رأى

ترامب.. سمسار أم بطل من ورق؟!

استمع الي المقالة

بقلم: د. حذامى محجوب

وجه جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي يوم 5 ماي 2019 تحذيرا شديد اللهجة الى إيران وأعلن أن الولايات المتحدة الأمريكية ستنشر مجموعة “اليو،س،س” حاملة الطائرات ابراهام لينكولن ووحدة القاذفات في الخليج وكانت رسالة واضحة لا لبس فيها للنظام الإيراني مفادها أن القيام بأي هجوم محتمل ضد مصالح الولايات المتحدة أو مصالح حلفائها في الخليج ستكون نتيجته ردة فعل عنيفة ، ويرى بعضهم أن هذا الخطاب الشديد اللهجة قد جاء كرد فعل على معلومات استخبارية أفادت بأن ميليشيات شيعية مدعومة من ايران تستعد للقيام بهجمات على قوات أمريكية في العراق في حين يذهب آخرون الى أن إسرائيل هي التي سربت هذه المعلومات الى الإدارة الأمريكية.

وفي 13 مايو 2019 ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن جون بولتن قدم الى البيت الأبيض خططا لإرسال 120 ألف جندي أمريكي الى الشرق الأوسط في حال تعرض القوات الأمريكية الى هجوم من إيران أو في حال تسريع إيران برنامجها للأسلحة النووية. وتجدر الإشارة الى أن جون بولتن معروف بالتلاعب بالمعلومات وبمبالغته لتبرير استخدام القوة.

وجاءت هذه الاستعدادات والتحذيرات في وقت تصاعدت فيه التوترات بين الولايات المتحدة وإيران منذ تنكر وتنحي الرئيس الأمريكي عن الاتفاق النووي لسنة 2015 بإعادة فرضه عقوبات قاسية على قطاعي النفط والغاز في البلاد على أمل حرمان طهران من الموارد لزعزعة استقرار النظام الإيراني .وواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحذير ايران يوم الاثنين 13 مايو 2019 قائلا ” انها سترتكب ” خطأ كبيرا ” اذا فعلت شيئا ، وتمادى في تهديده كذلك خلال لقاءه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان قائلا ” اذا فعل الإيرانيون  أي شيء يمس بالمصالح الأمريكية ، فسوف يتألمون كثيرا “.

وقد أرسلت حاملة طائرات وسفينة حربية وقاذفات ب52 وبطارية صواريخ باتريوت ، وقام وزير الخارجية مايك بومبيو بزيارة لم يعلن عنها مسبقا لبروكسل في نفس اليوم لتبادل المعلومات السرية مع نظرائه من الأوربيين حول الموضوع .وقال المبعوث الأمريكي الخاص الى ايران براين هوك ” نعتقد أن ايران يجب أن تسير في طريق المحادثات بدلا من التهديدات ، لقد اتخذوا خيارا خاطئا بالتركيز على التهديدات “.

هل تكون منظومة صواريخ دفاع جوي من نوع باتريوت وحاملة الطائرات المرسلة الى منطقة الشرق الأوسط والمتمركزة في مياه الخليج مجرد استعراض قوة وترهيب للإيرانيين؟ خاصة وأن دونالد ترامب قد صرح بانه مستعد لإجراء محادثات مع القادة الإيرانيين للتوصل الى اتفاق جديد بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي لعام 2015.

أن هذا التصريح قد جاء بعد تصاعد التوتر في الخليج بحسب ما أعلنت الرياض وأبوظبي، فقد أعلنت الإمارات يوم الأحد 12 مايو 2019 أن 4 سفن شحن تجارية من جنسيات عدّة تعرضت لــ”عمليات تخريبية” في مياهها الواقعة قبالة ايران شرق امارة الفجيرة ،كما أعلنت السلطات السعودية الاثنين 13 مايو 2019 عن تعرض ناقلتي نفط سعوديتين لـ”هجوم تخريبي” قبالة السواحل الإماراتية .ورغم هذه التصريحات فإن براين هوك المبعوث الأمريكي الخاص للشأن الإيراني رفض الربط صراحة بين هذه العمليات التخريبية وما حذّرت منه بلاده الأسبوع الماضي من هجمات ” محتملة” قد تشنّها ايران أو أطراف موالية لها ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، وردّا على سؤال عمّا اذا كانت لإيران علاقة بالعمليات التخريبية رفض هوك التعليق ، مكتفيا بالقول ان الولايات المتحدة ستساعد، بناء على طلب من الامارات ،في التحقيق في هذه الهجمات التخريبية. وأضاف بأن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد ناقش في بروكسل مع نظرائه الأوروبيين ” ما تبدو أنها “هجمات على سفن تجارية”.

أعتقد أن الولايات المتحدة التي ما فتئت تهدد وتتوعد ايران لن تشن حربا على ايران ، فدونالد ترامب ليس غبيا، أنه لن يرضى بأن يلقى نفس المصير الذي لقيه جورج بوش “الابن” الذي كلف الحزب الجمهوري خسارة سياسية كبرى في الانتخابات بدخوله في حرب العراق بدعوى امتلاك النظام العراقي لأسلحة الدمار الشامل ، فالحرب على العراق وعلى أفغانستان هي التي سمحت بوصول مرشح الحزب الديمقراطي باراك أوباما لمنصب الرئاسة الأمريكية ، كما كلفت هذه الحرب الولايات المتحدة خسائر اقتصادية وعسكرية فادحة .فالحروب كانت دائما مكلفة على أمريكا ، ولازال المواطن الأمريكي يتذكر الحرب على الفياتنام سنة 1955 والتي تسببت في خسائر كبيرة للولايات المتحدة إذ قتل فيها 58000 جندي أمريكي وأكثر من 15000جريح ومئات الأسرى ،وقدرت تكلفتها بــ 783 مليار دولار ،وانتهت بمفاوضات باريس التي أدت الى الانسحاب الأمريكي وتسليم الحكم الى من كانوا يحاربون أمريكا من ثوار فيتنام الشمالية ” الفيتكونغ”، والى التخلي عن حكومة فيتنام الجنوبية المدعومة من واشنطن.

وقد نشرت جامعة براون الأمريكية أن الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على أفغانستان والعراق ،أسفرت عن ما لا يقل عن 225 ألف قتيل منهم 6000 قتيل أمريكي، وقد بلغت كلفتها المادية 3700 مليار دولارأي حوالي ربع الدين العام الأمريكي آنذاك .وقد أثرت هذه الحروب بشكل سلبي في متوسط دخل المواطن الأمريكي وأثرت سلبيا على القوة الشرائية في أمريكا ، كما أدت هذه الحروب الى ارتفاع في أسعار النفط مما أضر كثيرا بالاقتصاد الأمريكي ، وقد رفعت شركات التأمين في أمريكا رسوم التأمين بنسب عالية بسبب تزايد المخاطر الناتجة عن الحرب ، ونتج عن ذلك ارتفاع التكاليف غير المنظورة في كل قطاعات الاقتصاد الأمريكي، كما أثرت الحرب على تدهور قيمة الدولار الأمريكي أمام العملات الأخرى بشكل غير مسبوق ، ولأول مرة في تاريخ الاقتصاد الأمريكي وجد البنك المركزي الأمريكي “بنك الاحتياط الفدرالي” نفسه عاجزا عن التدخل لحماية الدولار والبورصات والأسواق المالية العالمية.

لا أعتقد أن دونالد ترامب وهو رجل المال والأعمال بامتياز مستعد للخوض في حرب مع إيران بعد أن فشلت واشنطن في تحقيق أهدافها وفيما خطته من مشاريع، وهذا ينطبق على الفيتنام وعلى العراق وأفغانستان و”مشروع الشرق الأوسط الكبير” وعلى الحرب الإسرائيلية على لبنان سنة 2006 وعلى كل ما يحدث في سوريا. لن يشن ترامب حربا على ايران بعد كل هذه الخسائر العسكرية والاقتصادية، ولن يدخل الجيش الأمريكي في معركة مع الحرس الثوري، لن يضحي في رأيي دونالد ترامب بالجنود الأمريكيين ولن يخاطر بالاقتصاد الأمريكي.. فقط إذا أراد أن ينتحر سياسياََ وعسكرياََ.. وهذا يبدو وشيك أمام النفس الطويييييييييل لإيران وتميزها العسكرى.

  • نهاية القول.. الحراك الترامبى ليس إلا محاولة لمحتضر يترنح بفعل سكرات الهزائم على مدار قرون ويحاول إثبات الذات الفاقدة للظل أصلا.. وإن شئت قل جاء ترامب الخليج ليواصل تعبئة متارد اللبن لطالما البقر الحلوب لم ينضب لبنه بعد.. فكيف لسمسار أو بطل من ورق أن ينادى كى يُسمعَ حياََ؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى