إقتصاد

40 عام على إنتصارات الثورة إيرانية.. إنجازات وتحديات

استمع الي المقالة

* بمناسبة الذكرى السنوية لانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية.. إيران والتنمية المستدامة لإحياء الحضارة الإسلامية.

كلّما أراد القارئ العربي تتبع أخبار إيران من خلال الصحف أو الإذاعات أو القنوات الفضائية فجلّ ما يصله من هذا الإعلام هي أخبار سياسية أو عسكرية أو أمنية تتحايل عليه، بل إن هذا التحايل أو التعتيم هو سياسة متبعة منذ انتصار الثورة الإسلامية، فتولّدت من خلالها صورة نمطية عن إيران لدى الرأي العام العربي، إذ يُعمل على تغييب مقصود لتطورات إيران العلمية والتقانية والثقافية.
المطلوب من المواطن العربي أن يجهل مدى التقدم العلمي والتطور المعرفي في إيران، والقصد من ذلك أولا تشويه الصورة النقية للثورة الإسلامية التي ارتقت بهذا البلد وجعلته في مصاف الدول المتقدمة، والسبب الثاني هو إن أحاط المواطن العربي بهذا التطور فلن يصدّق تلك الأخبار المذاعة يومياً عن الأوضاع المقلقة في إيران، إذ لا يمكن لبلد – (كما يصورونه) «يعاني من المشاكل الاقتصادية، بل إن أكثرية مواطنيه يعيشون تحت خط الفقر، وتندلع فيه القلاقل الاجتماعية، وربما نظام الحكم فيه يعاني من خطر الإسقاط، ويصرف أموال الشعب في الخارج لتوسيع تدخله في شؤون بلدان المنطقة» – أن يتطور علمياً ويتقدم معرفياً بإثباتات ودلائل المؤسسات العالمية المعنيّة لأنّ التطور العلمي والتقدّم المعرفي بحاجة إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي والاستثمار والتخطيط والمثابرة وكذلك الاستراتيجية بعيدة المدى، ومن الطبيعي أن الصورة المغلوطة التي يسعى الإعلام المسيطر على العالم لترويجها عن إيران لا تنطبق على بلد كهذا مفعم بإنجاز التطورات والمنجزات علمياً ومعرفياً وباستمرار.
أيام قليلة تفصلنا عن الذكرى السنوية الاربعين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، وبهذه المناسبة وفي هذه السطور محاولة لنلقي الضوء على جانب مخفي لصورة إيران في الإعلام المعادي، ألا وهو الجانب العلمي والمعرفي والثقافي:
قُبيل انتصار الثورة الإسلامية في إيران كان عدد الجامعات الإيرانية محدوداً جداً بالنسبة إلى ما وصلت إليه اليوم، كما أنها كانت محصورة في المدن الكبرى لغاية العام 1979، ولكن اليوم وبعد مضي ما يقارب الأربعين عاماً من عمر انتصار الثورة تضاعف عددها بعشرات المرات بين جامعة ومركز للدراسات العليا على امتداد الجغرافيا في إيران حتى وصلت إلى أقاصي المدن الصغرى، وكذلك عدد الطلاب الجامعيين آنذاك كان 175675 طالباً جامعياً وبينما وصل في العام 2016 إلى 4348383 طالباً، أمّا عدد أعضاء الهيئة التدريسية الرسمية فبلغ 5580 أستاذاً وقد أصبح 80097 أستاذاً في سنة 2016 . في الاتجاه ذاته كان في إيران حتى انتصار الثورة الإسلامية 83 مؤسسة للبحوث والدراسات العلمية، أمّا الآن فازداد عدد هذه المراكز إلى 686 مركزاً، وتمّ افتتاح 177 مركزاً لتنمية العلوم والتقنية و39 حديقة للعلم والتقنية و12594 مختبراً علمياً تابعاً لوزارة العلوم والتقانة الإيرانية وحصلت 60 جامعة إيرانية علی نظامHSE وهناك 964 شركة علمية و3009 شركات تقانية ناشطة في حدائق العلم والتقانية .
حسب موقع «اسكوبوس» كان النتاج العلمي لإيران قبل انتصار الثورة 440 مقالة، ثم أصبح بعد انتصارها 48345 مقالة لتصعد مرتبة إيران في إنتاج العلم في العالم من أقل من واحد بالعشرة آلاف قبل انتصار الثورة إلى 81.1 بالمئة في عام 2016.
كذلك قبل انتصار الثورة لم تكن آنذاك أي من الجامعات الإيرانية في قائمة أفضل الجامعات في العالم، لكن مؤخراً وفقاً لتقرير مركز تصنيف الجامعات العالمية «CWUR» لعام 2017 فقد أدرجت ثلاث جامعات إيرانية على قائمة أفضل 10 مراكز أكاديمية في العالم وهي جامعة طهران، جامعة أمير كبير وجامعة النفط الصناعية؛ وذلك بالاستناد إلى إنجازات جامعة طهران في مجالات هندسة النفط وهندسة الصناعة والإنتاج، وجامعة أمير كبير في مجال إنتاج العلم والمواد المركبة، وجامعة النفط الصناعية لإنجازاتها في المجالات الهندسية النفطية، كما أنه وفق نظام تايمز العالمي لترتيب الجامعات، تتصدر 8 من الجامعات الإيرانية قائمة أفضل الجامعات عالمياً وأيضاً 8 جامعات شاملة و10 جامعات طبّية و8 جامعات صناعية وجامعتان غير متمركزتین ومؤسسة بحوث علمية واحدة من إيران مسجّلة في قائمة أكثر الجامعات ومراكز البحوث المؤثرة عالمياً.

قبل انتصار الثورة كانت تصدر 20 مجلة علمية وبحثية في إيران كذلك الأمر اليوم ازداد عدد هذه المجلات إلى 1047 حتى عام 2016، هذا التخطيط والاستراتيجية الموضوعة لم يقتصرا على الجامعات بل امتد اهتمام الجهات المعنية بتأسيس مؤسسات وشركات مبنية على العلم فتمّ إقرار قانون حماية هذه المؤسسات والشركات في عام 2010، وبهذا الدعم القانوني اهتمّ خريجو وأساتذة الجامعات بتأسيس مثل هذه المؤسسات والشركات حيث تمّ تأسيس أكثر من 2453 شركة مبنيّة على العلم في إيران حتى عام 2016 ، هذا النشاط العلمي المتمثل في تأسيس الشركات المبنيّة على العلم يعتبر أحد أهم الإنجازات في إيران بعد الثورة الإسلامية، وأثمر الربط بين الجامعة والإبداع والإنتاج تطوّر إيران وتقدّمها العلمي الذي كان محطّ أنظار المؤسسات المعنّية العالمية فوفق تقرير منظمة مؤتمر التنمية والتجارة للأمم المتحدة «اونكتاد» إنجازات إيران العلمية والتقانية والإبداعية في السنوات الأخيرة جعلت إيران إحدى أكثر الدول تقدماً في حقل العلم والتقنية. وحسب هذا التقرير حاولت إيران جاهدةً تقوية التعليم خاصةّ في اختصاصات العلوم الأساسية والفنية والهندسية ونجحت في توسيع قاعدة قویة للثروة البشریة المتعلمة مع مراعاة المساواة بين الجنسين.
كذلك طاقات إیران في الثروة البشریة المتعلمة في الحقلين الفني والهندسي انعكست إيجابياً على مرتبة إيران العلمية الدولية ؛ وحسب تقرير «مؤشر الإبداع العالمي» فإن عدد الطلبة الجامعيين في اختصاصات الفنية والهندسية كان یعادل نصف العدد الإجمالي لطلبة جامعات إيران في عام 2014 وبهذه الإحصائية أضحت إيران في المرتبة الثانية عالمياً من حيث نسبة خريجي الجامعات في الاختصاصات الفنية والهندسية إلى كل خریجي الجامعات.
قبل أیّام أعلن عن إدراج 10 جامعات إيرانية في قائمة أرقى المؤسسات الخضراء في العالم استناداً إلى التصنيف العالمي لعام 2018 للمعيار الأخضر في مجال التنمية المستدامة من بين 619 مؤسسة تمّ تقييمها في العالم.
وأعلنت دائرة العلاقات العامة للمركز الإيراني لبحوث العلوم والتكنولوجيا، أنّ جامعات زنجان وكاشان وأصفهان وشيراز وفردوسي مشهد وجامعة آزاد الإسلامية للعلوم والبحوث وأمير كبير وكيلان وطهران والزهراء تم تصنيفها في قائمة المؤسسات الخضراء في العالم. ويهدف المعيار الأخضر إلى توفير منظور شامل للظروف والسياسات البيئية والتنمية المستدامة في الجامعات في مختلف البلدان.
ويعد هذا التصنيف العالمي فريدا من نوعه، وهو أداة لاجتذاب انتباه المديرين وصناع السياسات إلى القضايا البيئية واستهلاك الطاقة في البيئات الأكاديمية.البيئة والبنية التحتية والطاقة وتغير المناخ وإدارة النفايات والمياه والنقل والتعليم هي التدابير المستخدمة في نظام التصنيف هذا للمقارنة بين المؤسسات التعليمية والجامعات في العالم.
التخطيط الاستراتيجي والمثابرة في تطبيقه بدقة والدعم المادي والمعنوي لإيجاد البنی التحتية اللازمة للتطور والتقدم العلمي والمعرفي مهّدت ورفعت مستوى إيران في مختلف فروع العلوم المعقّدة وعالية الدقة كالعلوم النووية وعلم النانو وعلم الفضاء علاوة على مختلف اختصاصات الطب وإنتاج الأدوية الخاصة.
وهكذا بعد سنوات عدة من الجهد والبحث والتجارب أصبحت إيران بالمرتبة الأولى على مستوى المنطقة في مجال علم الفضاء، وبالمرتبة الحادية عشرة على مستوى العالم.
وقد أعلن نائب وزير الاتصالات الإيراني أن برنامج السنوات العشر الأولى لتكنولوجيا الفضاء بدأت منذ عام 2006 ودرّب العديد من الموارد البشرية والخبراء. حيث «اليوم» إيران في المرتبة الحادية عشرة على مستوى العالم في مجال علم الفضاء. وإيران الدولة التاسعة التي استطاعت إرسال قمر صناعي إلى الفضاء، قائلاً إنه إنجاز عظيم ومهم خلال السنوات العشر الأولى لفعالية منظمة الفضاء وهذا مؤشر على قدرة وإمكانية البلاد.

