رأى

دافوس.. الحقيقة والسراب!

استمع الي المقالة

د. حذامى محجوب

يعد المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يقع في المحور المصرفي لجنيف أحد أكثر مكونات النظام العالمي شهرة اليوم. يجتمع فيه سنويا رؤساء دول وحكومات ووزراء مالية ومحافظو بنوك مركزية وأصحاب الشركات العملاقة ورؤساء مجالس إدارية للمؤسسات العالمية الكبرى …يتصافحون ويتبادلون أوراقهم ويلتقطون الصور ويعرضون أجمل ابتساماتهم رسميا، يجتمعون معا في غضون كل سنة هل من أجل تحسين أوضاعهم أو من أجل تحسين أوضاع العالم كما يدعون؟

يدير هذا المنتدى “المكتب المنسق” و”لجنة تنفيذية” تابعة لهذا المكتب، ويضم المكتب المنسق شخصيات اعتبارية كبيرة تعد رموزا لعالم الأعمال والسياسة وجملة من الأكاديميين وبعض الشخصيات الفاعلة من المجتمع المدني من أحزاب وغيرهم من المهتمين بالشأن الاقتصادي. وينقسم مكتب المنسقين بصفة متساوية بين المنتمين الى عالم الأعمال والمنتمين الى بقية المجالات الأخرى. المنتدى الاقتصادي العالمي له مكانة المنظمة الدولية تنظمه قوانين، فهنالك 24 عضو يمثلون المكتب المنسق الذي يعكس عدد كبير من المتدخلين، ويقع تمويل المنتدى الاقتصادي العالمي بمساهمات 1000 شركة عضو، تعد من أكبر 1000 شركة في العالم –عادة ما تكون دورة رأس المال فيها أكبر من 5 مليار دولار أمريكي –هي شركات تلعب دور القيادة  في صياغة مستقبل صناعتها والمنطقة التي تعمل بها وتعتبر قلب نشاطات المنتدى ودعمها هو الأساس في إيجاد حلول عالمية مناسبة لتحسين وضعية العالم.

وهنالك نوعان من الأعضاء  “الأعضاء المنظمون” و”أعضاء المنتدى” وينتمي الأعضاء المنظمون الى الشركات الكبرى الأكثر شهرة ومكانة في العالم ويلتزمون بصفة مباشرة بمبادرات وبرامج المنتدى ،بينما يعد “أعضاء المنتدى” من بين الشركات الأكثر ابتكارا في العالم والمتحكمين في السوق وهم عادة يقودون قطاعات محددة ويعتبرون قادة إقليميين.

نبذة!

في سنة 1971 قام كلاوس شواب وهو مهندس، اقتصادي ورجل أعمال ألماني بدعوة 444 شخصية بارزة من رواد المال والأعمال في أوروبا للمشاركة في ندوة وقع تخصيصها لإدارة الأعمال في دافوس، وكان هذا المنتدى الأول من تنظيم “قادة الأعمال الأوربيين” وهي مجموعة أسسها كلاوس شواب لتشكيل طبقة من رجال الأعمال وبعث ديناميكية اقتصادية قوية تضاهي تلك الحركية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية وأرست هذه المجموعة  بذلك تقليدا يتمثل في القيام باجتماع كل سنة.

الهدف: تسخير السياسات لصالح الاقتصاد العالمي

 حين نتابع توجهات واصدارات المنتدى الاقتصادي العالمي يبدو لنا جليا أن المؤسسات الاقتصادية لا توجد من تلقاء نفسها، فهي ليست مستقلة عن العوامل الخارجية لها وخاصة المناخ السياسي الإقليمي والدولي الذي توجد فيه، لذا تأسست قمة دافوس على الفلسفة التالية وهي : تقريب أصحاب الشركات العملاقة العابرة للقارات من القادة السياسيين والتواصل معهم لتعزيز الحوار بين هذه الجهات الفاعلة في صنع القرار على مستوى عالمي. ومن هذا المنطلق وقع استدعاء القادة السياسيين لهذا المنتدى لأول مرة سنة 1974 وفي سنة 1987 وقع بعث صورة جديدة ل”المنتدى الأوروبي للأعمال ” بإعطائه تسمية جديدة وهي “المنتدى الاقتصادي للأعمال “وكانت بذلك الرسالة واضحة وتعني بأن الأمر لا يتعلق بالمؤِسسات والشركات الخاصة وإنما بالاقتصاد عامة .

ومنذ سنة 2015 يتمتع المنتدى بمكانة المنظمة الدولية حيث افتتحت مكاتب إقليمية له سنة 2006 بكين ونيويورك .لكن التمعن في التقارير السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي خاصة منها التقارير المتعلقة بالقدرة التنافسية للدول والتي تتأسس على مسح يقوم به المنتدى مع أصحاب المؤسسات في كل دولة يكشف لنا بكل وضوح عن رؤية واحدة وهي أن كل السلطة السياسية في العالم ليس لها من مهمة سوى خدمة المستثمرين في العالم، انه منتدى للتواصل مع أقوياء العالم اقتصاديا بدرجة أولى  وسياسيا بدرجة  ثانية. في النهاية، ماذا قدمت قمة دافوس والمنتدى الاقتصادي العالمي غير العديد من المزايا للشركات الكبرى وجمع أشخاص من خلفيات متنوعة لديهم الإرادة والتأثير لإجراء تغييرات إيجابية لصالح أصحاب المال والأعمال.

فمنتدى دافوس هو لصالح الأعمال والثروة والسلطة وليس لصالح الشعوب، انه لصالح الشركات الكبرى والدول العظمى التي يصل فيها الرؤساء الى سُدة الحكم بتمويلات أصحاب رؤوس الأموال والأعمال وأباطرة الاقتصاد في العالم. يجب على الحكومات أن تنظر لنفسها كمنصات للتفكير والابتكار وأن تركز على تنمية رأس المال البشري وتنمية المهارات والمواهب لأنها هي من يمنح البلدان خصوصيتها وتميزها وتفردها، وتنمية رأس المال البشري تقع من خلال التعليم والتدريب، انها الثورة الصناعية الرابعة، انها التنمية المستدامة التي تحتاج الى قادة وأشخاص يعرفون طريق النجاح ويسعون إلى النهوض بشعوبها.. هكذا، تبدو الحقيقة والسراب!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى