البيئة في سلطنة عُمان.. أحد الروافد الاستراتيجية للتنمية المستدامة
مهند أبو عريف
يشكل الاهتمام بالبيئة أحد أهم محاور الاهتمام الاستراتيجي للحكومة العُمانية، وظل ذلك واحداً من الأبجديات التي تعنى بها السياسة العُمانية في إطار الرعاية التي يوليها السلطان قابوس بن سعيد، منذ فجر النهضة العمانية الحديثة، وتم تخصيص الجوائز والأيام التي تعنى بالبيئة احتفالا وتعظيما وترسيخا في الفكر العُماني.
ومن المعروف أن سلطنة عُمان من الدول التي تحقق مقاييس دولية في إطار الحفاظ على البيئة وفق المعايير المطلوبة في العالم اليوم ولدى المنظمات الدولية المتخصصة في هذا المجال.
وفي هذا الإطار فإن السياسة التنموية العُمانية وخلال عقود متعاقبة ظلت تركز على التنمية المتوازنة والمستدامة التي تراعي كافة الجوانب، وتؤكد أهمية مبدأ التوازن البيئي وألا تكون مشروعات التنمية والصناعات الحديثة خصما على البيئة ، وهو ما تقوم الجهات العُمانية المختصة.
ولاشك أن هذا الجهد يظل في نهاية المطاف أمراً تشاركياً في عُمان يكون على الجميع المساهمة فيه والاعتناء به، بحيث يتحول المشهد إلى ثقافة يؤمن بها الجميع ويعملون على تنفيذها والحرص عليها لأجل صالح الوطن، كذلك التوافق مع المشهد العالمي الذي يدعو إلى صيانة كوكب الأرض وإنقاذه من التدهور، جراء التغيرات المناخية وزيادة نسبة الكربون وظاهرة الاحتباس الحراري.
وفي هذا السياق تمثل الاختراعات والابتكارات العُمانية الجديدة التي تقوم على توظيف جيل الشباب مثل الصناعات التي تعنى بتوظيف الطاقة النظيفة، كذلك المخترعات التي تقوم على تقليل الانبعاثات الضارة وغيرها من الأمور كالاتجاه نحو توظيف طاقة الشمس والسيارات الكهربائية، تمثل مشاريع استراتيجية عُمانية تمضي فيها السلطنة بخطى حثيثة وتضع لها الجهات المختصة صانعة الاستراتيجيات مكانة ضمن الأولويات المستقبلية في سبيل التقدم والرقي المنشود وفق متطلبات العصر والحياة الحديثة.
سيظل موضوع البيئة في سلطنة عُمان من القضايا الحيوية والاستراتيجية المستقبلية التي تحظى بالاهتمام باعتبارها من عوامل جذب الاستثمارات في السلطنة، سواء عبر تشجيع الاستثمار الداخلي، وزيادة جاذبيته وتسهيل خطواته ومجالاته، أو من خلال جذب الاستثمارات الخارجية للعمل في أي من المجالات الاقتصادية والتنموية المتاحة في السلطنة، والتي توفر بالفعل فرصا واعدة للاستثمار، وتمثل في الواقع إحدى أهم الركائز والسبل الاقتصادية الفعالة.
كما أن قطاع النخيل العُماني قاطرة التنمية المستدامة،حيث تؤكد نظريات العلاقات الاقتصادية أن التوجه التنموي يحتاج دوماً لمشاريع رائدة في القطاعات كافة، مشاريع تفتح الطريق نحو تطوير مستمر ومستدام يحظى به هذا القطاع أو ذاك، وتسمى تلك المشاريع الرائدة بقاطرات التنمية، وهي مشاريع تعطي للقطاع الذي تنتمي له بُعداً يحمل في طياته آفاق المستقبل.
