ناصر کنعانی
رئيس مكتب رعاية المصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالقاهرة
تابعت أخبار إقامة حفل افتتاح فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأربعين في الصحف المصرية. وأتمنى أن يكون النجاح حليفًا لهذا المهرجان وللقائمين عليه. كما قرأت تصريحات السيد محمد حفظي؛ رئيس المهرجان في مقابلة خاصة له مع صحيفة ” المصري اليوم” بخصوص أسباب عدم مشاركة الأفلام الإيرانية في المهرجان، وبالطبع هذه هي الدورة الرابعة التي لم تشارك فيها الأفلام الإيرانية وكذلك كبار المخرجين الإيرانيين.
أدركت من تلميحات رئيس المهرجان أن الظروف السياسية الراهنة بين إيران ومصر كانت أحد الأسباب الحقيقية التي منعت مشاركة الأفلام الإيرانية في المهرجان خلال السنوات الأخيرة، وكإيراني محب لمصر وحضارتها وتاريخها وثقافتها وفنها وشعبها العظيم أقول بأن الظروف السياسية الحالية التي تهيمن على العلاقات الإيرانية المصرية لا تعكس طبيعة العلاقات بين البلدين والجذور الكامنة والممتدة في حضارة وتاريخ وثقافة كلا الشعبين “العظيمين والمختارين” منذ قرون بل آلاف السنوات. ربما ينظر البعض إلى هذا الوصف نظرة عنصرية ولكن هذه الحقيقة غير قابلة للإنكار وهي أن كلا الشعبين كان لهما دورًا لا بديل عنه في التاريخ والحضارة والتمدن والثقافة والعلم في العالم حيث أننا لو أردنا إخفاء هذا الدور من التاريخ لن يبقي سوي الشئ القليل من الحضارة الإنسانية.
بالإضافة إلى أن الإيرانيين والمصريين كانوا المصداق الأبرز في الساحة الدينية والتدين والحكمة والاعتدال والوسطية حيث كانت هذه الميزة سببًا في وضع علماء كلا البلدين أساس الفكر التقريبي وتأسيس مجمع التقارب بين المذاهب الإسلامية في العالم الإسلامي منذ أكثر من نصف قرن. فهل من الممكن أن تكون العلاقات السياسية بين الدولتين أو اختلاف وجهات النظر بينهما في بعض القضايا السياسية في المنطقة – حيث أن وجود مثل هذه الاختلافات في علاقات بعض الدول أمر طبيعي- سببًا في تهميش العلاقة الإنسانية والحضارية بين الشعبين أو تجاهل دورهما الهام في الحياة البشرية!.
كمواطن إيراني ودبلوماسي ووفق إدراكي ومعرفتي بالمنطقة والعالم الإسلامي أؤمن بأن التعاون والتقارب بين إيران ومصر من الممكن أن یرسم صورة جديدة في الساحة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والفنية في المنطقة وكذلك تجديد واستكمال دور الشعبين في خدمة التاريخ البشري. ولن يتم هذا التقارب إلا بالتعاون بين النخب وإيفاء الدور التقدمي على الساسة كما كان في الأدوار التاريخية السابقة وكذلك بتبادل الأفكار والرؤى العلمية والفنية والثقافية والدينية وإقامة جسور تواصل بين الشعبين. حيث أن الفن عامة والسينما والأفلام خاصة يعد أحد هذه الجسور التي من الممكن أن تقام سريعًا إذا وضع الفنانون نصب أعينهم القيم الإنسانية التي لا تعترف بالحدود ولا تنتمي لجغرافيا ولا تقبل التأثر بالسياسة المتغيرة.
إن الفن والسينما في مصر لهما تاريخ طويل وباع عظيم كما كان لهما دور أيضا في توفير كثير من احتياجات الفن في العالم العربي والإسلامي. حيث أن أشهر الفنانون المصريون نجومًا لامعةً في مجال السينما وصناعة الأفلام ، وقد تطورت السينما والفن كثيرًا في إيران أيضًا خاصة بعد الثورة الإسلامية وأصبحت مثالاً يحتذى به، وبعد استخدام المخرجون الإيرانيون الفن والتكنولوجيا الحديثة والموضوعات المعنوية والإنسانية أصبح للفيلم الإيراني متابعون من خارج إيران سواء كانوا من صناع السينما أو غيرهم كما استطاع منافسة كبار شركات السينما العالمية وحصد الجوائز الدولية الأولى. يعد مهرجان “فجر” السينمائي الدولي –الذي يقام كل عام في إيران- مثالاً رائعاً وملتقى لمشاركة ومنافسة الأفلام العالمية وخاصة تلك الأفلام التى تناقش القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية. فهل من الأجدر أن ننتظر حتى تتحسن الظروف والعلاقات السياسية حتى نرى مشاركة للأفلام الإيرانية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أو مشاركة الأفلام المصرية في مهرجان ” فجر” السينمائي الدولي في إيران؟.
أتمني أن يكون لرواد السينما دور متقدم في إعادة التعاون الثنائي بين البلدين في كافة المجالات وأن يعرضوا خدماتهم المشتركة لتقدم البشرية والقيم الإنسانية كما كان سابقًا. ولهذا فإنني آمل أن تشارك الأفلام الإيرانية والمصرية في المهرجانات السينمائية الدولية لكلا البلدين العام القادم. لكي يستفيدوا من خبراتهم الرائعة والفريدة في هذا المجال.
مرة أخرى، أتمنى النجاح والتوفيق لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ولكل القائمين على تنظيمه.