رأى

رسالة إيرانية لمصر

استمع الي المقالة
هناك أوجه تشابه تجمع بين مصر وإيران، هى ثقلهما الحضارى والدينى والاقليمى، وجولات طويلة من الصراع مع الغرب والقوى الدولية الساعية لبسط نفوذها وسيطرتها على القاهرة وطهران ودوائر مصالحهما الاستراتيجية عبر التاريخ، والاعتزاز باستقلالية القرار الوطنى، ومحاولة الخروج من عنق زجاجة الفقر وضيق ذات اليد اقتصاديا وماليا، والطموح النووى الموظف لأغراض سلمية، وأن يصبح اضافة للمقدرات العسكرية والتكنولوجية والعلمية للبلدين.

من جهتها نجحت ايران بامكاناتها الذاتية واصرارها فى امتلاك قدرات نووية رفيعة المستوى، رغم العقوبات المفروضة عليها من الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية المتحالفة معها، بينما تعثرت خطواتنا فى الماضى نتيجة عدم الجدية من قبل الأنظمة السابقة فى تحقيق حلمنا النووى الذى سيكون المفتاح السحرى للتخفيف من حدة أزمات بعينها، مثل النقص الذى نعانيه فى الطاقة الكهربائية.

وفى طياته يحمل الاتفاق النووى التاريخى، الذى ابرمته إيران قبل أيام مع الغرب، رسالة مهمة للقاهرة وغيرها من الدول العربية نستهلها من نقطة الندية، فطهران حينما كانت تتفاوض مع أمريكا والغرب لم تكن شاعرة فى اى وقت من الأوقات بأنها الطرف الأضعف فى المعادلة، فهى تجلس على الطاولة رأسا برأس مع شاغلى مقاعد الطرف الأخر، وتتصرف وتتحدث من منطلق كونها قوة كبرى يتحتم معاملتها باحترام وليس باستعلاء وتكبر. فى حين نرى أن المفاوض العربى يترقب وينتظر بشغف ما ستجود به أمريكا من اقتراحات وأفكار لاخراج عملية السلام المأزومة من كبوتها التى طالت واستفحلت، فالمبادرات لابد أن تأتى من العم سام والأوروبيين معظم الوقت بما يجعلك تحس أن المفاوض العربى غير واثق فى نفسه وبأنه ليس ندا للأمريكيين وللإسرئيليين، وأحيانا تشعر بأن العرب استعذبوا البقاء فى دائرة القنوط واليأس من ايجاد حل للقضية الفلسطينية الموصوفة بأنها قضية العرب الأولى والمحورية، ويكتفون بالابتهال والدعاء أن يأتيهم الفرج من السماء، فضلا عن أنهم لا يجيدون استغلال الاوراق التفاوضية مما يجعلهم عرضة للتلاعب بهم وخداعهم، فهم غير مجتمعين على كلمة واحدة ولا يعرفون لغة العمل الجماعى.

يتصل بهذا أن الوفد الإيرانى المفاوض كان قابضا على أوراق وكروت اجاد استخدامها وتوظيفها فى التوقيت المناسب دون تردد أو خجل، بما فى ذلك بؤر التوتر والاقتتال بالمنطقة من سوريا والعراق ولبنان إلى اليمن، فالحكومة الإيرانية تمكنت من فتح مساحات نفوذ شاسعة بالدول السابقة، وباتت جزءا اساسيا من الحل والتهدئة، قد يفسر الموقف على أنه انتهازية وضرب تحت الحزام، غير أن السياسة لا تعرف القيود والمحاذير الاخلاقية فكل شئ مباح ومشروع، لأن الحاكم هو المصلحة القومية والذود عن خيارات ارتضاها شعب من الشعوب حتى لو كانت موضع رفض واستهجان من المجتمع الدولى، فالعالم لا يقدر الضعيف ويقدر القوى الواثق من نفسه.

وبما أن الحديث تطرق للثقة فإن الجانب الإيرانى كان يرتكز فى تفاوضه على واقع قدرته العسكرية التقليدية وغير التقليدية، فما من مرة لوحت فيها أمريكا ومعها إسرائيل المدللة بالخيار العسكرى إلا وردت طهران الصاع صاعين، ولم تستح من اظهار قوتها العسكرية بمناورات فى مياه الخليج، وتصريحات نارية لقادة افرع الجيش الإيرانى والحرس الثورى تحذر من الاقتراب من الأراضى الإيرانية، أو من حلفائها فى الشرق الأوسط، ولم تخف على سبيل المثال وقوفها لجوار الرئيس السورى بشار الأسد الذى تتزايد المطالب الدولية برحيله من السلطة لتحمله مسئولية تفاقم الأوضاع فى بلاده، منذ بداية الثورة والتى اختطفتها التنظميات والجماعات المتطرفة الإرهابية إلى أن وجد داعش له موطئ قدم فى بلاد الشام يصول ويجول فيها تخريبا وتدميرا للتراث الانسانى.

وفى كل تحركاتها كانت طهران تستند لتماسك الجبهة الداخلية الداعمة والمؤيدة لعدم التخلى عن البرنامج النووى، وعندما تفتش سيكون من الصعب عليك العثور على مواقف داخلية مناهضة سواء من المعارضة أو غيرها ، فالبرنامج النووى فى مجمله يشكل مصدرا للفخر الوطنى ولمستوى التعليم والتقدم التكنولوجى والعلمى والنجاح فى تأسيس كوادر علمية مؤهلة لتطويره باستمرار ، وانتاج اجيال متقدمة من الصواريخ القادرة على حمل رءوس نووية، فنحن ازاء منظومة متكاملة استطاعت اقتناص اعتراف دولى بإيران كقوة نووية مع العلم أنها تعرضت لحرب ضروس من الولايات المتحدة وإسرائيل لعرقلته باى صورة من الصور، وتورطت تل أبيب فى عمليات اغتيال عدد من العلماء والخبراء النوويين داخل إيران خلال الأعوام الماضية.

اما الشق الأهم فى الرسالة الإيرانية فيتعلق بأنه قد حان الوقت للاقدام على خطوة استئناف العلاقات المصرية الإيرانية بشكل طبيعى وكامل، فالتمثيل الدبلوماسى يقتصر على مكتب مصالح مع أن مصلحة الطرفين يقتضى التقارب وليس التباعد. فعلاقات القاهرة وطهران لا تزال حبيسة البعد الطائفى بترويج أن إيران تسعى لنشر التشيع فى المحروسة، وأنه يجب التصدى بحسم وحزم لتلك المحاولات التى يتكلم عنها البعض وكأنها اعصار قادم على مصر، علينا الاحتياط لمواجهته وبناء الدفاعات والحصون لمنعه مهما كلفنا الأمر.

البعد الثانى اطلاق اسماء ارهابيين قتلوا الرئيس الراحل أنور السادات على شوارع بطهران، يزيدعلى ما سلف أننا فى الماضى كنا نراعى خاطر أمريكا والمخاوف المسيطرة على دول الخليج تجاه الخطر الذى تمثله إيران على الأمن والاستقرار فى الخليج وتدخلها فى الشأن الداخلى لدولة كالبحرين، لكن إذا نظرنا بعيون الواقع فإن الخليج يحتفظ بعلاقات دبلوماسية جيدة وكاملة مع طهران فما الذى يمنعنا من تجاوز قناة التحفظات الفاصلة بين القاهرة وطهران اللتين تستطيعان التعاون ليس فى المجالات الاقتصادية وحدها وإنما أيضا فى تبادل الخبرات العلمية والتكنولوجية بعد أن قررنا احياء مشروعنا النووى انطلاقا من الضبعة.إن وزارة الخارجية مدعوة لاعداد صيغة جديدة للعلاقة مع طهران بما يتفق ومصالحنا العليا فى الاقليم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى