د. حذامى محجوب
نظمت الملحقية الثقافية لسفارة المملكة العربية السعودية ندوة فكرية يوم 13 أفريل 2019 على هامش معرض تونس الدولي للكتاب ، استضافت لها الدكتور يوسف المحيميد وهو صحفي وكاتب أنتج العديد من الروايات التي أثرت ساحة الرواية في المملكة العربية السعودية والرواية العالمية باعتبارها قد ترجمت الى عدة لغات ،من أشهر هذه الروايات :-“لغط موتى” ،” فخاخ الرائحة” ، “القارورة”، “نزهة الدلفين”، “الحمام لا يطير في بريدة” ،,”رحلة الفتى النجدي” و”غريق يتسلى في أرجوحة”…الى جانب العديد من القصص القصيرة والمقالات .وكان موضوع الندوة ” الرواية السعودية وتطورها” وقد أرجع الروائي يوسف المحيميد تاريخ الرواية السعودية الى ثلاث مراحل، مرحلة التأسيس وهي المرحلة الأولى التي تعود الى الثلاثينيات بصدور أول رواية سعودية لعبد القدوس الأنصاري ” التوأمان” ثم المرحلة الثانية وقد بدأت بصدور أول رواية فنية هي ” ثمن التضحية” لحامد الدمنهوري سنة 1959 أما المرحلة الأخيرة وهي مرحلة نعتها بالتجديد باعتبارها حاملة لكم هائل من الروايات ذات المستوى الفني العالي وقد بدأت من سنة 1980الى يومنا هذا.
كانت رواية “التوأمان” ضعيفة في بناءها الفني محافظة في رؤيتها للمجتمع ولكنها مثلت الشرارة الأولى لانطلاق الرواية في المملكة ثم ظهرت قصص متوسطة الطول مثل” الانتقام الطبيعي” لمحمد نور الجوهري و “فكرة” لأحمد السباعي ورواية “البعث” لمحمد علي المغربي وهي في معظمها تدعو الى تهذيب الواقع الاجتماعي واصلاحه واعتبرها يوسف المحيميد لا تختلف كثيرا عن روايات البدايات ، لذلك اعتبر أن نقطة التحول الفعلية للرواية السعودية كان مع ” ثمن التضحية” لحامد الدمنهوري سنة 1959 بعد ثلاثين عاما من المحاولات وقد صورت هذه الرواية التمزق والصراع الداخلي الذي يعيشه الرجل العربي أمام اختيار صعب بين امرأة مثقفة او امرأة تقليدية، و تبعه إبراهيم ناصر برواية” ثقب في رداء الليل” التي صورت الصراع بين القرية والمدينة ثم برواية ثانية” ومرت الأيام”. كما ظهرت في هذه الفترة أي فترة الستينات الرواية السعودية النسائية مع سميرة خاشقجي التي كانت رائدة الرواية العاطفية (“ودعت آمالي”، “ذكريات دامعة” “بريق عينيك”، “مأتم الورود”…)ولكنها لم تلق رواجا كبيرا لأنها كانت تكتب في الخارج وكانت رواياتها بعيدة عن الواقع السعودي، وكنتيجة للتعليم النظامي للبنات الذي بدأ في الستينات في المملكة ظهرت روايات نسائية أخرى مثل ” غدا سيكون الخميس” لهدى الرشيد و” البراءة المفقودة” لهند باغفار و”غدا أنسى” لأمل شطا وغيرها من الرواية النسائية على يد كل من خيرية السقاف وفوزية جارالله وبدرية البشر وليلى الجهني…، وقد حصدت رجاء عالم عن روايتها ” طوق الحمام” جائزة البوكر في العالم العربي لتكون بذلك أول امرأة عربية تنال هذه الجائزة.
واعتبر يوسف المحيميد أن مرحلة الثمانيات هي مرحلة ازدهار الرواية السعودية ويرجع ذلك الى انفتاح المجتمع السعودي واختلاطه بوفود قادمة من ثقافات أخرى مما انعكس على الكتابة وأثرى مخيلة الكتاب واعتبر أن صدور رواية الدكتور غازي القصيبي ” شقة الحرية” سنة 1994 قد أسست لمرحلة جديدة في تاريخ الرواية السعودية التي زرعت تقاليد جديدة في مجال الكتابة أكثر حرية من قبل ، فظهرت ثلاثية تركي الحمد ” أطياف الأزقة المهجورة” وروايات عبده خال التي تلتها روايات عديدة تخلصت نوعا ما من الخطاب المحافظ الموروث وأحدثت زيادة ملحوظة في مستوى الجرأة والصراحة، فظهرت رجاء عبد الله الصانع بروايتها “بنات الرياض” التي أحدثت نجاحا وضجيجا كبيرا لجرأتها بين سنة 2005 و2015 وترجمت هذه الرواية الى ستة وعشرين لغة وحصلت على المركز الثامن في أكثر الكتب المبيعة في العالم ، كما صدر في نفس الفترة عدد من الروايات المثيرة مثل “حب في السعودية” لإبراهيم البادي و”ملامح” لزينب الحفني و”سعوديات” لسارة العليوي وغيرها…وكلها تشهد على هذا النمو المتسارع للرواية السعودية وعلى توفرفضاء الابداع حيث أصبحت المملكة تقريبا تشهد أكثر من صدور مائة رواية سنويا.
وأشار يوسف المحيميد أن هذه الإصدارات أصبحت تحصد جوائز عديدة منها البوكر وجائزة نجيب محفوظ وجائزة أبو القاسم الشابي وغيرها من الجوائز الأدبية العالمية، وقد نالت رجاء عالم جائزة الأدب الألماني لسنة 2014.
وقد استمع الى هذه المحاضرة عن نشأة الرواية السعودية العديد من الشخصيات الأدبية التونسية والنقاد ورجال الثقافة والفن وطرحوا على يوسف المحيميد عدة أسئلة تتعلق ببداياته وطفولته وكل المؤثرات التي تنحت مخيلة الروائي وتصنع أفكاره ، وكانت فرصة طيبة لتبادل الأفكار والتجارب بين الطرفين واطلاع المثقفين التونسيين على التطور الأدبي والثقافي في المملكة وربما كما قال أحد المتدخلين تغيير تلك الصورة النمطية التي رسختها بعض الأطراف عن طبيعة المجتمع السعودي.