مهند أبو عريف
لا يأتي ذكر مدينة مسقط إلا ويأتي ذكر تاريخها الضارب في القدم والذي هيأها لتكون مدينة جذب سياحي استثنائي في منطقة الخليج العربية على كافة المستويات التاريخية والجغرافية والعمرانية والثقافية .
ومما يميز هذه المدنية الساحرة أنها العاصمة الخليجية الوحيدة التي يتعانق فيها الجبل بالبحر ويسرد كل منهما حكاياته ورصده للتاريخ العماني، أما ذلك العناق الأزلي بين البحر والجبل والذي يشكل أحد معالم جمالها فهو الذي أعطى المدينة طوال التاريخ هيبة ومنعة ولكنه جعلها أيضا مدينة الأسئلة والغرابة ومهوى الأفئدة . ويعتبر البعض أن تلك الأسئلة وتلك المنعة المادية والمعنوية أعطت المدينة قوة دفاع عسكرية فريدة لا تتوفر للمدن المكشوفة في شبه الجزيرة العربية.
ولأن المدينة مفتوحة على خليج عُمان والمحيط الهندي فإنها تمكنت أن فتح حوارِ حضاريِ مع الآخر القادم من كافة الأصقاع لكنها كانت أيضا محط أطماع المستعمرين في الكثير من فترات التاريخ خاصة مرحلة الكشوف الجغرافية وبشكل خاص البرتغاليين الذين سيطروا على الشريط الساحلي من عُمان وبشكل أخص مدينة مسقط قبل أن يتمكن العمانيون من طردهم ليس من منطقة الخليج العربية فقط ولكن من شرق أفريقيا.
ويمكن أن تتجلى فكرة نحت المدينة في الصخر بتأمل قلاعها ” الجلالي ” و” الميراني “ وقلعة ” مطرح ” والبيوت المبنية في حواري المدينة القديمة والأبراج المنتشرة بكل مكان في المدينة.
ولا يبدأ تاريخ مسقط العريق يوم أن تمكن حمد بن سعيد البوسعيدي من اقناع والده الإمام سعيد بأهمية مسقط التي كانت تُحكم من قِبل الوالي محمد بن خلفان البوسعيدي وأهمية أن تكون هي العاصمة بدلا لمدينة الرستاق التي كانت هي العاصمة في ذلك الوقت نظرا لموقعها الجغرافي وقدرتها على فتح أبواب التواصل مع الأمم الأخرى.
وانتقلت العاصمة فعلا لمسقط لكن مسقط في ذلك الوقت كانت قد تشكلت باعتبارها مركزا مهما على المستوى التجاري والاقتصادي وأهمية موقعها الجغرافي وموانيها التاريخية.
وكان عالم الآثار الفرنسي المستكشف والكاتب جين ديولافوا قد قال واصفا مدينة مسقط عام 1884 “إنه خليج هادئ محاط بنطاقات ثنائية واسعة من الصخور، الماء الأخضر يحيط بأرضية المدينة البيضاء“. ذلك التاريخ القديم للمدينة قد شكل حاضرها المزدهر اليوم فأصبحت قبلة أساسية للسياحة التاريخية والثقافية.
وتعتبر مدينة مسقط من أكثر المدن في المنطقة اهتماما بالمتاحف التاريخية ودليل ذلك المتحف الوطني الذي يعد درة المتاحف في السلطنة والذي يبرز تاريخ عُمان وتراثها الثقافي منذ ملايين السنين وإلى عهد النهضة.
ويجد الزائر للمدينة فرصة كبيرة يتعرف من خلالها على تاريخ عُمان عبر ملايين السنين من خلال زيارته وتجواله في قاعات المتحف الوطني الذي لا يقتصر دوره على عرض اللُقى والآثار التي تؤرخ لتاريخ عُمان والعمانيين لكنه يحمل رسالة تعليمية وتثقيفية من خلال ترسيخ القيم العُمانية النبيلة، وتفعيل الانتماء، والارتقاء بالوعي العام لدى المواطن.
وعلى مقربة من المتحف الوطني يوجد المتحف العماني / الفرنسي الذي يحتفي بالعلاقات التاريخية بين عُمان وفرنسا وليس بعيدا عن ذلك يوجد متحف ( بيت الزبير)الذي يروي تاريخ مسقط القديمة ويعرض الكثير من المقتنيات التي تحاكي أساليب الحياة القديمة في المدينة عبر عرض الكثير من الصور النادرة عن المدينة.
وهناك في مسقط أيضا متحف بيت البرندة الذي يُحاكي هو الآخر جانب من تاريخ المدينة البحري بشكل خاص وأساليب العيش والسلع التجارية التي اشتهرت بها المدينة على مر التاريخ ، اضافة إلى ( متحف التاريخ الطبيعي) و( متحف الطفل ) ، ومتاحف كثيرة متخصصة ك(متحف تاريخ العملات) في السلطنة.
ومن معالم محافظة مسقط الأثيرة والتي تلقى إقبالا كبيرا من السياح، سياح الداخل والخارج سوق ( مطرح القديم) الذي يعتبر هو الآخر من أبرز معالم المدينة والذي يأتي متناسقا مع الأسواق الشرقية الشهيرة.
وإذا كان زائر مسقط يقضي نهاره في زيارة قلاعها ومتاحفها فإن في المساء له مواعيد أخرى مع الثقافة والفنون، حيث سيكون في دار الأوبرا السلطانية لحضور عرض أوبرالي أو الاستماع إلى أحد أصوات الغناء العالمي أو العربي.
ودار الأوبرا السلطانية في مسقط تصنع للمدينة شهرة عالمية وتجذب لها السياح من كل مكان في العالم. ورغم أن الدار قد أكملت في أكتوبر الماضي سبع سنوات فقط منذ افتتاحها إلا أنها تمكنت من أن تضع نفسها في مصافٍ أعرق دور الأوبرا في العالم من خلال برنامج سنوي ملتزم بالتنوع بين الحفلات الطربية العربية وعروض الأوبرا العالمية واستضافة أعرق فرق الأوركسترا في العالم.
إن أهل عُمان كما وصفهم الرحالة البريطاني جون أوفينجتون عندما زارها 1693 هم “عرب مهذبون جدًا في تصرفاتهم، وفي غاية اللطف مع كل الغرباء، فلا أذى ولا إهانة يمكن أن تصدر منهم لأي أحد، ومع أنهم معجبون بدينهم ومتمسكون بمبادئهم فإنهم لا يفرضونها على أحد”، أو كما قال عنهم الصحفي الإنجليزي جيمس سيلك بكنغهام عندما زار مسقط عام 1816 ” من الخصائص العظيمة والمميزة لمسقط عن كل بلاد العرب هو ما يبديه سكانها بكل مراتبهم إلى الأوروبيين من احترام ولطف، هنا يمكن للغريب أن يذهب حرا حيث يريد وهنا أعجب كثيرا بقيم التسامح لدى العمانيين“.
لهذه الأسباب وكثير غيرها باتت مسقط في واجهة المدن السياحية ليس في منطقة الخليج العربية بل في العالم وليس غريبا أن تختارها الكثير من وسائل الإعلام العالمية أحد أهم الوجهات السياحية كل عام، إنها مسقط التي تفيض جمالا وتاريخا وثقافة وفنا وتنثر قيم المحبة والتسامح وتقبل الآخر ولذلك لا عجب أن تكون وجهة عالمية على الدوام.