سلايدر

الأمين العام لجامعة الدول العربية كلمة فـي القمة المصرفية العربية الدولية تحت شعار “الحوارات المتوسطية العربية – الأوروبية بروما

استمع الي المقالة

أشرف أبو عريف

ألقى السيد أحمد ابو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية كلمة فـي القمة المصرفية العربية الدولية تحت شعار “الحوارات المتوسطية العربية – الأوروبية من أجل منطقة اقتصادية أفضل” والتى جاءت على النحو التالى:

معالي الشيخ محمد الصباح
​رئيس اتحاد المصارف العربية
معالي الدكتور جوزيف تورباي
​رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب
معالي الدكتور محمود محي الدين
​ نائب رئيس البنك الدولي
معالي السيد نيكولا دي سانتيس
​رئيس قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا
قطع الشؤون السياسية والامنية لدى الناتو
سعادة السيد جويدو روسا
​الرئيس التنفيذي ورئيس لجنة الشؤون الدولية
​​​​لرابطة البنوك الايطالية (ABI)

السيدات والسادة،

​يسعدني أن أكون بينكم اليوم للمشاركة في افتتاح القمة المصرفية العربية الدولية ، والتي تُعقد للعام الثاني على التوالي … واسمحوا لي أن أغتنم هذه المناسبة لأتوجه بالشكر والتقدير إلي اتحاد المصارف العربية على حسن التنظيم وكذا اختيار شعار “الحوارات المتوسطية العربية – الأوروبية من أجل منطقة اقتصادية افضل” … ليكون العنوان الرئيسي لهذا الحدث الهام.

​والحقيقة أننا عندما نتحدث عن منطقة المتوسط، فإننا نُشير-في واقع الأمر- إلى بحيرة صغيرة لا تتعدى مساحتها 1% من مساحة المعمورة.. غير أن ضفاف هذا البحر شهدت، كما نعرف، ولادة وازدهار الحضارة البشرية .. فما من فكرةٍ أو عقيدة كبرى إلا ولها أصلٌ حول البحر المتوسط الذي كان، ولا زال إلى اليوم، معبراً للسلع والأفكار والبشر.. ومحوراً للتبادل التجاري والتلاقح الثقافي .. في كل الاتجاهات.

​وليس المتوسط تاريخاً فحسب، وإنما هو حاضرٌ بقوة في تفاعلات العالم المعاصر.. إذ تُمثل منطقة المتوسط تجمعاً بشرياً هائلاً يضم 500 مليون إنسان.. يُنتجون نحو 10% من الناتج العالمي.. وتعبر خلال البحر المتوسط نحو 20% من التجارة البحرية العالمية… إنها منطقة كبرى تحمل بين جنباتها طاقات هائلة وإمكانيات نجاح وازدهار.. إلا أن هذه الإمكانيات لم تُستغل بعد إلى طاقاتها القصوى.. فحاصل التعاون بين دول ضفتي المتوسط يحمل وعداً وأفقاً أبعد بكثير مما هو قائم الآن.

​إن منطقة المتوسط تسير على حبل مشدود بين اليأس والرجاء.. فبوسع الناظر إليها ألا يرى فيها سوى حزام أزمات ممتد لا يحمل إلا تهديدات الهجرة غير النظامية واللجوء والمُشكلات السياسية والاجتماعية.. وبوسع الناظر أيضاً أن يرى فيها الإمكانيات الكامنة .. والطاقات غير المستغلة.. والوعد بالازدهار المُشترك لجميع أبنائها عبر التعاون والتكامل بين ضفتيها.. إن الأمر يعتمد على زاوية النظر.. وقد علمنا التاريخ أن نهجاً يقوم على التحسب والخوف من الآخر لا يُنتج إلا شكوكاً متبادلة وعجزاً عن العمل المشترك.. أما النهج الصحيح –من وجهة نظري- فهو أن ننظر إلى المنطقة نظرة تكاملية واقعية تأخذ في الاعتبار الأزمات والمشكلات القائمة.. ولكن لا تنكر –في الوقت ذاته- الإمكانيات والطاقات الكبيرة والأفق الواعد في المستقبل.

​والحق أن العلاقة بين ضفتي المتوسط متشابكة ومتعددة الأبعاد والجوانب.. ومن الخطأ حصرها في قضية بعينها، كالهجرة غير النظامية أو غيرها .. أو النظر إليها من الزاوية الأمنية وحدها … وقد أخذت القمة العربية-الأوروبية الأولى التي عُقدت بمصر في فبراير الماضي بهذه النظرة التكاملية، فتناولت العلاقات بين الطرفين في مختلف جوانبها وقضاياها، بصراحة وانفتاح كاملين.. وبإدراك من كل طرف لشواغل الطرف الآخر ومصالحه واهتماماته.. وقد كانت القمةُ حدثاً كبيراً بحق .. إذ عكس إدراك القيادات، على الجانبين العربي والأوروبي، بأن العلاقات بينهما استراتيجية، وجوهرية لاستقرار هذا الفضاء البشري والجغرافي الهائل، والذي يعج بالحيوية والطاقة.

السيدات والسادة،

​لا يخفى ما يُعانيه العالم العربي من مُشكلات اقتصادية تتعلق بالتنافسية وبيئة الأعمال والتوظيف وغيرها .. وجميعكم، وأنتم أهل الاقتصاد والمال والأعمال، على دراية كاملة بطبيعة تلك المشكلات وما تُفرزه من أزمات اجتماعية وسياسية.

على أن الجديد الذي ألمسه اليوم هو توفر إرادة التغيير والإصلاح لدى الكثير من الحكومات والقيادات العربية.. ثمة إدراكٌ بأن الإصلاح المطلوب يتطلب تغييرات جوهرية في الإدارة الحكومية والكفاءة الاقتصادية .. يتطلب الإصلاح كذلك مواجهة مباشرة للمشكلات المتأصلة في الاقتصادات العربية منذ عقود، لا التهرب منها والالتفاف حولها أو معالجتها بحلول وقتية.. وأرى هذه الروح الجديدة واضحةً بجلاء في عدد من برامج الإصلاح التي تباشرها الحكومات العربية في المرحلة الحالية.. وبعض هذه الحكومات احتل مكانة متقدمة للغاية على مؤشر التنافسية العالمي .. وبعضها حقق نجاحات ملموسة على صعيد التنمية بمعناها الشامل.

إن الأولوية الأولى اليوم لدى الحكومات العربية هي رفع معدلات التشغيل .. وبخاصة بين الشباب.. ويتطلب ذلك إطلاق بيئة حافزة على الابتكار، حاضنة للإبداع .. وحيث تُتاح الفرصة أمام الاستثمار، المحلي والأجنبي، وبخاصة في المشروعات الناشئة المولدة لفرص العمل .. وكذا في المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.

ولا يمكن إطلاق هذه البيئة الاقتصادية الحاضنة للابتكار من دون فلسفة جديدة للقطاع المصرفي والنظام المالي تسمح بتوفير التمويل اللازم لمثل هذه المشروعات، سواء الناشئة أو الصغيرة، عبر مختلف الأدوات المالية والمصرفية.

ولا شك أن مؤتمر اليوم يُعد فرصة نادرة للحديث عن شراكة حقيقية بين الجانبين العربي والأوروبي على الصعيد المصرفي بالتحديد.. وبغرض تمهيد السبيل أمام تبادل الخبرات وأفضل الممارسات.. وبما ويضع أساساً لتعاون وثيق وممتد في هذا القطاع المهم يُحقق أهداف الجانبين، العربي والأوروبي .. فالمنطقة العربية لا تحتاج فقط إلى استثمارات أو تمويل، وإنما أيضاً إلى اكتساب خبرات جديدة في الأدوات المالية أو ما يُعرف بالتكنولوجيا المالية .. والشمول المالي وغيرها.

أما الجانب الأوروبي فيحتاج من دون شك لضخ حيوية جديدة في اقتصاداته في مرحلة ما بعد التقشف وما بعد الأزمة المالية.. وأظن أن السوق العربي الواعد بامكانياته يُعد وجهة مثالية للدول الأوروبية، والمتوسطية منها بالذات … ليس فقط كسوق استهلاكي صخم .. وإنما، بالأساس، كوجهة للاستثمار والشراكة والتوظيف في العديد من المشروعات الناشئة والقطاعات الواعدة كالطاقة وتكنولوجيا المعلومات والصناعات التقليدية.

إن المجتمعات العربية لديها ميزة اقتصادية كبرى.. فهي شابة في هيكلها الديموغرافي .. وبها قطاع ضخم من خريجي التعليم العالي.. المطلوب فقط هو تحقيق الاتصال اللازم بين متطلبات السوق، ومخرجات التعليم.. وللقطاع المالي والمصرفي، من دون شك، دورٌ جوهري في هذا الخصوص من خلال توجيه الاستثمارات الوجهة الصحيحة، وبالصورة التي تخدم الاقتصاد الكلي ومؤشراته.

أتمنى أن يخرج عن هذا المؤتمر أفكار جديدة.. وآليات عمل مبتكرة.. وتوصيات توضع موضع التنفيذ.. فما يُمكن تحقيقه على صعيد خلق فضاء متوسطي مزدهر، كثيرٌ بالفعل .. ويقيني أن صورة هذه المنطقة ستتغير بصورة جوهرية خلال السنوات القادمة.
شكراً لكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى