الإتفاق النووي الإيراني.. محتوي عقيم وأهداف فاشلة
فؤاد الصباغ
إن الصراع الإقليمي علي النفوذ بمنطقة الشرق الأوسط خلقت العديد من الإضطرابات الإقتصادية و السياسية و فككت التكتلات الخليجية بحيث أصبح الخطر الوحيد متمثلا فقط في الخطر النووي الإيراني.
فالجدير بالذكر في طرح هذه المعادلة في ميزان القوي الدولية نلاحظ أن الصراع القائم حاليا هو مبني بالأساس علي الإستحواذ الإقليمي علي أكبر قسط من الكعكة الدولية والغنائم المالية. ولطرح موضوع هذا الإتفاق العقيم في محتواه نلاحظ خلال هذه المدة الأخيرة و بالتحديد مع بداية شهر مارس 2018 تصاعد في لهجة الوعد والوعيد للرئيس الأمريكي ترامب الذي قرر التخلي بصفة نهائية عن الإتفاق النووي الإيراني الذي أبرم في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما سنة 2015 بين مجموعة 5 زائد 1 وذلك بإعتبار أن ذلك الإتفاق في صياغته القديمة لا يتلاءم مع طموحات و برامج الإدارة الأمريكية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط. فذلك الإتفاق حسب المنظور الأمريكي لا يخدم المصالح الإستراتيجية الأمريكية بالحد الكافي بإعتباره إتفاق مغشوش و ملفق بالعديد من الأكاذيب و الخداع الإيرانية. إذ من أبرز البنود المعترض عليها الرئيس ترامب هو السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم لمدة 10 سنوات بدون تطوير أجهزة الطرد المركزي و التخصيب مع الحفاظ علي المنظومة القديمة. بالإضافة إلي ذلك التحفظ علي المدة التي تصل إلي سنة 2025 وفق بند عدم نقل المنتجات النووية التي وقع تخصيبها إلي مكان آخر لمدة 15 سنة. بالتالي تكون هنا الأمور معقدة جدا لدي الإدارة الأمريكية الحالية بإعتبار أن الصراع القائم حاليا في منطقة الشرق الأوسط يهدد الأمن القومي العربي خاصة لدول التحالف و هي بالأساس المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة. ففي ظل هذا الصراع المتزايد عادت الحرب في المنطقة بأسلوب جديد متطور متمثلا في الحرب الإقتصادية و التي هي قادرة علي تدمير جميع مؤسسات الدولة و هياكلها بأقل الأضرار.
إذ تعتبر مساعي إدارة البيت الأبيض من أجل تشديد الحصار الإقتصادي ضد دولة إيران حتي القضاء علي برنامجها النووي هو عبارة عن ضغوطات إقتصادية و سياسية حتي العودة إلي النقطة الصفر و البدء في صياغة إتفاق جديد يتماشي مع رؤية ترامب المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط. أما بخصوص جون بولتون فهو يعتبر من أبرز المحرضين علي مقاطعة دولة إيران ماليا و تجاريا و عزلها عن بقية دول العالم. فبالنتيجة كانت لكل تلك العوامل مساهمة مباشرة في إنهيار العملة الإيرانية إلي أدني مستوياتها و في إرتفاع التضخم المالي بشكل مهول و رهيب و في شلل كامل لمبادلاتها التجارية. أما مساعي وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس جاءت لإحتواء ذلك التوتر بين إدارة ترامب و حكومة حسن روحاني و هي تصنف كمجرد زوبعة في فنجان فارغ لا تقدم ولا تأخر من تلك الأحداث المعقدة والمتشعبة أصلا في المنطقة برمتها.
أما بالنسبة لمباحثات وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان مع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف فهي أيضا إجمالا جاءت لطرح “توسيع الإتفاق” ليشمل ترسانة الصورايخ البالستية و التجارب الإيرانية و تقويض دعم المليشيات التابعة لها في المنطقة. بالإضافة لذلك تعتبر زيارة فريدريكا موغريني مؤخرا لطهران ولقائها بالمسئولين هي أيضا مجرد مسكن لخفض لهجة تصعيد الحرب الكلامية و الإقتصادية بين إيران و الولايات المتحدة الأمريكية مع دعوة الطرفين للعودة إلي طاولة الحوار مجددا.
أما بالنسبة للملف اليمني فهو أيضا كان غير بعيد عن دائرة تلك الأحداث بحيث أدت الأعمال الحوثية الأخيرة ضد المصالح السعودية من خلال القصف المتتالي بالصواريخ البالستية أو الطائرات الموجهة عن بعد خاصة منها الهجمات علي خط أنابيب النفط لشركة أرامكو و ضد السفن المتواجدة في المياه الإقليمية الإماراتية كانت في مجملها سلبية و أدت للمزيد من توتير الأوضاع.
فكل تلك الأحداث كانت عامل إضافي لتصاعد ذلك التوتر المتدهور أصلا و تحول ذلك الإتفاق النووي الفاشل في أهدافه غير قابل للإحياء مجددا. كذلك الصراع الإقليمي إستفحل بشكل ملحوظ في منطقة الشرق الأوسط خاصة بعد دخول روسيا علي الخط لتبعثر جميع الأوراق التفاوضية و تخلق توازن إقليمي جديد في المنطقة و من الملاحظ أن تلك الحرب الباردة في شكل الحروب الإقتصادية عادت بأكثر قوة و شراسة من الماضي علي الساحة العالمية.
فالإنسحاب من ذلك الإتفاق النووي العقيم في محتواه و الذي جاء بعد مفاوضات طويلة وشاقة بين جميع أجهزة السلك الدبلوماسي لدول 5 + 1 وبمجهودات التنسيق مع مجلس الأمن الدولي والمفوضية الأوروبية و الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يعد يتماشي حاليا مع تلك المتغيرات المتسارعة و المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط. بالنتيجة تم تحديد حزمة جديدة من العقوبات الأمريكية ضد المصالح الإقتصادية الإيرانية تعتبر أكثر صرامة من الماضي وذلك للحد من إنتشار تلك الأسلحة الكيميائية و تجعل من إيران دولة ضعيفة و منزوعة كليا من أسلحة الدمار الشامل. بالإضافة إلي ذلك يعتبر الإتفاق النووي الجديد الممكن أن يقع التفاوض من أجله بين القوي العظمي خاصة من جانب الإتحاد الأوروبي و إيران و ذلك بعد الإنسحاب من الإتفاق القديم العقيم في محتواه و الفاشل في أهدافه حلا جذريا للأزمة الدبلوماسية العالمية. كما أن ذلك الإنسحاب من الإتفاق النووي جاء تحت ضغوطات إسرائيلية علي الإدارة الأمريكية و ذلك من أجل تطويق النفوذ الإيراني في المنطقة بحيث يمكن أن تؤدي تلك النتائج إلي عواقب وخيمة علي المنطقة إذا لم يتم الإسراع في إبرام الإتفاق الجديد من قبل إدارة الرئيس ترامب و الإتحاد الأوروبي و إيران.
إذ ذلك التكثيف من الحراك الدبلوماسي مؤخرا عبر مجهودات وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس لم يأتي من فراغ بل هو ترتيب من أجل البدء في الحوار علي إتفاق جديد ينطلق من صفحة بيضاء و يتماشي فقط مع الأهداف الإستراتيجية للإدارة الأمريكية في المنطقة.
أما الفشل من أجل إبرام إتفاق جديد سيزيد من التأثيرات السلبية لتشمل بذلك جميع المرافق الحيوية بمنطقة الشرق الأوسط, مما يمكنها أن تؤدي إلي عدم إستقرار إقتصادي بعيد الأمد خاصة علي أسعار المحروقات أو عدم إستقرار سياسي و أمني و ستؤدي بالنتيجة إلي تفاقم الصراع القائم حاليا في تلك المنطقة.
فالإنسحاب الأمريكي من جانب واحد من الإتفاق النووي الإيراني كلف الإقتصاد الإيراني أضرارا فادحة علي مصالحها الإقتصادية و التجارية مع بقية دول العالم وعلي الإستثمارات المباشرة الأجنبية المتواجدة علي أراضيها. أما من جانب دول مجلس التعاون الخليجي سيتواصل إنفاقها المالي علي التواجد الأمريكي في المنطقة من خلال تلك الحشودات العسكرية الضخمة و بالتالي سيتم تخصيص ميزانية ضخمة لوزارات الدفاع الخليجية التي ربما ستشهد حروب طويلة الأمد خاصة مع الحوثي في اليمن من جهة أو مع دولة إيران والمنظمات الإرهابية من جهة أخري لا قدر الله.
عموما يعتبر الإتفاق النووي مع دولة إيران بصياغته الحالية فارغا و لا يلبي الحد الأدني من المصالح الأمريكية و ما هو ذلك التمسك به من قبل دول الإتحاد الأوروبي إلا مجرد مسكن مِؤقت و عامل يحافظ علي الإستقرار الإقتصادي و السياسي و الأمني. أما الإنسحاب منه كليا فهو سيؤدي بالتأكيد إلي إنفجار إقليمي ممكن أن تكون له تداعيات كارثية علي بعض الدول الخليجية و الإنزلاق في دوامة حروب طويلة في المنطقة و التي ربما ستنعكس بدورها سلبا علي أسعار النفط و الغاز, كما أنها ممكن أن تؤدي إلي أزمة بترولية و مالية خاصة من خلال إثقال ميزان المدفوعات الخليجية بعبء كبير من أجل الإنفاق العسكري.