مهند أبو عريف
يمثل الشباب والناشئة الثروة الأهم بالنسبة لأي مجتمع ومن دونها لا يمكن تحقيق الاستفادة من الموارد الأخرى سواء طبيعية أو غير طبيعية، وقد آمنت سلطنة عُمان بهذه الحقيقة قبل أكثر من نصف قرن تقريباً، ظلت خلالها الطاقات البشرية – أي الانسان العماني – بكل تجلياته هي محور وهدف التنمية ووسيلتها الفاعلة والقادرة وحدها على تحقيق المنجز التنموي المطلوب.
فقد تبنت القيادة العمانية مفهوماً واسعاً لتنمية الموارد البشرية، يعتبر الإنسان الهدف والغاية النهائية لعملية التنمية وليس وسيلة فقط لتحقيقها حسب المفهوم التقليدي للتنمية ، لهذا اهتمت كافة خطط التنمية السابقة بتنمية الموارد البشرية وفق هذا المفهوم الواسع.
ومن خلال انتهاج سياسات وآليات عملية متكاملة لتنمية الموارد البشرية، استطاعت السلطنة أن تعد المجتمع العُماني لاستشراف آفاق القرن الحادي والعشرين الذي ستتركز خلاله الجهود على تنمية الموارد البشرية بأوسع معانيها المادية والروحية.
وقد راهنت السياسة العُمانية على مدار أكثر من 48 عاماً، أن الانسان بحسبانه هو صاحب الإرادة الحقيقية في إحداث التغيير المطلوب لهذا الوطن، وهو رهان كان صحيحا ولم يعتمد على محض أفكار ورؤى خارجية، لكنه كان حصيلة دراسة متعمقة ورؤية مستنيرة واستراتيجية واضحة وخطة، أو بالأحرى مجموعة من الخطط المحددة المراحل والأسقف الزمنية فضلا عن الأهداف، مما ساعدها على تحقيق اختراقات نوعية أسهمت في رفع سقف التنمية البشرية على نحو جعلها نموذجا في المنطقة. ونتيجة لذلك، ثمة وجودا حيا وفاعلا للمواطن العماني في كل مواقع العمل.
وفي حين تتعدد وتتنوع سبل العناية والنهوض بالشباب العُماني، تعليميا وتدريبيا، وثقافيا ورياضيا واجتماعيا أيضا، من أجل بناء الشخصية الواعية والمتعددة الجوانب، ليكونوا ركيزة وقوة دافعة ومؤثرة، في بناء الوطن والذود عن حياضه وحماية منجزاته، فإن مما له دلالة عميقة أن تمتد هذه العناية السامية إلى مجالات التقنية الحديثة وإلى تيسير كل السبل أمام الشباب لامتلاك مهاراتها وأدواتها والتعامل معها، وفق أحدث ما هو معروف عالميا من ناحية، والاستفادة العملية من التطبيقات المرتبطة بذلك في المجالات المختلفة، لصالح الشباب والاقتصاد والمجتمع أيضا من ناحية ثانية، وذلك بما يتماشى مع احتياجات التنمية الوطنية في هذه المرحلة والمراحل القادمة.
وفي هذا الإطار يضطلع “البرنامج الوطني لتنمية مهارات الشباب”، بديوان البلاط السلطاني، الذي تم تدشينه بمباركة سامية خلال أغسطس الجاري، بدور حيوي، جنبا إلى جنب مع العديد من الجهات والمؤسسات التي تعمل في هذا المجال، وهي عديدة.
وبينما بدأ مسار “الناشئة”، وهو أول مسارات “البرنامج الوطني لتنمية مهارات الشباب” في الرابع من أغسطس 2018، حيث استوعب 150 من الشباب من الفئة العمرية 15 إلى 17 عاما، فقد تم أيضا انطلاق المرحلة الأولى من المسار الثاني وهو مسار “الشباب” وذلك بمشاركة ألف من الشباب العُماني من الفئة العمرية من 18 إلى 29 عاما، من كافة محافظات السلطنة وفي دفعة واحدة.
وهي خطوة كبيرة تتضمن مرحلة تأسيسية تستمر ثلاثة أشهر وتعتمد على التدريب من خلال منصة ” يودايستي” العالمية للتعليم الإلكتروني للتأهل للحصول على شهادة « النانو»، وهي من الشهادات العالمية التي تركز على تعلم مهارات التقنية الخاصة بالثورة الصناعية الرابعة، وبعد المرحلة الأولى وفي ضوء عملية تقييم ينتقل المجيدون إلى المرحلة الثانية التي تتضمن تجربة تعليمية ثرية داخل السلطنة وخارجها للاستفادة من التجارب الدولية الناجحة، وعلى نحو يتناسب مع احتياجات ومتطلبات الاقتصاد المعرفي والرقمي في السلطنة.
علاوة على ما سبق وتأكيداً على الاهتمام بالشباب العُماني، تعمل السلطنة جاهدة على تحقيق التالي:
أولاً: التركيز على جودة التعليم، وتوسيع قاعدة التعليم التقني والتكنولوجي ذي الأبعاد المرتبطة بالتنمية، ولعل تأسيس جامعة عُمان يمثل ترجمة حقيقية لهذه التوجهات الجديدة، إذ تكون الدراسة التعليمية مرتبطة بالواقع أي بالمصانع والشركات والمؤسسات الخدمية القائمة، بحيث يكتسب الطلاب الخبرات العملية الى جانب النظريات الدراسية، وذلك من شأنه أن يسهم في تخريج أجيال مستوعبة للواقع وتطلعاته وتكون قادرة على أن تبدع وتبتكر لتقديم حلول للمشكلات التي يعاني منها.
ثانياً: اتجاه السلطنة في خططها المستقبلية على التنمية الاجتماعية خاصة في جوانبها المتعلقة بمعيشة المواطن بما يتيح المزيد من برامج التدريب والتأهيل ورفع الكفاءة الإنتاجية والتطوير العلمي والثقافي والمعرفي والسعي بفعالية لتوفير فرص عمل منتجة ومجزية للشباب العماني، وتركيز الجهود على تحسين الاندماج الاجتماعي وصولاً إلى هدف التشغيل الكامل للقوى العاملة الوطنية والتطبيق الصحيح لبرامج التعمين.
ثالثاً: إدراكاً منها لمقتضيات المرحلة الراهنة والمستقبلية، اتجهت سلطنة عُمان إلى رفد الطاقات البشرية الوطنية بروح جديدة يدعمه الاستمرار في توسيع الخيار الديمقراطي للشباب وهامش المشاركة في القرار السياسي، بما يمكنهم من الانخراط الواسع في المجالس البرلمانية والبلدية، وهو ما تحقق عمليا خلال انتخابات مجلس الشورى التي جرت في أكتوبر الماضي، وفي انتخابات المجالس البلدية في المحافظات ايضا.