حرب عالمية 3 تدق طبولها
د. حذامى محجوب
ما الذي دفع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى فرض عقوبات على شركة هواوي الصينية التي هي من أكبر شركات تصنيع الهواتف المحمولة في العالم إلى جانب كونها كذلك من أكبر مصنعي تجهيزات الاتصالات وأبرز مطوري تجهيزات الجيل الخامس؟ ما سبب خوف الإدارة الأمريكية وإصرارها على استعمال كل الطرق لمنع الصعود المذهل للعملاق الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة في المعالجات الدقيقة والـ 5 جي.
إنها حرب تجارية تؤذن بقيام حرب عالمية ثالثة، فلقد وضعت الولايات المتحدة الأمريكية هواوي في قائمة الشركات الصينية التي يمنع بيع التكنولجيات لها.
وقد أوضح دونالد ترمب ذلك قائلا “إن الرقم الثاني للهواتف الذكية في العالم خطير جدا.. إنه شديد الخطورة من وجهة نظر عسكرية”، وقد أعلنت قوقل أنها ستضطر إلى إيقاف تعاونها مع الشركة الصينية تنفيذا للتعليمات الأمريكية، باعتبار أن هواتف هواوي عاملة بنظام أندرويد من قوقل. ولقد صرح الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن بلاده ستصبح القوة العالمية الأولى تقنيا وعسكريا بفضل الذكاء الاصطناعي، وأن الأمر لن يتجاوز الـ 5 سنوات المقبلة.
وكلنا يتذكر أنه بعد الصراعات الدموية التي وقعت، اكتشفنا منذ سنة 1947 أن الحرب الباردة قد تأسست على مخادعات بشأن النووي، ويبدو أن القرن الـ 21 يعد لحرب عالمية ثالثة جديدة تحبك خيوطها بصمت عبر كيابل الألياف البصرية العابرة للقارات التي ينتمي عديد منها إلى Gafam. فالصين هي أول قوة “بعد إنسانية” كما تتمتع بإجماع اجتماعي بالنسبة للتلاعب بالجينات وبالنسبة لتضخيم الدماغ ونشر الذكاء الاصطناعي.
ويبدو أنه ضمن الحرب التكنولوجية فإن كلا من: BATXH (Baidu,Alibaba,Tencent,Xiaomi,Huawei).. وهي قراصنة الرئيس الصيني شي جين ينغ؛ إنها قريبة من الجيش وفي خدمته وتسهم بقوة في المشروع القومي المنشود، وهو أن تصبح الصين القوة العالمية الأولى.
ونذكر على سبيل المثال أن روبان لي المدير العام لبايدو قد لعب دورا أساسيا في خطة التنمية للجيل الخامس للذكاء الاصطناعي، وهو ما يعد أمرا حاسما بالنسبة للجيش، لأن جميع الاتصالات تمر عبر تجهيزات في برج اتصالي ما أو مزود لخدمة انترنت، كما يمكن الجيل الخامس الأجهزة من التواصل بعضها مع بعض بشكل مباشر، وبالتالي يكون أفضل وسيلة للتنصت والتجسس، أضف إلى ذلك أن الصين تمتلك تاريخا طويلا من التجسس الالكتروني والاستحواذ على المعلومات، فلقد سبق لها أن اخترقت مؤسسات حكومية أمريكية ودولية وقادت هجمات الكترونية.
كما تجدر الإشارة هنا إلى مفارقة وهي أن الذكاء الاصطناعي العسكري مزدهر في الصين بدرجة كبيرة، في حين أن المهتمين بأخلاق الذكاء الاصطناعي هم في الغرب وليس في الصين، والمخابرات الصينية تتحكم في الشركات الصينية وتقدم لها التعليمات، كما عبر البنتاغون كذلك عن قلق شديد باعتبار أنه يحتاج إلى 16 سنة لتحويل فكرة إلى سلاح، في حين أن الأمر لا يحتاج في الصين إلا إلى 6 سنوات فقط.
وحيال هذه النظرة الاستباقية لقيام ديكتاتورية تكنولوجية “تقنوتورية” سيجد فيها السياسيون أنفسهم خارج اللعبة تحركت الإدارة الأمريكية بكل قوة.
وقد أعلنت كذلك صحيفة الفايننشال تايمز أن “الصين تقدم رواتب مغرية وخيالية للمهندسين الأمريكيين لاستقطابهم”، وقد دق إريك شميدت رئيس قوقل السابق ناقوس الخطر قائلا إنه “من الآن إلى سنة 2020 سوف يلتحقون بنا، وسيكونون الأفضل سنة 2025، وسيسيطرون على صناعة الذكاء البشري سنة 2030”.
كما أن هذه الحرب هي كذلك حرب مالية، فلقد عبرت صحيفة الفايننشال تايمز عن قلقها إزاء النمو المالي الصيني المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي أصبح يهدد البنوك الغربية. ويذهب جاك ما، مؤسس علي بابا إلى حد أن الذكاء الاصطناعي الصيني سيمكن الحزب الشيوعي من قيادة الاقتصاد العالمي وريادة السوق الرأسمالية.
تختلف حرب الذكاء الاصطناعي اليوم تماما عن الحرب الباردة، فقد عرف الاتحاد السوفياتي آنذاك فترة انهيار اقتصادي، في حين أن الصين اليوم تتأهب للتحول إلى القوة الاقتصادية الأولى في العالم، إضافة إلى أنها مندمجة تماما في التجارة العالمية، في حين أن الاتحاد السوفياتي لم يكن يصدر شيئا.
يبدو أن الطموح التكنولوجي الإمبريالي للصين ينتظم حول “طريق حرير جديدة” ستربط بين أوراسيا “أوروبا وآسيا” وأفريقيا بطرق أرضية وبحرية ورقمية.
إن الحرب التكنولوجية المعاصرة سينتج عنها تقلص للعولمة مع تقسيم للاقتصاد العالمي إلى كتلتين، وسيقع اختزال تجارة “الداتا” والتكنولجيات، وسيقسم “السبلي انترنت” العالم الافتراضي إلى عالمين للانترنت: عالم صيني، وآخر تديره الولايات المتحدة الأمريكية.