“شينجيانغ الصينية”..نموذجا لمحاربة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان
احمد سلام
الخبير في الشأن الصيني
بات الإرهاب طاعونا متفشيا لم يعد أحد بمنأى عنه ؛ فإذا كانت منطقة الشرق الأوسط هي الساحة الرئيسية للأعمال الإرهابية فقد طالت هذه الأعمال رعايا دول تبعد عنها آلاف الأميال ، وتولي مصر مكافحة الإرهاب أولوية بالغة، وأبلغ دليل على ذلك أن الرئيس عبد الفتاح السيسي ذكر في كلمته أمام الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر الماضي، “مكافحة الإرهاب” سبع مرات.
وقد شهدت الأيام الأخيرة تطورات ملحوظة في مكافحة الإرهاب، فالعملية الشاملة “سيناء 2018” تتواصل لاقتلاع جذور الإرهاب الأسود من كافة ربوع مصر، وجاء البيان الثامن والعشرون للعملية مؤكدا عزم مصر وقوات جيشها وشرطتها وكافة أجهزة الدولة المصرية علي ملاحقة ودحر العناصر الإرهابية في كل مكان على تراب الوطن ، وفي ذات الوقت ألقت قوات الجيش الليبي على مجموعة إرهابية شديدة الخطورة في مدينة درنة من أبرز عناصرها الإرهابي المصري هشام عشماوي ، وقبل ذلك تمت محاصرة داعش في سوريا والعراق ، وهناك في أقصى شرق العالم اتخذت الحكومة الصينية العديد من الإجراءات لمواجهة الإرهاب على أراضيها و موقف الصين الذي أكدته غير مرة هو إدانة ورفض الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، وفي ذات الوقت رفض الربط بين الإرهاب وبلد أو دين أو عرق ، وقد جاء في الورقة التي قدمتها الصين إلى الدورة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2012: “الأرض الخصبة للإرهاب لم تتم إزالتها نهائيا بعد، والتهديدات الإرهابية للمجتمع الدولي أبعد ما تكون عن الزوال، والوضع الدولي لمكافحة الإرهاب لا يزال خطيرا جدا” ترى الصين أنه يتعين على المجتمع الدولي التعاون في مكافحة الإرهاب وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وغيرها من القواعد المعترف بها عالمياً التي تحكم العلاقات الدولية ، كما يتعين على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي القيام بدور قيادي وتنسيقي في الحملة الدولية ضد الإرهاب ، وينبغي اعتماد نهج شامل يعالج ظواهر الإرهاب وأسبابه الجذرية في آن واحد لإزالة الأرض الخصبة للإرهاب من خلال استخدام مختلف الوسائل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، وتعارض الصين ربط الإرهاب بأي بلد أو عرق أو دين أو حضارة بعينها، كما تعارض أيضا ممارسة المعايير المزدوجة ، وتعتبر الصين ضحية أيضا للإرهاب ظلت قوى “تركستان الشرقية” الإرهابية وفي مقدمتها “حركة تركستان الشرقية الإسلامية” تدبر وتحرض على الأعمال الإرهابية ضد حكومة الصين وشعبها منذ فترة طويلة لذا فإن مكافحة قوى “تركستان الشرقية” الإرهابية هي جزء هام من الجهود الدولية ضد الإرهاب ، وستواصل الصين دورها الإيجابي في التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب والعمل مع كافة الدول لمكافحة قوى “تركستان الشرقية” وغيرها من القوى الإرهابية الدولية.
يشار هنا إلى أنه في الثامن من ديسمبر 2015 بث “مركز الحياة” – ذراع تنظيم داعش الإعلامي عبر الإنترنت – شريطا يحمل نشيدا بعنوان “أنا المجاهد” يدعو الصينيين المسلمين للانضمام إلى صفوف “داعش”.
في الثاني عشر من فبراير 2015 رحبت الصين بتبني مجلس الأمن الدولي بالإجماع للقرار رقم 2199 الذي يهدف إلى قطع التمويل عن الإرهاب ، وقال مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة ليو جيه يي إن هذا القرار له أهمية كبيرة لتنسيق مكافحة المجتمع الدولي للإرهاب ودعم جهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها الدول المعنية ، وأكد مجددا أن بلاده تعارض جميع أشكال الإرهاب والمعايير المزدوجة في مكافحته، وتعارض ربط الإرهاب بدين أو عرق بعينه ، الأكثر أهمية أنه ناشد المجتمع الدولي أن يولي اهتماما أكبر باستخدام التنظيمات الإرهابية لشبكة الإنترنت قائلا: “يتعين على المجتمع الدولي تعزيز التعاون وتنفيذ السياسات بأسلوب متكامل وقطع جميع القنوات التي تستخدم التنظيمات الإرهابية الانترنت لتبث من خلالها لبث أشرطة فيديو إرهابية، نشر إيديولوجيات متطرفة ، تجنيد أفراد ، تعبئة أموال، فضلا عن التحريض على أنشطة إرهابية والتخطيط لها وتنفيذها.”
ويؤكد الباحثون والخبراء الصينيون على ضرورة تعزيز التعاون الصيني- العربي في مكافحة الإرهاب، فقد قال السفير وو سي كه المبعوث الخاص الصيني السابق إلى الشرق الأوسط في حوار مع “شينخوا” في السابع عشر من فبراير 2015: “مفهومنا بشأن مكافحة الإرهاب والمتمثل في نبذ الإزدواجية ومناهضة الإرهاب وعدم ربطه بدين أو عرق يلقى توافقا واسعا في العالم العربي.” واقترح وو يي هونغ، الباحث بمركز الدراسات الدولية التابع في حديث ل”شينخوا” أن توحد الصين والدول العربية المعايير لتحديد ماهية الإرهاب لمواجهة الإرهابيين الذين يهددون المهمة المشتركة المتمثلة في تحقيق التنمية الاقتصادية وبناء مجتمع رغيد العيش، وذلك هو السبيل الجذري للقضاء على الإرهاب ، وأوضح البروفيسور وو بينغ بينغ رئيس مؤسسة أبحاث الحضارة الإسلامية بجامعة بكين أن مكافحة الإرهاب تشكل إحدى نواحي التعاون الأمني الصيني- العربي في العصر الجديد، قائلا إن الصين تمتلك من الخبرات الناجحة في حكم وإدارة البلاد ما مكنها من أن تخطو خطوات ثابتة على طريق التنمية، وهو ما يمكن أن تستفيد منه البلدان العربية بعدما تكشف فشل الغرب من خلال السيناريوهات التي حدثت في أفغانستان والعراق وغيرهما ، كما أن الدول العربية لديها خبرات وافرة في مكافحة الإرهاب يمكن للصين الاستفادة منها، ويجب على الجانبين تعزيز التبادل في تشاطر المعلومات ذات الصلة بهذه القضية.
في الحديث عن الإرهاب في الصين قد يكون من المفيد إلقاء الضوء على حركة تركستان الشرقية الإسلامية التي تصنفها الأمم المتحدة كمنظمة إرهابية ، وحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة فإن اسم حركة تركستان الشرقية الإسلامية أُدرج في القائمة الموحدة للمنظمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2002 ككيان مرتبط بتنظيم القاعدة أو أسامة بن لادن أو بحركة الطالبان بسبب “المشاركة في تمويل أعمال أو أنشطة يقوم بها تنظيم القاعدة أو التخطيط لهذه الأعمال أو الأنشطة أو تيسير القيام بها أو الإعداد لها أو ارتكابها، أو المشاركة في ذلك معه أو باسمه أو بالنيابة عنه أو دعماً له أو تقديم أي أشكال أخرى من الدعم للأعمال أو الأنشطة التي يقوم بها” وحسب موقع الأمم المتحدة فإن هذه الحركة تستخدم العنف لبلوغ هدف إقامة ما يُعرف باسم “تركستان الشرقية” المستقلة في الصين وهي تقيم منذ إنشائها علاقات وشيجة بحركة الطالبان وتنظيم القاعدة وحركة أوزبكستان الإسلامية مؤسسها هو حسن معصوم المنحدر من منطقة شينجيانغ في الصين والذي قُتِل على أيدي جنود باكستانيين في أكتوبر 2003 ، ويقود الحركة حالياً عبد الحق الذي كان أيضا عضواً في مجلس شورى تنظيم القاعدة حتى عام 2005، ومنذ يناير 2007 عادت الحركة مجدداً لممارسة أنشطتها تحت حماية حركة الطالبان وتنظيم القاعدة وبدعم منهما ، وزاد عدد أعضائها ليبلغ حوالي مائتي عضو نتيجة تجنيد بعض الأشخاص من غير الصينيين في صفوف المنظمة. ويجري تعزيز هيكلها التنظيمي وتوسيع نطاقها، وأصبحت إدارتها الداخلية أكثر تعقيدا، وتُطوِّر المجموعة أسلحتها ومعداتها وقدراتها التنفيذية ، وتنشط الحركة حالياً في جنوبي ووسط آسيا وفي منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم في الصين ، وخلال السنوات الأخيرة أقامت الحركة قواعد خارج الصين لتدريب الإرهابيين وأرسلت أعضاءها إلى الصين للتخطيط لأعمال إرهابية ولتنفيذها، ومن بين هذه الأعمال تفجير الحافلات ودور السينما والمحلات التجارية الكبرى والأسواق والفنادق ، كما قامت الحركة بعمليات اغتيال وإشعال حرائق ونفذت هجمات إرهابية ضد أهداف صينية في الخارج ، ومن بين أعمال العنف التي قام بها أعضاء الحركة تفجير مخزن في محطة قطارات في مدينة أورومتشي في مايو 1998، وتنفيذ تفجير في مدينة خوتان في شينجيانغ في مارس 1999 ، وفي عام 2007 أوفدت الحركة أعضاءها البارزين إلى الصين لإقامة معسكرات تدريب للإرهابيين ولتنظيم أنشطة تدريبية على الإرهاب ، وفي يناير 2008 أمر عبد الحق القائد العسكري للحركة بتنفيذ هجمات في مدن في الصين وبخاصة المدن الثماني التي استضافت الألعاب الأولمبية لعام 2008 وبتوجيه من عبد الحق خطط إرهابيون مدرَّبون لتخريب الألعاب الأوليمبية عبر القيام بهجمات إرهابية في الصين قبيل موعد بدء دورة بكين للألعاب الأوليمبية ، ومنذ عام 2008 نشرت الحركة عدة أشرطة فيديو إرهابية عن التدريبات العسكرية التي كانت تستهدف الألعاب الأوليمبية في بكين وأحداثا أخرى في الصين ، وفي يوليو وأغسطس 2009 نشرت الحركة أربعة أشرطة فيديو تعرض أنشطتها التدريبية وتتضمن خطابات ألقاها عبد الحق وقادة آخرون في الحركة يحثون فيها أبناء قومية الويغور على القيام بأعمال عنف ضد الصين. وتربط الحركة علاقة مالية وثيقة بتنظيم القاعدة وكانت أبرز مصادر تمويل أنشطتها من أسامة بن لادن ومن تنظيم القاعدة ومن عائدات جرائم منظمة مثل الاتجار بالمخدرات وتهريب الأسلحة والاختطاف والابتزاز والنهب.
الإرهاب الذي تشهده الصين لا يختلف كثيرا عن الأعمال الإرهابية التي تشهدها العديد من الدول العربية، فالدوافع والذرائع تقريبا واحدة وشبكة الارتباطات الدولية متشابهة، والأهداف واحدة والنتائج المأساوية يدفع ثمنها الأبرياء في الغالب ليس خافيا أن هناك قوى خارجية تحتضن وتدعم الجماعات الإرهابية لتنفيذ مآربها في أنحاء شتى من العالم، مع تغذية تلك الجماعات بالأفكار المتطرفة والمال والسلاح والخطط ، المؤسف حقا هو توظيف العقائد الدينية لخدمة هذه الأعمال التي تتنافى مع أي عقيدة دينية بل ومع أبسط القواعد الإنسانية.
وقد اتخذت الحكومة الصينية سلسلة من الإجراءات لاقتلاع الإرهاب من جذوره في منطقة شينجيانغ ليس فقط من خلال الضربات الأمنية وإنما الأهم من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
في الرابع عشر من إبريل 2018 قال وانغ يانغ رئيس المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني إنه تم كبح تسلل التطرف الديني بشكل ملحوظ حيث تبدو منطقة شينجيانغ بشمال غربي الصين مستقرة وأكثر أمانا ، وقال أيضا إنه مع التحسن الملحوظ في القانون والنظام أصبح لدى الكوادر والمواطنين من جميع القوميات في شينجيانغ إحساس أقوى بالأمن ، وأضاف أن الاقتصاد في شينجيانغ ينمو بشكل مضطرد وصحي حيث تتحسن الحياة المعيشية للشعب بشكل مستمر، وازداد التبادل والاندماج بين المجموعات القومية المختلفة ، وأضاف: “إن هذا يضع أساسا قويا لمعالجة قضية تؤثر على الحفاظ على استقرار طويل الأجل من الجذور”، وطلب وانغ من المسؤولين المحليين الاستمرار في فرض ضغط شديد على القوى الثلاث الانفصاليين والإرهابيين والمتطرفين، ودعم الأيديولوجية الصحيحة عن طريق معارضة الأفكار الخاطئة ومحاربة الفقر في جنوبي شينجيانغ من أجل القضاء على التطرف، وقد بدأ في إبريل 2018 سريان لائحة مكافحة التطرف بمنطقة شينجيانغ والتي تسعى لوضع حد للتطرف الديني ومكافحة الارهاب من أجل تحقيق الاستقرار الاجتماعي والأمنى الطويل الأمد ، تحظر اللائحة خمسة عشر مظهرا للتطرف منها الدعوى إلى أفكار التطرف ونشرها ومراعاة الحدود بين الأنشطة الدينية المشروعة والأنشطة الدينية غير المشروعة أو النشاطات المتطرفة.
سلسلة الإجراءات التي اتخذتها الصين لاقتلاع الإرهاب من جذوره في منطقة شينجيانغ لا تقتصر على الضربات الأمنية وإنما الأهم القضاء عليه من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مكافحة الإرهاب مهمة عالمية مشتركة، وهذا ما تؤكد عليه مصر والصين دائما.