إن النخلة إذا كانت تمثل لدى الإنسان العُماني منذ القدم موروثا حضاريا وثقافيا متأصلًا ومرتبطا بحياته وتعاملاته اليومية، وشاهدا تاريخيا على علاقته بالزراعة وانتمائه للأرض والنخلة، فإنها في الجانب الآخر لعبت دورا في تنمية المجتمع، ويمكن أن تلعب دورا مُهما في رفد الاقتصاد الوطني بما يعزز موقعها كمفردة ثمينة من مفردات الطبيعة العمانية، وتمثل فرصة مناسبة وجيدة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للدخول في هذا المجال الواعد.
ويأتي مشروع زراعة المليون نخلة كأحد المشاريع الكبرى التي أقامتها سلطنة عُمان وفق رؤية حكيمة تدرك الموروث الغذائي وقيمة النخلة في الثقافة العمانية، وتسعى إلى تحقيق الأمن الغذائي في قطاع النخيل، وهو ما تحقق إلى حد بعيد في عدد من المزارع المنتشرة في كافة ربوع السلطنة، ولكن المشروع الذي جاء بفكر السلطان قابوس بن سعيد ونفذ بسواعد الشباب، يمتلك من الطموح ما يجعله أكثر من قاطرة تقود قطاع النخيل نحو التحديث وتعظيم القيمة المضافة.
فالمشروع الذي قفز خطوات واسعة في سنواته الأخيرة، والذي يجمع بين الزراعة وإقامة مصنع عالي التقنية لمنتجاته من النخيل ومخلفاته، يسعى وبقوة ليكون مصدر إلهام لقطاع نخيل متطور يعيد للنخلة هيبتها ومكانتها الاقتصادية والغذائية، ويحفز كبار وصغار المستثمرين نحو الانطلاق بإقامة مشاريع متعددة ومتنوعة للاستفادة القصوى مما تقدمه النخلة من خيرات، سواء على الصعيد الغذائي أو على صعيد الاستفادة بالمخلفات في صناعة أعلاف وصناعة أثاث، وغيرها من الصناعات التي ستعد انطلاقة متطورة في صناعات النخيل.
وتواصل الحكومة العُمانية جهودها الرامية إلى تحقيق أقصى استفادة ممكنة من النخلة، وفي هذا الإطار يأتي توقيع المديرية العامة لمشروع زراعة المليون نخلة والهيئة العمانية للشراكة من أجل التنمية وشركة (FNSS) التركية وجامعة أريزونا الأمريكية “مذكرة تفاهم” تقضي بإنشاء ثلاثة مختبرات، الأول يشمل على مختبر بحوث وقاية النخيل والذي سيركّز على حماية ووقاية النخيل من الأمراض التي تفتك بها.
فيما سيتخصص المختبر الثاني في بحوث البستنة والذي سيعنى ببحوث فسيولوجيا النخلة والزراعة النسيجية والخضرية وبحوث الأسمدة والتربة والمياه، أما المختبر الثالث فيختص ببحوث الكيمياء الحيوية حيث إن فحص التمور والتأكد من جودتها وتطويرها لدعم أحد أهم مكونات مشروع زراعة المليون نخلة وهو التصنيع الغذائي الذي يعتبر أمرا في غاية الأهمية.
كما تتضمن “مذكرة التفاهم” تدريب كوادر عمانية في مجال البحوث والعمل في المختبرات لمدة 18 شهرا، وسيتم تدريبهم على رأس العمل لمدة 18 شهرا أخرى، من خلال فريق من العلماء والخبراء والمختصين، ما يعني إيجاد كوادر عمانية قادرة على بناء مستقبل واعد لصناعة وزراعة النخيل في السلطنة، لتعمم الفائدة لكافة الراغبين في إنشاء مزارع نخيل ذات تقنيات عالية، وتقوم بزراعته على أسس علمية واعدة.
إجمالاً يمكن القول أن النخلة شكلت في سلطنة عُمان على مر العصور مصدراً غذائياً وإنشائياً وحرفياً، وذلك للمجالات التي تدخل فيها هذه الشجرة الطيبة، سواء بتحولها إلى أمن غذائي، أو استخدام جريدها وسعفها في بناء المنازل والمساجد، وفي الحرفيات والأواني والتي جعلت من النخلة مصنعاً شاملًا.