مهند أبو عريف
في واحدة من المبادرات النوعية الجديدة التي تربط بين الدبلوماسية والاقتصاد والتكنولوجيا، طرحت سلطنة عُمان مبادرة اقتصادية عالمية جديدة تتمثل في التوظيف الأمثل لموقعها الجغرافي، وفي هذا السياق يمثل مؤتمر “اقتصاد المحيطات وتكنولوجيا المستقبل” الذي استضافته سلطنة عُمان وبمشاركة دولية كبيرة، ونظمته وزارة الخارجية العُمانية، نقلة نوعية في إطار التفكير الاستراتيجي العُماني لتوظيف موقع عُمان البحري المتميز ضمن آليات تحقيق مكتسبات اقتصادية جديدة.
كما يأتي ضمن أجندة المنتدى الدولي لدبلوماسية العلوم والتكنولوجيا، والربط بين الدبلوماسية العُمانية والعلوم والاقتصاد وعلاقة هذه المجالات بالمصالح الدولية، باعتبار أن الدبلوماسية والأداء الحسن لها يمكن أن يقود إلى ابتكار الاقتصاد الجديد، بما يعزز التنمية المستدامة المنشودة للأجيال الحالية والقادمة.
وقد أكد على هذه الحقائق يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العُمانية، عندما أشار خلال كلمته في المؤتمر، إلى الإرث العُماني التاريخي الذي ساهم لحد كبير في ربط مفهومي الدبلوماسية والتقانة، وذلك في حركة العمانيين الدائبة عبر البحار والمحيطات حيث يصنعون السفن ويصلون بين الأمم.
ومن ثم يعملون على تيسير هذا السعي والحراك في تحفيز التجارة والعلاقات الإنسانية بين الشعوب، وهذا يجسد قمة الارتباط المنشود بين التجارة والدبلوماسية أو ما يمكن تسميته بـ “دبلوماسية البحار والمحيطات” الذي يعاد تشكيله الآن بوجهات أكثر حداثة، بالنظر إلى أن مفهوم الاقتصاد نفسه يعاد تعريفه ويصبح معقدا وله دلالاته المعرفية الكبيرة.
فهناك الآن “الاقتصاد الأزرق” الذي يعني الإدارة المثالية للموارد المائية والبحار والمحيطات بالشكل المستدام الذي يحافظ عليها وفي الوقت نفسه يحقق منها الموارد الآنية والمستقبلية، هذا المفهوم ـ رغم حداثته إذ يعود إلى عام 2012 بعد مؤتمر (ريو + 20) أو مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الذي عرف بقمة الأرض ـ إلا أنه أخذ العديد من التطبيقات وبات أحد محركات الاقتصاد الجديد ضمن أنواع أخرى من الاقتصاديات الابتكارية التي تربط بين الإنسان والبيئة ومختلف الموارد على كوكب الأرض، في منظومة تأخذ وتعطي ويفترض أن تحافظ على مستقبل الجميع من المفردات الحيوية والمادية في الكوكب.
ووفقا للدراسات الاقتصادية الحديثة، فإن الاقتصاد لا ينفصل عن قراءة جديدة للإنسان والبيئة، وربط الأنساق الفكرية مع الجوانب المادية، أو بعبارة أخرى، فإن تفكير البشر وإدارة علاقاتهم الإنسانية بطريقة دبلوماسية وحوارية تمثل جوهر النداء الإنساني لصيانة الأرض والاستفادة منها، وهي التي يمكن تسميتها بـ ” الدبلوماسية النافعة” التي تبني وتستثمر بدلا من أن تخرب وتدمر وتحيل العالم إلى حروب وعنف وصراعات.
ولا شك أن النهج الدبلوماسي العُماني يرتكز على هذه القيم والجذور والمرتكزات، وتسعى السلطنة جاهدة لربط الأجيال الصاعدة بهذا الفكر الجديد والذي يعمل على إحداث نقلة في فهم الاقتصاد والحياة بشكل كلي من حيث تحقيق معاني التنمية المستدامة الشاملة والكلية.