر أن تتبنى استراتيجية مماثلة من خلال تطوير قطاعاتها القوية، مثل المنسوجات والزراعة والتصنيع، لتعزيز سوق العمل والنمو الاقتصادي. وقد أدت الخصخصة في مصر خلال منتصف التسعينيات إلى تقليص الشركات المملوكة للدولة، مما أدى إلى انعدام الأمن الوظيفي وضعف حماية العمال. ولتحسين هذا الوضع، تحتاج مصر إلى تحقيق التوازن بين أدوار القطاعين العام والخاص لإفادة العمال من الإصلاحات الاقتصادية. ويمكن أن يكون نموذج الاقتصاد المختلط في الصين، الذي يجمع بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، بمثابة دليل لمصر.
فالصين تجذب الاستثمارات الأجنبية وتطور مناطق اقتصادية خاصة تعزز النمو الصناعي. ويمكن لمصر أن تنشئ مناطق اقتصادية خاصة بها، خاصة في مجال الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، لتوليد فرص عمل جيدة وجذب المستثمرين العالميين. تكشف المناقشات حول قانون العمل في مصر عن وجود توترات بين التحرر الاقتصادي وحماية العمال. فالبعض يعتقد أن قوانين العمل المرنة ضرورية لجذب الاستثمارات، في حين يخشى البعض الآخر من فقدان حقوق العمال. يمكن لمصر أن تتعلم من النهج الذي تتبعه الصين في قوانين العمل التي تدعم الشركات والعمال على حد سواء.
لعب التدريب المهني وتنمية المهارات دوراً رئيسياً في نجاح الصين في مجال العمل. ويمكن أن يساعد إنشاء المدارس المهنية في مصر على إعداد القوى العاملة الشابة لمواجهة التحديات الحديثة. الاستثمار في مهارات مثل الهندسة وتكنولوجيا المعلومات سيخلق قوة عاملة قادرة على المنافسة. إن معالجة الفجوة في المهارات الناجمة عن الخصخصة في منتصف التسعينيات أمر بالغ الأهمية للانتقال إلى الصناعات الجديدة. ومن خلال ربط سياسات العمل بالأهداف الاقتصادية، يمكن لمصر بناء قوة عاملة منتجة لدفع عجلة النمو. ويمكن للدروس المستفادة من سياسات العمل في الصين أن ترشد مصر في تطوير نظام يدعم العمال ويعزز العدالة الاجتماعية.
وعليه، يمكن لمصر، من خلال التركيز على التعليم والتدريب المهني مع ضمان بيئة تنظيمية متوازنة، أن تعزز سوق العمل في مصر. وتمثل التحديات الناجمة عن الخصخصة السابقة والمناقشات الجارية حول قانون العمل فرصاً لإعادة تشكيل استراتيجية العمل في مصر. يمكن للتعلم من نجاح الصين أن يساعد مصر على تطوير نظام عمل يلبي احتياجاتها ويحتفي بأهمية العمال في عيد العمال.