إنّ التغييب والتعتيم الإعلامي المقصود على أخبار التطور العلمي لإيران تجاوزه ليطول الميادين الأخرى كالثقافة والفنون التي لا يعلم الرأي العام العربي شيئاً عن الفعاليات الفنیة والثقافیة المتعددة المحلیة والدولیة في إيران علی مدار السنة، فمثلاً خلال هذه الأيام جرت وتجري نشاطات فنیة وثقافیة متنوعة في إيران بمناسبة ذكری انتصار الثورة الإسلامية من جملتها مهرجان فجر الدولي للموسیقا ومهرجان فجر الدولي للمسرحیة ومهرجان فجر للفیلم ومهرجان خوارزمي لاختیار أفضل الاختراعات وأفضل المخترعین الشباب والكبار ومهرجان فارابي الدولي لاختیار أفضل البحوث العلمیة وأفضل الباحثین في فرعي العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية وكل هذه النشاطات تجري سنویاً وبمشاركة دولیة واسعة تدلّ علی الموقع العالمي لهذه النشاطات . ربما لا یدري أحد في العالم العربي إلّا أصحاب دور النشر أنّ معرض طهران الدولي للكتاب من أهم وأكبر معارض الكتاب عالمیاً وأقیم المعرض في سنة 2017 بمشاركة أكثر من 2700 ناشر محلي وأجنبي ضمن مساحة 135 ألف متر مربع، وعرض أكثر من 400 ألف عنوان كتاب. القسم الدولي للمعرض أقیم بمشاركة 139 دار نشر أجنبية من 110 بلدان، وألفين و643 دار نشر محلية في هذا الحدث الثقافي. وقد تم تخصيص ألفين و333 متراً مربعاً لعرض 47 ألفاً و234 عنوان كتاب لدور النشر اللاتينية وألفين و85 متراً مربعاً لعرض 150 ألفاً و144 كتاباً عربياً.
ونذكر أنّ من أهم النشاطات الثقافية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي جائزة كتاب السنة التي تقام بمشاركة دولية واسعة يتم من خلالها اختيار أفضل المؤلفات والترجمات في عدة فروع علمية. حسب إعلان أمين عام هذه الجائزة بدورتها السادسة والعشرين في عام 2018، شارك أكثر من 2000 عنوان كتاب في هذه الدورة للجائزة بمواضيع متنوعة مثل الفقه الإسلامي، الأدب الفارسي، تاريخ الأديان، العمارة والفن، التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع والفلسفة والعلوم والتكنولوجيا، والحوار بين الإسلام والمسيحية والدراسات الإسلامية ومعظم هذه الأعمال وصلت من دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وبعض الدول العربية والصين وصربيا وروسيا وايطاليا وأذربيجان واسبانيا وأرمينيا وتركيا، وفي معرض شرحه لكيفية اختيار الأفضل قال أمين عام الجائزة على سبيل المثال قد تمت مطالعة 150 عملاً مرسلاً إلى هذه الجائزة في مجالي الدراسات الإسلامية والإيرانية من قبل 60 عضواً إيرانياً وأجنبياً في لجنة التحكيم تم على إثرها انتخاب 30 عملاً تأهل إلى المرحلة النهائية من الدورة الخامسة والعشرين لجائزة كتاب السنة والتي ستقام خلال هذا الشهر.
أما بالنسبة إلى وجه إيران الفني ليس بحاجة لشرح النجاح الذي وصلت إليه السينما الإيرانية حيث الصيت العالمي للفيلم الإيراني منع تغييبه عن الإعلام العالمي وأصبحت نجاحات الأفلام الإيرانية في مختلف المهرجانات السينمائية العالمية حديث وسائل الإعلام. على سبيل المثال هناك فيلمان إيرانيان ضمن قائمة أفضل الأعمال السينمائية في عام 2017، وهما الفيلم الإيراني «البائع» للمخرج الإيراني «أصغر فرهادي» والفيلم الوثائقي «أحلام الفجر» من إخراج وإنتاج مهرداد اسكويي . وتم اختيار «البائع» أحدث أعمال المخرج أصغر فرهادي الحائز علی جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في عام 2017 ليكون بين أفضل الأعمال السينمائية لعام 2017 من وجهة نظر أشهر اثنين من المرجعيين السينمائيين العالميين. هذا الفيلم احتل المركز الـ19 بجمع 96 نقطة من مجموع 170 ناقداً سينمائياً كُتب على موقع «روتن توميتوز» الموقع المتخصص في تقييمات وأخبار ومعلومات الأفلام والمعروف عالمياً بأنه مجمع للتقييمات حيث يجمع تقييم النقاد لأي فيلم ويعطي متوسط تقييم له إضافة إلى نسبة مئوية بالمراجعات الإيجابية. وكذلك الموقع السينمائي «ميتاكريتيك» أدرج الفيلم في المركز الـ33 للحصول على 85 نقطة من 36 ناقداً، كما أحرز الفيلم الوثائقي«أحلام الفجر» من إخراج وإنتاج مهرداد اسكويي النقاط نفسها من جانب 9 نقّاد سينمائيين ليحتل المركز الـ39 في قائمة أفضل أفلام 2017. ميتاكريتيك ( Metacritic) الموقع الإلكتروني الرسمي التابع لشركة «سي بي إس إنتراكتيف» التي تقوم بمراجعة وتقييم المحتوى الإعلامي الترفيهي وتشمل الأفلام والبرامج التلفزيونية والمسلسلات وألعاب الفيديو قد صنف هذا الموقع الفيلم الإيراني «بائع» للمخرج أصغر فرهادي في قائمة رابع أفضل الأفلام المعروضة منذ 1 كانون الثاني حتى 30 حزيران 2017 في صالات السينما الأميركية حيث تم عرض جميع الأفلام المشاركة في هذه القائمة وحصد «البائع» أفضل نقاط من جانب النقاد.
من الجدير بالذكر أن فيلم «البائع» أحرز جائزة مهرجان كان السينمائي للأفلام وجائزة أفضل فيلم غير بريطاني لجوائز الأوسكار السينمائية.

لاشكّ في أنّ الأرقام والدرجات المذكورة في هذا المكتوب قابلة للتغيير صعوداً ونزولاً حيث المرتبة في هكذا جوانب يتحداها التنافس بين الدول وهذا واقع عادي ولكن ما كان يهمّنا في هذا الصدد هو إلقاء الضوء على الجانب المغَيب لإيران تعمّداً في الإعلام العالمي والعربي .
أخيراً نؤكد أن إيران تهدف من خلال تطبيق استراتيجيتها للتقدم العلمي والمعرفي إلى إحياء الحضارة الإسلامية العريقة التي تعتبر مفخرة للمسلمين وأسست للحضارة البشرية وتخلّف المسلمون عن مواكبتها، فهي تمدُّ يدها إلى كل الدول الإسلامية للتعاون والتكاتف من أجل تحقيق هذا الهدف القيّم، كما أنها مستعدة لنقل ما وصلت إليه في مختلف فروع العلم والمعرفة إلى علماء المسلمین والدول الإسلامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى