سلايدرسياسة

عُمان والصين.. إسهامات سياسية وإقتصادية مشتركة للحضارة الإنسانية

استمع
أرشيف..

مهند أبو عريف

تستمد العلاقات العُمانية ـ الصينية قوتها وديمومتها من عدة ركائز تاريخية وثقافية وفكرية وجغرافية مدعومة في الأساس بفكر القيادة السياسية الواعية المدركة لقوة المصالح العالمية، وتهدف إلى إرساء السلام العالمي والتعايش المشترك.

وقد تزايدت قوة العلاقات في مختلف المجالات نتيجة تنامي الانسجام  في السياسات والإجراءات التي تتبعها القيادة السياسية في البلدين، والرؤية الشاملة نحو تنويع المصادر الاقتصادية مع الدعوة لإحلال السلام والأمن في العالم، وهو الاتجاه الذي يحظى بقبول دولي كبير لتأثيره المباشر والفاعل في تحقيق المستوى الافضل من العيش الكريم للشعوب والبناء والتعمير نحو آفاق أرحب تلبي الآمال والطموحات وهو بلا شك يعارض سياسة  الحروب والتدمير ..

ولم يكن قرار كل من سلطنة عُمان والصين، إقامة علاقات استراتيجية  في الخامس والعشرين من مايو 2018، إلا محطة لتتويج ألفي عام من العلاقات مع شريك حضاري وثقافي، قبل أن يكون اقتصادي ومرحلة جديدة من التعاون بين بلدين طالما كانت لهما إسهامات ملموسة في مسيرة الحضارة الإنسانية.

ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في 25 مايو 1978، تعززت الثقة السياسية المتبادلة باستمرار وترسخت الصداقة التاريخية باطراد وأحرز التعاون في مجالات الطاقة والاقتصاد والتجارة والترابط والتواصل الشعبي، إنجازات مثمرة يستشرف آفاقا رحبة.

إذ يحرص البلدان على تعزيز التواصل الإنساني القائم على المحبة والسلام بين الشعوب، كما يعمل البلدان على نهج سياسي قائم على تعزيز المصالح المشتركة والحوار والتفاهم والاحترام المتبادل.

تاريخياً وحضارياً، تعود العلاقات العمانية – الصينية لما قبل الميلاد حسبما ورد في بعض المدونات الصينية التي ظهر فيها اسم عُمان، وبدأ التبادل التجاري من قبل التجار والبحارة العمانيين خلال القرن الثاني الهجري؛ حيث وصلت العلاقات التجارية القديمة بين عُمان والصين إلى أوج ازدهارها خلال القرن الثالث الهجري، وتتابعت الرحلات والبعثات البحرية بقيادة الملاحين العمانيين القدامى الذين كانوا روادا لطلائع المستكشفين العرب لبلاد الصين.

وقد حظيت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين عُمان والصين باهتمام كبير، وانعكس ذلك في حجم وكثافة التبادل التجاري، ففي عام 1976 لم تتجاوز قيمة الصادرات الصينية لسلطنة عمان 5.85 مليون دولار، قفزت عام 2013 الى 2.06 بليون دولار. وفي عام 1993 كانت قيمة الصادرات العمانية للصين 510 ملايين دولار، وصلت عام 1997 الى 1.42 بليون دولار، ثم قفزت عام 2004 الى 4.28 بليون دولار.

وفي 1983 صدرت سلطنة عمان للصين اول شحنة من نفطها، وأول شحنة غاز سائل عام 1997. وتصاعد الطلب النفطي الصيني، حتى أصبحت الصين منذ 2003 اكبر مستورد للنفط العماني.

وتشير الإحصاءات إلى أن الأنشطة الاقتصادية بين السلطنة والصين تشهد نموا مطرداً؛ إذ ارتفعت الاستثمارات الصينية في السلطنة لتقترب من الملياري دولار، وسجل التبادل التجاري 17.2 مليار دولار، وبلغ حجم الصادرات النفطية العُمانية إلى الصين 237 مليون برميل، وهو ما يمثل 77 في المئة من صادرات السلطنة من النفط.

لم تقف العلاقات العُمانية – الصينية عند الميزان التجاري وحسب، بل امتدت لتشمل نواحي اقتصادية أخرى؛ منها: مشاركة السلطنة في تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، علاوة على علاقات التعاون الاستثماري مع الصين في إنشاء مشروعات خارج الحدود، والإسهامات الدبلوماسية للسلطنة في التوصل لاتفاقية للتجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين.

ولم يكن تدشين الخط الجوي الجديد المباشر بين مسقط ومدينة جوانزو الصينية، سوى إضافة لبنة أخرى لمسيرة العلاقات المتميزة بين البلدين.

الدقم ومبادرة الحزام والطريق

ثم دخلت العلاقات الاقتصادية العمانية – الصينية مرحله جديدة في الثلث الثاني من العقد الجاري، وفي عام 2016 اطلقت عُمان خطتها الخمسية التاسعة، الخطة الاخيرة لرؤية عمان 2020، والتي استهدفت الدفع بسياسات التنويع الاقتصادي دفعات جذرية، وشرعت في اعداد استراتيجيتها التنموية الجديدة «عمان 2040»، وعلى رأس جدول أهدافها مواصلة التنويع الاقتصادي. وعلى الجانب الآخر اطلقت الصين عام 2013 مبادرة الحزام والطريق.

وتنظر الصين إلى سلطنة عُمان باعتبارها أحد أهم شركائها للاستثمار في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد توقيع الصين اتفاقية مع السلطنة لإنشاء منطقة صناعية في منطقة الدقم. ويقدر إجمالي الاستثمارات التي سيتم ضخها فيها 67 مليار يوان صيني (أكثر من عشرة مليارات دولار) في مجال البتروكيماويات ومواد البناء والتجارة الالكترونية وغيرها من المجالات التسعة الاخرى، وستضم المدينة الصناعية الصينية العمانية خمسة وثلاثين مشروعا تتوزع بين الصناعات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وغيرها من المشاريع واللوجستيات الاخرى.

وثمة آفاقاً رحبة تنتظر الاستثمارات في هذه المدينة الواعدة، بحلول عام 2020، مع اتجاه العديد من الشركات الصينية لضخ رؤوس الأموال فيها، خاصة أن الحكومة الصينية تحفز الشركات على الاستثمار في المنطقة بمختلف الصناعات والقطاعات.

ولعل أول خطوات التوسع الاقتصادي بين البلدين هو البدء ببناء “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البحري”، الذي تتميز فيه سلطنة عُمان بموقع استراتيجي مهم تتقاطع فيه الأسواق الآسيوية والأفريقية، وتُوّجت العلاقات بين السلطنة والصين بإعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، في مايو 2018.

إذ تمتلك سلطنة عُمان العديد من المقومات التي تجعل لها دورا واعدا في مشروع طريق الحرير الجديد خاصة في جانبه البري والمعروف بالحزام من خلال امتلاكها العديد من المقومات على مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية والجغرافية  ومن أهمها،  المناخ الاستثماري المستقر والآمن في عُمان، منها قانون الاستثمار الجديد الذي يقدم كافة التسهيلات المالية والضريبية للمشروعات الجديدة ويضمن حرية انتقال الأموال والأفراد، حيث تتبنى عمان نموذج الاقتصاد الحر ولها دور فاعل في منظمة التجارة العالمية وفي الاقتصاد الدولي الذي تحكمه العولمة وحرية تدفق التجارة.

كما أن موقع عُمان الفريد كنقطة وصل بين طرق التجارة العالمية خاصة بين قارات العالم الثلاث أوروبا وإفريقيا وآسيا، جعلها مركزا لوجستيا عالميا لحركة النقل والتجارة الدولية في ظل البنية التحتية الهائلة التي توجد في البلاد وعلى رأسها الموانئ الضخمة وشبكة الطرق التي تساعد في حركة التصدير والاستيراد.

وثمة فوائد اقتصادية عديدة تعود على سلطنة عُمان من انشاء هذا الطريق، يأتي في مقدمتها أنه يعمل علي تعزيز فكرة تنويع الاقتصاد العُماني والذي خطت فيه السلطنة خطوات كبيرة، لأن هذا الطريق سيدر دخلا إضافيا وإيرادات بطريق مباشر وغير مباشرة للسلطنة، من خلال تقديم خدمات لوجستية للسفن التي ستمر في الطريق البحري عبر سلطنة عمان وتستخدم الموانئ العمانية.

كما أن الطريق يعد فرصة جيدة لتنشيط حركة التجارة الداخلية والخارجية والاستيراد والتصدير مع الدول الأعضاء والعمل على تصدير المنتجات العمانية للعديد من الدول التي يمر من خلالها هذا الطريق والدول المجاورة مما يفتح نافذه تصديرية جديدة أمام السلطنة.

فضلاً عن أن مبادرة الحزام والطريق ستعمل على تأسيس شراكة إقليمية اقتصادية كاملة يكون للسلطنة فيها دور كبير والاستفادة من التكتل الضخم الذي سيولد جراء انشاء هذا الطريق مما يعمل على تعزيز نظام التجارة متعددة الأطراف في العالم ويساهم في تغيير المشهد الجيو- اقتصادي .

بيد أن الثمار المرجوة من آفاق التعاون الثنائي العُماني ـ الصيني أوسع كثيرا من مكتسبات العلاقات الثنائية، إذ تمثل هذه العلاقات مساراً جديداً يدعم العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية، مرحلة تتطلب شراكات استراتيجية، يكون فيها دفع التنمية والرخاء والاستقرار هدفاً عالمياً مشتركاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى