الطموح والغايات.. علامات فارقة فى تاريخ تونس والهند
تونس – د. حذامى محجوب
لطالما اتسمت العلاقة بين حضارتي الهند وتونس بالودية و الدعم المتبادل في التاريخ الحديث. وإن دل هذا على شيء فانه يدل على أن الشعبين الشقيقين متشابهين في الطموح والغايات بعد أن خاضا في الماضي معركة التحرر من براثن الاستعمار. وقد شهدت بداية القرن العشرين منحى جديدا في العلاقة بين البلدين بمساندة الهند لتونس في المحافل الدولية سعيا للاستقلال. كما اقتدت تونس برموز حركة التحرير في الهند أشهرهم الزعيمين مهاتما غاندي وجواهرلال نهرو و استوحت من التجربة الهندية الكثير وصولا إلى الاستقلال التام.
و عقب الاستقلال التونسي انطلق مشوار تطوير العلاقات بين البلدين و ابتدأت مرحلة جديدة و فريدة من العلاقات الثنائية التي تبلورت في شكل وفود رسمية و بعثات تجارية و فرق ثقافية لفتح أفق الاستثمار للاستفادة من خبرات بعضهم البعض في ميادين مختلفة و كسر الحواجز و فتح جسور التواصل بين الشعبين ليتعرفوا على ثقافة جديدة رغم بعدها الجغرافي فإنها تضيف الكثير لزادهم المعرفي.
كما مثلت الألفية الجديدة حجر الأساس في الدفع بالنسق الدبلوماسي الهندي التونسي عبر بعثات و لقاءات رفيعة المستوى أفضت إلى التوقیع على خارطة طريق ھي الأولى من نوعھا في تاريخ العلاقات بین البلدين. فقد كانت زيارة نائب الرئيس الهندي محمد حامد أنصاري إلى تونس صحبة وفد هندي منتصف سنة 2016 فرصة أبلغ فيها تحيات الشعب الهندي إلى الشعب التونسي الشقيق وأكد دعم بلاده لتونس. و أفضت هذه الزيارة التاريخية على مزيد تعزيز العلاقات الثنائية و التعاون في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصال و الأدوية والمستحضرات الصيدلانية و النفط والغاز الطبيعي و المؤسسات الصغرى والمتوسطة و النسيج. في حين مكن اجتماع الدورة الثانية عشرة الوزاري للجنة المشتركة الهندية-التونسية المنعقد في نيو دلهي أوخر 2017 من تطوير علاقات التعاون الثنائي وتعميق التشاور والتنسيق السياسي عبر الامضاء على جملة من الاتفاقيات.
أما تجاريا فقد شهدنا تطوير العلاقات الهندية التونسية من خلال التبادل في شكل شراكة في تبادل الخبرات و استيراد المواد سواء الأولية أو الجاهزة على غرار الفسفاط و زيت الزيتون التونسي في حين دخلت شركات صناعة السيارت و الجرارات الهندية السوق التونسية عن طريق شركاء من رجال أعمال تونسيين لتشهد الماركات العالمية مثل Mahindra و TATA و TAFE إقبالا متزايدا .و هنا يمكن أن نذكر القفزة النوعية للشراكة في قطاع الفسفاط بما يمثله من ثروة حيوية للاقتصاد الوطني التونسي باعتبار الهند المستورد الأكبر لهذه المادة من تونس.
ثقافيا، لطالما سعت الهند إلى إعطاء الفرصة للتونسيين للتعرف على حضارتها من خلال أشكال عديدة. و من أهم برامجها في هذا الشأن برنامج التعاون التقني و الاقتصادي الهندي ‘ITEC’ الذي يوفر دورات تدريبية في مختلف الاختصاصات لمئات التونسيين المنتسبين إلى وزارات و جمعيات عديدة في الهند. و نذكر بادرة هي الأولى من نوعها ألا وهي دورتين تدريبيتين حصريتين في الهند، الأولى لصالح خمسين دبلوماسياً والثاني لثلة من الإطارات السامية من مختلف الوزارات التونسية. و بحديثنا عن التلاقح الحضاري عبر الزيارات، شرفت الشابة مها قعيدة تونس عبر إحرازها على الميدالية الفضية في المسابقة العالمية الثقافية حول معرفة الهند إذ تم تكريمها من طرف رئيس الوزراء و وزيرة الخارجية الهنديين على هذا الانجاز. أما عن المساعي الهندية في تونس، فقد عينت سفارة الهند مدرب هندي مختص في اليوغا و اللغة الهندية يقوم بإعطاء دروس دورية في مختلف جهات الجمهورية.
دبلوماسيا، تصب المساعي الهندية التونسية في اتجاه واحد وهو تعزيز العلاقات الدبلوماسية. و قد شهد العام الفارط الاحتفال بالذكرى الستين للعلاقات الهندية التونسية من خلال جملة من الأحداث التي دلت على العلاقات الوثيقة بين البلدين مثل مهرجان الهند في تونس و مهرجان تونس في الهند و زيارات الفرق الموسيقية من كلا البلدين و مهرجان المأكولات الهندية في مختلف جهات تونس. كما عرفت هذه السنة حدثا مميزا ألا وهو الذكرى المائة والخمسون لميلاد المهاتما غاندي الرمز العالمي للسلام الذي تم تخليد ذكراه في تونس عبر ندوات وحملات ونشاطات تحسيسية أبرزها حملة تشجير رياض غاندي بأريانة.
لطالما عملت الهند على تعزيز علاقاتها مع تونس البلد الصديق في سبيل مد جسور التواصل بين الشعبين والاستفادة من بعضهم البعض على جميع الأصعدة. وقد تبلورت هذه الصداقة من خلال المبادلات الثقافية و التجارية في المجالات ذات الاھتمام المشترك والدعم الدبلوماسي في المحطات الدولية.