مهند أبو عريف
مع اتساع حدة المفارقات السياسية التي يشهدها العالم الآن، وترسيخ حالة الانقسام والازدواجية في المعايير الدولية، وهو ما انعكس سلبا على مسار السلام العالمي وضعف فرص إرادة صناعته، والتباينات بشأن بعض القضايا والملفات.تبدو الصورة في المشهد العماني أكثر اتزانا ووضوحا ومهنية ومعيارية، في ظل سياسة الاتزان والحكمة التي رسخها السلطان قابوس، المنبثقة من الهوية والثقافة العمانية الهادفة لبناء الإنسان وتوجيه إرادة التنمية إليه وإدارة متطلبات الدولة العمانية الحديثة.وانعكست نواتج هذه السياسة على مجريات وقضايا المنطقة والعالم، دعمها في ذلك منهج التسامح العماني والفكر المتزن والنظرة الإيجابية في التعاطي مع أحداث العالم والحكمة السياسية المعتمدة على الحوار وعدم التدخل في شؤون الغير وحل المشكلات بين الدول بالطرق السلمية وتأكيد مبدأ التعاون والتعايش البشري في ظل مجتمع التعددية.لقد شكلت السياسة الخارجية العُمانية؛ منطلقا لتحقيق التوازن في تحقيق متطلبات بناء الدولة ورعاية مصالحها وعلاقتها مع كل الدولة المحبة للسلام والتنمية، واستمرار تقوية علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية، في ظل منهجيتها القائمة على احترام الحقوق والواجبات والمسؤوليات الدولية، ونشر ثقافة السلام والتنمية المستدامة، وحماية الثقافات الوطنية والتراث الحضاري للشعوب من العبث به.وقد مارست سلطنة عُمان على مدى نصف قرن تقريباً سياسة التوازن في المشهد العالمي، وعملت على تأكيد الهوية العمانية القائمة على سياسة الانفتاح المتوازنة لثقافات الشعوب وقيمها الحضارية، وحكمة التعاطي مع الملفات الدولية وقضايا المنطقة، إذ حظيت مسيرة الإرادة العمانية في بناء حصون السلام والأمن والتفاهم، بترحيب العالم أجمع وتقديره للسياسات العُمانية، في حين تعيش بعض مواقف السياسة الدولية وسياسات بعض الدول حالة من التهور والاندفاع واستخدام لهجة التهديد ولغة العقوبات لفرض واقع جديد بالتأثير في استقرار البلدان والتدخل في سيادتها الوطنية.إن سياسة التوازن التي ميّزت المشهد العماني، ليست وليدة اللحظة أو الصدفة، بل هي ممارسة أصيلة وسلوك مستدام ومنهج رصين في بناء التنمية العُمانية، حيث شمولية التنمية في مختلف أرجاء عمان، وتعزيز دور المرأة في المجتمع كشريك للرجل في التنمية والتطوير، وحماية الطفولة وتمكين الشباب، وترسيخ الأمن الوطني وتعزيز النظام وبناء دولة المؤسسات والقانون، بما يؤسس للسلام الداخلي الوطني ويؤصل لمسارات التميّز في منهج التوازنات العمانية الداخلية. كما انعكست سياسة التوازنات على منظومة الشورى العمانية، وأوجدت الثنائية البرلمانية ( مجلس عمان) عبر تأسيس مجلس منتخب انتخابا مباشرا من قبل المواطنين وهو مجلس الشورى، ومجلسا آخر هو مجلس الدولة ويعين أعضائه السلطان قابوس وفق ضوابط وشروط مقننة بحيث لا يزيد عدد أعضائه عن أعضاء مجلس الشورى، والتكامل بين السلطات التشريعية والتنفيذية، وعززت الصلاحيات التشريعية والرقابية للمجلس من ارتباطه بالواقع التنموي الوطني.
إجمالي القول، فإن سياسة التوازن في المشهد العماني على المستوى الخارجي وعلى المستوى الداخلي، إنما هي تجسيد للثقافة العمانية في الثبات والمصداقية التي تقوم عليها في التعامل مع أحداث العالم وقضاياه، وبناء أرضيات السلام والتنمية والتعايش والتكامل وفق مبادئ الحق والعدل والمساوة والاحترام.