علماء بين الافتاء الغريب وقضايا شائكة
بقلم: هشام صلاح
لقد تملكتى الحيرة هل اجعل عنون المقال هو
(علماء بين الافتاء الغريب والقضايا الضرورية للمسلم)— أم اجعل العنوان
( الحيل الشرعية لتحقيق الاهداف الخفية )
وعلى كل حال سأدع للقارىء الكريم أن يختار ما يشاء خروجا على المألوف –
بادئ ذي بدء — نقول
إن الفتوى هي:”بيان الحكم الشرعي في الواقع”، والحكم الشرعي هو: “حكم الله تعالى”، وغير الله ليس له حكم على الناس إلا بما أعطاه الله تعالى من سلطات، فقد قال عز وجل:(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) يوسف/40.
وبناء على هذا فمن يتصدى للافتاء حينما يقول: “هذا واجب”، فهو في الحقيقة يقول: “إن الله تعالى يقول هذا واجب”، وعندما يقول: “هذا حرام”، فهو في الحقيقة يقول:”إن الله تعالى يقول: هذا حرام”، وكذا بقيّة الأحكام التكليفية: من مكروه، وسنة، ومباح. وكذا الأحكام الوضعية: من شرط، ومانع، وصحة، وبطلان..
لكن ما يحزن المسلم ويؤثر فى عامة الناس أؤلئك الذين تصدوا هذه الايام للفتوى وشغلت برامجهم مساحات واسعة من الفضائيات حتى أصيب الناس بتخمة إفتاء – إن صح التعبير –
ولعل اللافت للنظر عتد بعضهم استخدامه لما يسمى بالحيل الشرعية فهم يستطيعون أن يجدوا مسوغا شرعيا لكل عمل مهما كان غريبا , وإذا وجدوا فى ذلك العمل ما يزيد نسب المشاهدة ويجعل القنوات الفضائية تلهث وراءهم فتراهم يسرعوا الي ما في جعبتهم من الآيات والآحاديث المتناقضة فينفضونها أمام المشاهد ليصيبوه بنوع من الحيرة والدهشة.. والله غفور رحيم! ولنستعرض طائفة من هذه الفتاوى واصحابها
فلنمعن النظر فى بعض من فتاوى الدكتور ( على جمعة ) مفتى مصر السابق
لحشيش لا ينقض الوضوء
هذا ما جاء على لسانه فى حلقة من برنامجه “والله أعلم”، حيث قال :
( أن السجائر والحشيش والأفيون أشياء طاهرة لا تنقض الوضوء، لكنها حرام، موضحا أنه يفضل “المضمضة” بالماء وكفى.
وقال جمعة إن حرمانية التدخين ليست لها علاقة بنقض الوضوء، مستطردا: “الإنسان الذى يكذب ويغتاب الناس، إذا صلى، فصلاته صحيحة، لا أمر فيها، والذى يشرب السجائر صلاته صحيحة لا مشكلة فيها أيضًا”.
وأضاف جمعة “فى حال الخمر، يجب أن يتمضمض الإنسان بالماء، لأن الخمرة شىء نجس”، ثم أضاف : ( “اللى يصلى وفى جيبه أفيون أو حشيش، صلاته صحيحة، أما إذا كان فى جيبه خمرة، فصلاته باطلة، والحرمة شىء والطهارة شىء آخر”.) —- وقال فى حلقة ثانية
عبد الحليم غنّى “أبو عيون جريئة” لـ”النبى محمد”
وتلك كانت الشطحة الكبرى، حبث قال جمعة، :
( إن الفنان الراحل عبد الحليم حافظ غنّى أغنية “أبو عيون جريئة” لمدح النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، بعد تغيير كلمات الأغنية، وأضاف جمعة، قائلًا “عبد الحليم حافظ كان مؤمنا، وكان يحب النبي جدا، وأغنية أبو عيون جريئة عملها ليمدح فيها النبى عليه الصلاة والسلام بس بكلمات أخرى”.)
ويالها من مغازلة حين قال فضيلته عن الكشف البترولى مكافأة إلهية
، إن الله كافأ المصريين بالكشف البترولى الجديد، وبناءً على هذا الرأى، فإن النفط الأمريكى أيضا مكافأة من الله على تقوى الأمريكيين، والغاز الإسرائيلى هبة منحها الله للمواطن الصهيوني لتقواه!
وحتى نجمع للموضوع زواياه المختلفة لنستعرض جانبا آخر من الفتاوى إنها فتوى فضيلة الشيخ – خالد الجندى – والذى يعده كثيرون من المشايخ المجددين الذين ينادون بالوسطية
يقول فضيلته :
الخمر والبيرة والحشيش حلال طالما بكمية لا تسبب السكر!
أفتى فضيلة الشيخ خالد بإباحة شرب الخمر، حين قال إن الخمر الذي يشربه الشخص ولم يُسكره فهو حلال، مضيفًا: “لو شرب شخص خمرًا وتحقق السُّكْر؛ فهذا حرام، حتى وإن كان مصنوعا من البصل، لكن إن لم يُسكِر؛ فليس حرامًا”، كذلك تحدث عن أن الحنيفية أباحوا شرب النبيذ،
وفى حديث ىخر له قال :
الله لا يرى عبده
كان من بين الكلمات التي آثارت لغطًا كبيرًا في الأوساط الدينية، ما زعمه الشيخ “الجندي” حيث قال :
( أن الله لا يرى عبده، وهو ما جاء على لسانه في إحدى تسجيلاته الصوتية بعنوان: “قراءة القرءان”، بقوله: “أوعى ربنا يبص في هذه الأماكن ويدوَّر عليك ما يلاقيكش”،
ولا أعرف كيف تناسى فضيلته قوله تعالى : {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} سورة يونس الآية 61.
ومازالت فتاوى البعض مستمرة بين الغرابة والخروج على ما ينفع المسلم وتقتضيه ظروف العصر ولو حاولنا إيجاد أسباب لهذه الفتاوى الغريبة لاستشهدنا بكلام فضيله الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية،
حيث اعتبر أن هناك عدة فتاوى يطلقها الشيوخ لها أهداف من بينها
– تمييع الدين، واستدعاء قضايا جدلية معتمدة على نوادر فقهية، كانت لها علة في وقتها، الآن بهدف إشغال المسلمين عن القضايا الأساسية.
– وهى خطة ممنهجة لإلهاء الشعوب عن قضاياها، وإغراق الناس في الاختلافات الفقهية التي لا طائل منها، متسائلًا:
“لماذا الحديث عن نجاسة الكلب وطهارته”!؟
في حين أنه من الواجب الحديث عن العدالة الاجتماعية وتوعية الناس بحقوق المرآة وذوي الاحتياجات الخاصة والضعفاء.
ومازال المفتون يتسابقون على شاشات الفضائيات ولظهورهم أهداف معلنة وأخرى خفية لا يعلمها إلا الله قلا نملك إلا أن نذكر بقول الرسول الكريم إذا اختلف عالمان فى فتوى صجيحة فبأيهما نأخذ يقول حبيبنا وهادينا :
استفت نفسك واستفت قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتَوك ؟ فقد
روى الإمام أحمد في مسنده عن وابصة بن معبد الأسدي رضي الله عنه أنه قال: “أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئًا من البر والإثم إلا سألته عنه، وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه، فجعلت أتخطاهم، فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: دعوني فأدنو منه، فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه، قال: «دعوا وابصة، ادن يا وابصة» مرتين أو ثلاثًا، قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه، فقال: “«يا وابصة، أخبرك أم تسألني؟» قلت: لا، بل أخبرني، فقال: “«جئت تسألني عن البر والإثم»، فقال: نعم، فجمع أنامله فجعل ينكت بهن في صدري، ويقول: «يا وابصة استفت قلبك، واستفت نفسك» ثلاث مرات، «البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتَوك»،
فالإفتاء ليس مهمة سهلة، وأهل العلم العارفين بخطورته يفرون منه وإن كانوا من أعلامه تورعا وخوفا من سوء العاقبة، أما من لا يعرفون خطورته فيلقون بأنفسهم عن سبق عمد وترصد فى أحضان جهنم وساءت مصيرا.