مهند أبو عريف
منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وضعت سلطنة عُمان رؤية واضحة لمعالم سياستها الخارجية، وعلاقاتها بمحيطها، سياسة تقوم على مجموعة من الثوابت المستمدة من الهوية العُمانية، وثقافتها المنبثقة من إرثها الإسلامي وقيمها العربية الثابتة، الضاربة جذورها في أعماق الحضارة الإنسانية.
وقد حدد السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان هذه المرتكزات، عندما قال في نوفمبر 1972 “إن سياستنا الخارجية تقوم على الخطوط العريضة وهي انتهاج سياسة حسن الجوار مع جيراننا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة، وتدعيم علاقاتنا مع الدول العربية وإقامة علاقات ودية مع دول العالم، والوقوف بجانب القضايا العربية في المجالات الدولية”.
وعلى مدار نصف قرن تقريباً، مضت الدبلوماسية العمانية، مرتكزة على ثوابتها بمد جسور الصداقة مع العالم، وإقامة العلاقات الحسنة والمتكافئة مع الدول المحبة للسلام، ملتزمة بالمواثيق الدولية ومبادئ الأمم المتحدة، وانتهاج الطرق السلمية لحل النزاعات، بما يخدم الأمن والاستقرار العالمي.
ولأن نهج السلام كان قيمة عليا لدى سلطنة عُمان، فقد امتلكت القدرة والشجاعة ليس فقط على التعبير بكل وضوح وصراحـة عن مواقفها ورؤيتها حيال مختلف المواقف والتطورات الخليجية والعربية والدولية، ولكنها عملت بجد والتزام من أجل وضع ذلك موضع التنفيذ في علاقاتها مع الدول الأخرى، وفي إطار الثوابت العُمانية.
وخلال محاضرة ألقاها بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي أمين عام وزارة الخارجية ضمن فعاليات اليوم الجامعي، أكد إن مواقف السلطنة في مختلف القضايا الدولية تأتي من منطلق الحرص والدور المنوط بها وتجسيدا للمنهجية العمانية في المساواة بالتعامل مع كل الدول وفي كل القضايا الإقليمية، مبينا أن السلطنة تتعامل مع هذه القضايا بمواقف راسخة وبكل شفافية وأمام الجميع، حيث إن العلاقات الدولية والمصالح المشتركة مع كافة الدول تحتم على السلطنة أن تقف موقفا إيجابيا يساعد المنظمات الدولية ودول العالم في الحفاظ على السلم والأمن والاستقرار في المنطقة.
وحول القضية الفلسطينية وموقف السلطنة حيالها قال أمين عام وزارة الخارجية إن موقف سلطنة عُمان ثابت وراسخ وداعم ومستقر في هذه القضية، مشيرا إلى أن تصريحات يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية على هامش منتدى البحر الميت الذي عقد مؤخرا بالأردن حول القضية الفلسطينية لم تخرج عن القيم والمبادئ والأهداف التي رسمت للسياسة الخارجية للسلطنة والتي تؤكد على تحقيق السلام والوئام على أسس عادلة تحترم القانون والمرجعيات الدولية والقانونية القائمة والمصادق عليها من المجتمع الدولي
وأشار أمين عام وزارة الخارجية العُمانية إلى أن هذه الأسس تدعو إلى ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وأن تعيش في أمن وسلام، وأن السلطنة تدعو دائما إلى أهمية الحوار والتفاوض الجاد الذي ينشده أصحاب الحق في القضية الفلسطينية لذلك ستستمر جهود السلطنة في هذا الاتجاه .
وفيما يتعلق بالوضع القائم في اليمن أكد أمين عام وزارة الخارجية أن للسلطنة موقفا ثابتا وواضحا وداعما لجهود المبعوث الدولي، وتدعو دائما أطراف الصراع إلى التحاور ووقف الحرب والعمل على إيجاد هدنة لاستعادة القدر المناسب من الثقة، والمساهمة في وجود عملية سياسية ودعم الجهود الدولية في هذا الجانب، مشيرا إلى أن جهود السلطنة في تقديم المساعدة والتعاون لليمن وشعبها تأتي من باب الواجب الإنساني فهي دولة جارة وتربطنا معها الكثير من العلاقات الدولية والمصالح المشتركة.
واختتم أمين عام وزارة الخارجية محاضرته، بالقول أن السياسة والدبلوماسية العمانية هي داعم حقيقي للعلاقات الدولية، وهي انعكاس للسياسة الراسخة لحكومة السلطنة وما ترمي إليه من خلال جهودها الدولية وعلاقتها مع كافة دول العالم، وأن هذه السياسة سوف تنعكس على الجوانب الاقتصادية والأمنية والسياحية وغيرها من المجالات التي ينشدها الجميع، مؤكدا أن رؤية السلطنة 2040 مبشرة في كافة المجالات التنموية والتي ستدعم بكل تأكيد السياسة الخارجية لها، وهذا ما تبحث عنه الدول والمستثمرون عندما يقصدون السلطنة كوجهة استثمارية.