لمـاذا ودعتنـا يارسـول الله ؟! اشتقـت إليـــك!
بقلم – فضيلة الشيخ / أحمد تركي
كثيراً ماتمنيت وأنا أدرس سيرة رسول الله- صلي الله عليه وسلم- أن لو كنت واحداً من أصحابه ، أو حتي من خدمه ، فقد ملأ الحبيب كل مساحة شعوري ووعي إعجاباً بخلقه ورحمته وحكمته وعظمته وسماحته .
هذا الشعور الفائر بحب رسول الله يتعاظم كل يوم ، ويزداد بالتبعية شوقي للقياه يوم القيامة وأن أكون تحت لوائه بعدما حُرمت ذلك في الدنيا ، عساي أن أكون من هؤلاء الذين قال الله تعالي في شأنهم : ( يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). التحريم : ٨
إن شوق المحبين لرسول الله – صلي الله عليه وسلم – شعورٌ متبادل بينهم وبينه حتي بعد انتقاله الي الرفيق الأعلي وإن لم يروه أو يعاصروه ، (فقد روي الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – أتي المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددنا أنّا قد رأينا إخواننا ؟!! ، قالوا: أو لسنا إخوانك يارسول الله؟ ، قال: أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد) ،( وفي رواية أخري قال : من أشد أمتي لي حباً أناسٌ يكونون بعدي يودُّ أحدهم لو رآني بأهله وماله ).
هذا الشعور الفائر بالحب يدفعني إلي أن أتجرأ وأقول لسيدنا النبي !!
لماذا ودعتنا ؟! لقد خيرك ربك بين أن تبقي ، وبين أن تنتقل إلي الرفيق الأعلي ؟!! فاخترت الرفيق الأعلي ، العالم في حاجة إليك !! وأنا ياسيدي في حاجة إلي نظرة منك ! الي رحمتك !! إلي ان أكون بين يدك الحانية ولو لثانية واحدة !؟؟
قلبي يارسول الله أولي من الجذع الذي حنّ لفراقك وانتحب باكياً وما سكت حتي وضعت يدك الشريفة عليه!!
لو كنت بيننا ماتركت قلباً حزيناً أو جريحاً .
لو كنت بيننا ماتركت أمتك تتيه في الضلال والظلام ؟!!
لو كنت بيننا لحلّ السلام الأرض كلها!!.
عذراً يارسول علي جرأتي في مناجاتك ، وسأصبر بشوقي إليك حتي ألقاك ياحبيبي وسيدي.
وأرجع إليك عزيزي القارئ وأقول :
لقد ودع رسول الله – صلي الله عليه وسلم – أمته في حجته الوحيدة عام ٦٣٢ م ، ١٠ ه ، ووقف علي عرفة يوم جمعة قبل انتقاله الي ربه بواحد وثمانين يوماً ، بعد بلاءٍ طويل في إبلاغ الرسالة ، ناصحاً أمته إلي يوم القيامة نصيحة مودع ، يصيح فيهم كما يصيح الوالد بولده إشفاقاً عليه من منعطفات الدنيا وغرورها ، ومكائد الشيطان وشَركه ، وتقلبات الأزمنة وأمواجها.
لقد ظل ثلاثاً وعشرين سنة يصل الأرض بالسماء ، يتلو علي الناس آيات القرآن ، ويزكيهم بالحكمة والموعظة الحسنة حتي اكتمل الدين ، وتمت النعمة ، وبانت حقائق الدين محجة بيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك ، وأنزل الله قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]. عندما سمعها سيدنا عمر – رضي الله عنه- بكي! وقال : ليس بعد الكمال إلا النقصان ، وكأنه استشعر قرب وفاة رسول الله.
خطب الحبيب – صلي الله عليه وسلم – قائلاً : ( أما بعد، أيها الناس: اسمعوا مني أبين لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، في موقفي هذا.
أيها الناس: إن دماء كم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقو ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا هل بلَّغتُ؟ اللَّهم اشهد.
فمن كانت عنده أمانة فليؤدِّها إلى من ائتمنه عليها. وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لاتظلمون ولا تظلمون. قضى الله أن لا ربا، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمِّي العباس بن عبد المطلب. وإنَّ دماء الجاهلية موضوعة… وإنَّ مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية. والعمد قود، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية.
أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم.
أيها الناس: إن لنسائكم عليكم حقا، ولكم عليهن حق، لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.
أيها الناس: إنما المؤمنون إخوة، فلا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.
فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده، كتاب الله وسنتي؟ ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.
أيها الناس: إن ر بكم واحد، وإن أباكم واحد، كلُّكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى.
ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فليبلغ الشاهد الغائب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والسؤال !!! هل نحن علي عهد رسول الله وعلي وصاياه كما جاءت في خطبة الوداع؟!!
أعتقد يقيناً لو أن رسول الله حياً لطرد خلقاً كثيراً يرفعون رايته يكفرون المسلمين ويعملون في أعناق العباد ذبحاً وفي البلاد فساداً حتي وإن صلو وصامو وزعمو أنهم مسلمين ، كما فعل مع أبي عامر المنافق الذي بني مسجداً إرصاداً لمن حارب الله ورسوله وإرهاباً للناس باسم الله ، فقد هدم مسجده وسماه مسجد الضرار وهرب المنافق قبل القصاص منه. وأنزل الله في شأنه قوله تعالي ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) التوبة: ١٠٧
إن كل من استحل الدماء والأعراض ومقدرات الأمة التي حرمها رسول الله كحرمة البلد الحرام والشهر الحرام ، ليس له مكانٌ من الرحمة !! ، لا عند الله ولا عند رسول الله ، وبالتالي ليس له موضع قدم بيننا ، فليذهبو إلي الجحيم .
أما من سلم الناس من لسانه ويده ، فهو المؤمن الذي سيكون في ظل الله يوم القيامة ومن أحباب رسول الله، اللهم اجعلنا منهم ….