الإمارات تحتضن أكبر تظاهرة للأديان في خدمة الإنسان وحماية الأوطان
أبو ظبي – مهند أبو عريف
ابن بيه:
الكرامة الإنسانية سابقة في التصوّر والوجود على الكرامة الإيمانية.
المنتدى منذ محطته التأسيسية يضع نصب عينيه الأفق الإنساني الأرحب
يتوخّى الملتقى استكشاف ميادين عمل حلف الفضول الجديد والصيغ المؤسسية لتفعيله
تعاقدنا مع أولي بقية من العقلاء وتقاسمنا معهم آمال السلام وآلام الواقع
المنتدى قدم معالجة أصيلة أثرت الساحة برؤية جديدة ورواية تجديدية
حلف الفضول التاريخي يتميز برمزية إنسانية كونه يقوم على قيم الفضيلة وليس المشترك الديني أو العرقي.
ينبغي إظهار الدين كقوة صانعة للسلام والمحبة وعامل جذب بين المختلفين
يهدف حلف الفضول الجديد إلى صناعة السلام ورفض استغلال الدين في النزاعات والحروب
أمام الأديان تحدّ كبير بحماية اللاجئين والنازحين والمهاجرين ومواجهة الأزمات الإنسانية
الأخلاق الدينية قادرة على ترشيد العالم وسبل الخلاص من معضلاته
تواصلت فعاليات “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة” في ملتقاه السنوي الخامس، الذي يعقد تحت عنوان “حلف الفضول فرصة للسلام العالمي” لليوم الثاني؛ في إطار البحث عن مخرجات تشكيل حلف فضول عالمي جديد، يتميز بفاعلية وقدرة على ممارسة دوره؛ باستعادة قيم الرحمة والتأسي بالمعاش والإنتصار للإنسان وانتشالها من أحضان التاريخ، وجعلها سلوكاً يوميا راسخاً بالوعي الكوني، حسبما أطر معالي الشيخ عبدالله بن بيه رئيس المنتدى أعمال الملتقى في كلمة ألقاها؛ بحضور نحو 800 شخصية من ممثلي الأديان الكبرى حول العالم؛ بالإضافة إلى طيف واسع من المفكرين والعلماء والباحثين والإعلامين والمهتمين بتعزيز ثقافة السلم وترسيخ قيم التسامح والتعايش الإنساني السعيد.
ورحب معالي الشيخ ابن بيه رئيس “مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي” بالحضور في أبوظبي، فضاء الإنسانية وعاصمة التسامح والتعايش والسلام المستدام، أرض المؤسس القائد، المغفور له الشيخ زايد في عام زايد الخير؛ برعاية كريمة من أبناء زايد، زادهم الله من خيره وفضله. معرباُ عن سروره؛ لأن “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة”، يجمع أولي بقية من العقلاء والحكماء من ثقافات وديانات وأعراق مختلفة.
وقال معالي الشيخ ابن بية “لقد غرسنا في ملتقى المنتدى الأول بأبوظبي سنة 2014، شجرة السلام، وتعهدناها في الملتقيات اللاحقة، ليقوى جذعها ويمتد فرعها للوقوف في وجه العواصف العاتية التي تهبُّ على البشرية، وتزعزع أركان بناء السلام؛ لأن العنف صار لغة كل مفلس في مشارق الأرض ومغاربها، وبات خطاب الكراهية سلعة رائجة في أسواق المزايدات الإيديولوجية. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال هناك أولو بقية من المحبين للسلام، وهم وإن تنوعت مشاربهم، واختلفت أديانهم وألسنتهم، إلا أن مقاصدهم توحدت، فوضعنا أيدينا بأيديهم، وتقاسمنا وإياهم آمال السلام وآلام الواقع.
وتوقف معالي الشيخ ابن بيه عند منجزات المنتدى بين 2017 و2018 من خلال شقين: شق فكري تنظيري، لفت فيه إلى أن موسوعة السلم التي كانت من توصيات البيانات الختامية للملتقيات السابقة، صارت اليوم واقعاً، وسيخرج الجزء الأول منها خلال العام المقبل، مشيراً إلى أن أكثر بحوث الموسوعة قد خصص لتصحيح المفاهيم المفجّرة، كما أصدرت مجلة “السلم” أربعة أعداد فيها من فقه السلم وفكره ما يسدُّ بعض حاجات الفضاء الفكري.
