نوران عبد المنعم
تسير السياسة الخارجية العُمانية دائمًا حسب البوصلة الوطنية التي صنعتها حكمة السُّلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان وهي بوصلة بالغة الدِّقة لا تعرف التَّردد أو الارتباك، بل تُترجم سياسات راسخة عمادها الثوابت الوطنية الأصيلة، تتماهى فيها التطلعات والخُطط الوطنية مع المواقف الخارجية، وهذه الخُطط والمواقف لا تستهدف سوى التنمية التي تُحقِّق للمواطن ما يصبو إليه من استقرار ورخاء وتقدم.
ولذلك في كل مرة نرى فيها نُذر الحرب تطل برأسها على منطقتنا، نُدرك يقينًا هذه الدبلوماسية العميلة التى تحمي السلطنة من أي سوء، وستسعى لتجنيب المنطقة ويلات ومآسي لا طاقة لها بها، انطلاقاً من القناعة الراسخة بأنَّ عُمان هي محور السلام في هذه المنطقة المُلتهبة، والتي تشهد صراعات حوَّلت بعض البلدان إلى براكين خامدة قد تثور في أي لحظة، والبعض الآخر يكتوي فعليًا بنيران الحرب الأهلية والفوضى وعدم الاستقرار والغرق في الأزمات الداخلية والخارجية.
وأول الثوابت العُمانية عدم التَّدخل في الشؤون الداخلية للدول، والالتزام بمسار التنمية الواضح الذي يعود بالنفع على الإنسان، فضلاً عن دعم جهود السلام والاستقرار ونزع فتيل التوتر بأي بقعة في الأرض. وتشهد المواقف المُشرفة للدبلوماسية العُمانية على هذه الجهود، في مُختلف الأزمات، قديمًا وحديثًا، وهو ما يدفع أطراف الصراع في بلدان عدة إلى اللجوء إلى الدبلوماسية العُمانية باعتبارها قبلة السلام ووجهة الباحثين عن الاستقرار والرخاء، وملتقى الفرقاء للجلوس على مائدة تفاوض ترسم لهم خارطة طريق يستطيعون من خلالها إعادة بناء أوطانهم، أو بلورة اتفاقات تحمي العالم من أخطار محدقة أو كوارث مُميتة.
ولا يُنازعني شك أنَّ الجهود العُمانية لإحلال السلام في العديد من الملفات الإقليمية قد حققت نتائجها الإيجابية والبناءة، فإذا نظرنا إلى الأزمة الليبية نجد أنَّ السلطنة نجحت في لم شمل أطراف الأزمة قبل سنوات، من أجل صياغة دستور لبلادهم، فضلاً عن توفير المناخ المُناسب لإعادة التفاوض حول مستقبل البلد وآلية التغلب على أزماته المُتعددة والمتشابكة. ولم تختلف الحال في الملف اليمني، إذ تمكنت الدبلوماسية العمانية من إقناع أطياف الصراع في اليمن بالقدوم إلى السلطنة وإجراء المفاوضات المباشرة وغير المباشرة فيما بينهم من أجل التوصل لحلول وتسويات لعدد من الملفات، علاوة على أنَّ الدور الحيادي المعهود لعُمان منح الجميع الثقة بأنَّ السلطنة قادرة على أداء دور فعَّال في أي موقف بنزاهة وحيادية، ولذلك نجحت جهود الوساطة العُمانية في الإفراج عن عدد كبير من المحتجزين لدى أطراف الصراع في اليمن، وتكللت بعودة البعض إلى بلادهم أو خروج عدد آخر للعلاج أو لدواعي السن والمرض، وغيرها من الأسباب الإنسانية وتحرص السلطنة على بذل كل الجهود من أجل إنهاء مُعاناة من يرزحون تحت وطأة ظروف قاسية.
وهذه الحيادية المعهودة للدبلوماسية العُمانية، هي التي منحت عُمان أوصافا مُتعددة تؤكد هذه الحيادية، فكم من تقارير قرأناها تشير إلى عُمان بأنها “سويسرا الشرق الأوسط”، وكم من مسؤول دبلوماسي أثنى على الجهود العمانية في حلحلة قضية ما، فضلاً عن الإشادة بعمق النظرة الحكيمة لدبلوماسية السلطنة، بفضل الرؤية الثاقبة للسلطان قابوس بن سعيد والتي تؤمن وتضع في مقدمة أولوياتها إتاحة المجال أمام أي جهد يسهم في تحقيق السلام بالمنطقة.
فالدبلوماسية العُمانية منذ فجر النهضة العمانيه، حينما أعلنها السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان تدعو بأنَّ السلام طريق الاستقرار والرخاء في هذه المنطقة، التي تنعم بخيرات عديدة وتملك بلدانها مواقع إستراتيجية على خطوط الملاحة الدولية وتزخر بالموارد الطبيعية والبشرية التي تتيح لها فرص النهوض في شتى المجالات.
خلاصة القول السلام في عُمان قيمة مغروسة في النفوس وواقع تحقق على الأرض بفضل السياسات الرصينة التي رسمت ثوابتها الرؤى الحكيمة للسلطان قابوس بن سعيد ووضعت لها مكانة مميزة بين الأمم، فكما كانت- ولا تزال- عُمان نقطة التقاء الحضارات والشعوب، ستظل محور السلام وجوهرة التنمية المتلألئة.