أما الشق الآخر، فعملي ميداني، استعرض فيه معالي الشيخ ابن بيه، فعاليات ومشاركات المنتدى التي رامت الترويج للسلام والتخفيف من غلواء التعصُّب والكراهية، وأهمها: “إعلان واشنطن لتحالف القيم”، الذي توج لقاءات قوافل السلام الأمريكية، التي استضافتها أبوظبي والرباط في 2017. ومشاركة المنتدى في مؤتمر “التواصل الحضاري” بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي، ومساهمة المنتدى في مؤتمر الحريات الدينية الذي تنظمه وزارة الخارجية الأمريكية، وفي مؤتمر السلام في الأديان الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع جامعة أكسفورد. ومشاركة المنتدى في تنظيم المؤتمر الدولي عن القيم الدينية في عالم التعددية بالتعاون مع مجلس الإسلامي للأديان بسنغافورة، وآخر فعالية نظمها المنتدى كانت بشراكة مع “ويلتون بارك” التابع للخارجية البريطانية، حول المواطنة الشاملة.
وأكد معالي الشيخ ابن بيه أن القيمة المضافة التي يقدمها الملتقى الخامس، تكمن بكون المنتدى يستثمر في كل ملتقى مخرجات الملتقيات السابقة، والدليل مجموع المبادرات التي قدمها خلال السنوات الأربع التي تلت تأسيسه، وهي مبادرات حية ومستمرة، وليست رهينة حاجات طارئة، أو ناتجة عن انفعالات غير مدروسة.
الملتقى الخامس
وأكد معالي الشيخ ابن بيه أن المنتدى استطاع من خلال الملتقيات السابقة أن يقدم معالجة أصيلة وعلاجاً ناجعاً، وأن يثري الساحة برؤية جديدة ورواية تجديدية في إطار الأوضاع الاستثنائية المتأزمة التي شهدها العالم الإسلامي. ذلك لأنّ المنتدى لم يزل منذ محطته التأسيسية يضع نصب عينيه الأفق الإنساني الأرحب، من خلال الوَعْي العميق بدرجة التشابك بين مصائر الشعوب وأوضاعها في سياق العولمة المعاصرة. متوقفاً عند حلف الفضول الذي انعقد قبل الإسلام من أجل التضامن والتعاون على تفعيل قيم الخير والمعروف ونصرة الضعيف وإغاثة الملهوف، معتبراً أنّ رمزيته وخصوصيته إنما أتتا من كونه لم يؤسس على المشترك الديني أو الانتماء القبلي أو العرقي، وإنما تأسس على القيم والفضيلة.
وأكد معالي الشيخ ابن بيه أن اختيار موضوع الملتقى الخامس “حلف الفضول: فرصة للسلم العالمي” يأتي للدعوة إلى تفعيل إعلان واشنطن من خلال تعميق الحفر المعرفي في شروط إمكان قيام حلف فضول جديد بين الأديان، ومدى راهنية التعاون الديني في سياق الواقع المعاصر المحكوم بمنطق مغاير، والمحتكم إلى المواثيق الدولية الجديدة. كما يتوخّى الملتقى الكشف عن ميادين عمل هذا الحلف والصيغ المؤسسية لتفعيله؛ إذ لا يمكن أن نغفل الأسئلة المفاتيح التي بها يتم الإحكام المنهجي لهذه المبادرات، فهل ما تحقق من ثمرات لإعلانَيْ مراكش وواشنطن بآفاقهما الإنسانية الفسيحة وأبعادهما الدولية وانبنائهما على الشراكة في القيم، يُسوّغ الدعوة إلى حلف فضول جديد؟ هل تعبّر دعوتنا هذه عن حاجة إنسانية حقيقية؟ ثم ما طبيعة هذا الحلف؟ وما الدور الذي سيناط به؟ وما هي مجالات اشتغاله وطرائق عمله؟ وما هي آلياته وصيغه العملية؟ تلك هي الأسئلة المقترحة في الملتقى الخامس للخروج بأجوبة علمية ومقترحات عملية.
الوعي بالمأزق
ثم تناول الشيخ المجدد العلامة ابن بيه المحور الأول، ملاحظاً أن الحاجة إلى حلف فضول جديد تتجلى من خلال مقدمتين، أولاهما: الوعي بالمأزق، وثانيهما: القناعة بوجود قيم إنسانية مشتركة. ورأى أن الدعوة إلى حلف فضول جديد تنبني على الوعي المشترك لدى العقلاء بالمأزق الذي تعيشه البشرية، حيث بدأت أصوات كثيرة تتعالى بدق نواقيس الخطر، منبهة إلى عجز النموذج الحضاري المعاصر الذي انخرطت فيه الإنسانية جمعاء عن تلبية آمالها في الازدهار والاستقرار.
وأشار معاليه إلى بعض أبرز مظاهر المأزق التي يشترك الجميع اليوم في الشعور بها، منها: العولمة والواقع المعقد بين إلغاء الخصوصيات الدينية والعرقية وبين التشبُّث بالهويات الضيقة. التطور التكنولوجي والقدرة على تدمير الإنسانية ذاتها. انفلات أسلحة الدمار الشامل عن سلطة الدول المسؤولة ورقابتها. الانفصام الحادّ الحاصل في منظومة الإنتاج والتوزيع بين فلسفة الاقتصاد وروح الأخلاق. الإرهاب ونجاعة أساليبه وقوة استقطابه. ما يعني أننا أننا أمام فشل حضاري، يحطُّ من قيمة الإنسان، فما جدوى أن يغزو الإنسان الفضاء ويبلغ أقصى الكواكب، بينما يظلُّ عاجزاً عن التفاهم مع أخيه ونظيره ومثيله في الأرض.
ودعا معاليه رجال الدين إلى التعاون؛ لنزع اللبوس الأخلاقي الذي يستقوي به الخطاب التحريضي، وسلبه الشرعية الدينية التي تلبّس بها، وإظهار الدين على حقيقته، قوةً صانعةً للسلام والمحبة، وعامل جذب بين المختلفين، وذلك من خلال إبراز الإمكانات الكبيرة للعمل المشترك بين الأديان.
الإيمان بالمشتركات
وأكد معالي الشيخ ابن بيه أنّ الدعوة إلى حلف فضول جديد تنبثق من الإيمان العميق والقناعة الراسخة؛ بأن لدى الإنسانية مشتركات كثيرة على مستويات مختلفة، منها المشتركات على مستوى الدين الواحد ومنها مشتركات أخرى على مستوى ديانات العائلة الإبراهيمية، ومشتركات عليا يجتمع فيها جميع البشر، تتجسد في القيم الإنسانية التي تجمع عليها البشرية؛ بدياناتها المختلفة وفلسفاتها الكونية المتنوعة.
وتابع: في الإسلام ليس الآخر هو اللاوجود أو المعدوم كما لدى أرسطو، إذ هو المقابل الفلسفي للموجود être / autre، كما أنه ليس -كما لدى هيغل- النقيض الذي ينبغي الهيمنة عليه لتستكمل “الذات” وعيها بنفسها في صراع حتمي لإثبات الذات، ولا هو – كما لدى سارتر – الجحيم الذي يسلب الذات حريتها وكمالها الأصليَّين. إن الآخر في رؤية الإسلام قد أجمل التعبير عنه الإمام عليٌّ رضي الله عنه بقوله: “الناس صنفان: أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق”، فالآخر هو الأخُ الذي يشترك معك في المعتقد أو يجتمع معك في الإنسانية، لافتاً إلى أن هذا يتجلى بسُمُوٍّ في تقديم الإسلام الكرامة الإنسانية؛ بوصفها أول مشترك إنساني، وهي سابقة في التصوّر والوجود على الكرامة الإيمانية.
وأضاف أن أكثر الفلاسفة تحت قيادة “كانت” رئيس المذهب المطلق يذهبون إلى أن الحق والخير والجمال، هي قيم أزلية، لا علاقة لها بالزمان ولا بالمكان. معتبراً أن هذا المذهب المطلق، يتفق مع الديانات السماوية وتقدمه أوعية اللغة ومفاهيمها، فالعدل في كل لغة وفي كل مكان كلمة جميلة، وعندما ننطق كلمة الوفاء فإنها كلمة جميلة. ولكن عندما ننطق بالظلم وبالغدر، فنجدها في كل اللغات والثقافات كلمات ممقوتة.
وشدد معالي الشيخ ابن بيه على وجوب إعادة القيم المشتركة في حياة الناس؛ لأن قيم السلم ثابتة لا تتغير، ويزكيها العقل وتقتضيها المصالح الإنسانية، ولا يمكن وصم هذا المستوى المشترك من القيم بالقصور أو العجز، أو ما أسماهُ بول ريكور “الأخلاق الفقيرة”، بل إنها تصلح أساساً متيناً للعمل المشترك، مهما اختلفت المنطلقات اللاهوتية الدينية أو الفلسفية التي يتأسس عليها موقف كل طرف.
أهداف الحلف
في المحور الثاني استعرض معالي الشيخ المجدد أهداف حلف الفضول الجديد. ورأى أن السلم يقع في مقدمة الأهداف لما يمثّله من غاية في ذاته، ووسيلةً للوصول إلى الأهداف الأخرى، التي بتوفُّرها نضمن استمرار السلم وديمومته. مؤكدا أن من أهداف حلف الفضول الجديد، صناعة جبهة من رجال الدين، تدعو للسلام وترفض استغلال الدين في النزاعات والحروب، وتعمل على إعادة التوازن في نطاق كل ديانة؛ لبناء الجسور بينها على أسس صلبة ودعائم قوية، قابلة للاستمرار والاستقرار.
أما الهدف الآخر فهو تزكية العقود المجتمعية، وتأصيل المواطنة الإيجابية القائمة على مبادئ المساواة والحرية والاحترام المتبادل انطلاقاً من صحيفة المدينة المنورة؛ من حيث الاعتراف بالتعددية وإقرار الحرية الدينية.
ومن ضمن أهداف الحلف، احترام جميع المقدسات والتصدّي لاضطهاد الأقليات باسم الدين، إضافة إلى تزكية المعاهدات الدولية الرامية إلى إحلال السلام وتعزيزه ووقف الصراعات ودعم روح الوئام والإخاء بين البلدان والشعوب والثقافات. وإحياء القيم وإرساء الفضيلة وتعريفها والدعوة إليها وتحسس الخلل الحائق بالحضارة ومحاولة رأب صدعه؛ بتفعيل قيم الأخلاق الكريمة.
خارطة طريق
وفي الختام دعا معالي الشيخ عبدالله ابن بيه إلى وضع خارطة طريق؛ لتحقيق بعض هذه الأهداف. معتبراً أن ذلك يمثل أفضل رد على المتطرفين من كل الاتجاهات، وخير برهان على أنّ الأخلاق الدينية قادرة من جديد على أن ترشد العالم إلى سبيل الخلاص من مشكلاته العضالية. مؤكداً أنّ نموذج قوافل السلام يمكن أن يؤسس لنوع جديد من الحوار التعارفي. وينبغي لحلف الفضول الجديد أن يرسخ هذا النموذج؛ ليصبح آلية للتعاون والتعايش أكثر عملية ونجاعة، وتقليداً ينبغي العمل على تعميمه والاستفادة منه من أجل تدشين عهد جديد في العلاقات بين ديانات العائلة الإبراهيمية. مؤكداً أن حلف الفضول الجديد، يريد أن يبرهن عملياً على أن الدين يمكن ويجب أن يكون قوة بناء ونماء ووئام وإطفاء للحريق، يبني ولا يهدم، يجمع ولا يفرّق، يعمّر ولا يدمّر.
واختتم بمثل ما بدأ من دعوة للمحبة والوئام، فقال: لا نحمل سلاحا بل نحمل سلاما وكلاما، نحن إطفائيون بالحكمة والكلمة الطيبة. وإن الحرب وبخاصة في هذا الزمان لا غالب فيها؛ بل الكل مغلوب.
الجلسات العامة
تناولت الجلسة الأولى موضوع “الدين والتضامن الكوني”؛ برئاسة القس ستيف يزنر راعي كنيسة هيوستن، وتحدث فيها الحاخام البرفسور ديفيد روزن عضو مجلس أمناء الملك عبدالله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة – المملكة المتحة.
وتحدثت في الجلسة رجاء مكاوي سفيرة المغرب لدى الفاتيكان، فتناولت موضوع “المسلمون والمعاهدات الدولية وعقود المواثيق والمواطنة”، في إطار البحث بجانب تدبير عقود المواطنة في الدولة الإسلامية. ورأت أن لامستقبل لنا في بناء الفرد والأمة إلا في حالة السلم المجتمعي، ول ابناء من دون سلم. ذلك لأن السلم الداخلي هو اللبنة الأولى في البناء والتنمية والازدهار.
وطالبت السيدة مكاوي باستحداث أطر أو مؤسسات فكرية ناظمة للمثقفين المبدعين، بحيث تساعد بالحد من الانقسامات والتشتت الفكري. وتساءلت كيف يمكن أن تتفاعل هذه الأطر أو كيف يعمل جهاز المثقفين لتنفيذ مهامه. ورأت أن ذلك يمكن إجمال بثلاث نقاط:
1- تصحيح المفاهيم المنتشرة في الفكر العربي المعاصر
2- ترتيب سلم الهويات: أصلية جامعة وفرعية تحت مظلتها
3- كيفية نجاح عقود المواطنة ولم الشمل للمفكرين والأفكار الصحيحة
وأضافت مكاوي أن هناك من يخلط في تعريف المواطنة والانتماء .. مثال أنا مغربي يعني ممكن أن اكون مسلم أو يهودي أو مسيحي…. وبتوضيح هذا المعنى وتصحيح الخلط ننور أفكار المجتمع والأفراد وبالأخص جهاز المثقفين .. والمفكرين.
وتابعت: وكمثقفين وحكماء ومفكرين علينا القيام بدور التنويرالفكري لبناء الفكر العربي السليم والصحيح وإعادة بناء هذه الأمة. ثم ذكرت سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة القائمة على ثيمة إنسانية لا تفرق بين معتقد وأخر أو بين إثنية وأخرى: المسلمون واليهود في المدينة أمة والمسلمون والنصارى في المدينة أمة، والمسلمون واليهود والمسيحيون في مجتمع المدينة أمة. وكل هذه المكونات هي أساس المجتمع المدني. وهنا يبرز دورالمثقفين في تنوير وتحرير المجتمع من نمطيات ذهنية عقيمة. معتبرة أن وثيقة المدينة هي أول دستور بشري مكتوب في تاريخ الإنسانية، ولاغرابة في أن يجد هذا القبو والاستحسان على مستوى العالم؛ حالما أخرجه معالي الشيخ عبدالله بن بيه جزاه الله كل خير.
أما الدكتور علي النعيمي، رئيس دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي، فتناول موضوع “المسلمون والمواطنة”، وقال: علينا أن نقر ونعترف بأن لدينا مشكلة، ثم بعد ذلك نبحث عن الحل. وقدم عرضا لمفهوم الدولة، ملاحظاً أن هناك من يخلط بين الدولة الوطنية الحديثة، وبين مفهوم دولة الخلافة، التي كانت تنتمي لعصرها وزمنها. ملاحظاً أن الدولة الوطنية حقيقة واقعية. أما دولة الخلافة فشيء آخر.. مضى وانتهى.
وطلب النعيمي بتحديد الهوية التي ننتمي إليها. ورأي أنه يتعين علينا كمفكرين ورواد أفكار وقادة في المجتمع ان نناقش ونطرح قضايانا بالمؤتمرات فيما بيننا، ثم ننقلها إلى الكنائس والمساجد والمعابد، كي تكون مشروعا فاعلا في حياتنا؛ لأن العامة قد لا يدركون مرمى الأفكار الكبيرة على وجه الدقة .
وتحدث الدكتور مصطفى قطب سانو غينيا عن موضوععنوان الورقة “المسلمون والمواطنة”، مستهلاً بقوله تعالى “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عنك أتقاكم”. وركز على مفردتي شعوبا وقبائل والعلاقة بين أبناء البشرية والدول، وخلص من ذلك إلى حسن المواطنة وقوة الانتمناء والولاء للدولة والوطن والهوية الأصلية والفرعية. وعرض وثيقة المدينة ودستورها النبوي الشريف وكيف بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة المواطنة في المدينة المنورة بين كل أطيافها ومكوناتها المجتمعية . ثم استشهد بالثورة الفرنسية، وبين كيف على الدولة أن تلتزم بالحماية والرعاية، وعلى الفرد ان يلتزم بالولاء والإنتماء والوطنية. وليس للإنسان أن يكون لديه ولاءات متعددة، حسب تعددج انتماءاته، كما يجب الوفاء بالولاء في العقود بيت الدولة والفرد والمجتمع .
وعرف الولاء بالمحبة والإخلاص والوفاء لكل القيم السامية. كما تحدث كلا من سيادة المطران جون كاردينال أونايكان رئيس أرشية أبوجا – نيجيريا، والأخت جوان سارا بونغ رئيسة تحالف الكنائس الأندونيسية، والسيدة خولة حسن أستاذة في مؤسسة إمام أون لاين – المملكة المتحدة.
أما الجلسة الثانية فناقشت الجلسة موضوع “على دروب السلام – من إعلان مراكش إلى إعلان واشنطن”، وأدارها الحاخام بروست لاستينغ الحاخام الأكبب في المعبد العبري بواشنطن. وتحدث فيها كل من: القس روبيرتس مؤسس وكبير قسيسي كنيسة نرثوود – الولايات المتحدة. وسعادة ديفيد سابيرستين المدير الشرفي لمركز العمل الديني لإصلاح اليهودية – الولايات المتحدة. والدكتور محمد السنوسي عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، مدير شبكة رجال وصناع السلام التقليديين – فنلندا.