سلايدرسياسة

قلهات سلطنة عمان.. انتصار المكان والإنسان

استمع الي المقالة

مهند أبو عريف

لكل أمة دلالاتها الحضارية التي كلما غاصت جذورها عميقا، تجلت فروعها في السماء واضحة، لا هجينة الميلاد ولا فاقدة لخصوصيتها، وهي  

توثق ارتباط الإنسان المعاصر بماضيه وأصوله الأولى المغذية للعقل الجمعي، وإدراج مدينة قلهات الأثرية في قائمة التراث الإنساني يتجاوز حدود الطين وزمنية اللقى الأثرية لأنه إدراج لعبقرية المكان والإنسان، المكان الذي قُدِّر أن يكون مسرحا للفعل الإنسان وحاضنا لمعتقداته وممارساته وصانعا لهويته. إن إدراج مدينة قلهات بسلطنه عمان  في قائمة التراث الإنساني هو أحد الانتصارات العمانية التي مهّد لها آباؤنا الأوائل لتكون احتفال الأبناء بمرور الذين جعلوا من مرورهم معينا معرفيا للحياة المعاصرة يزداد إثراء كلما تعمقت فيه أكثر، والناظر إلى التراث العماني بشمولية المفهوم يتيقن أن هذه الأرض كانت ميادين للعلم والفكر واللغة ومتسعا لعادات قويمة وتقاليد امتازت بخصوصيتها، وليس ما عليه الإنسان العماني اليوم سوى نتيجة تراكمية لذلك وامتداد للإرث المتجذر في التاريخ، وما نجده في مدينة قلهات بشكل خاص والمدن الأثرية والتاريخية الأخرى في عُمان ليس ميلادا هجينا حبلت به الأذهان فصاغه التمني بل لكل شيء هنا مرجعيته التاريخية وأداوت تعبيره، ودلالة واضحة على التطور الحضاري الذي عاشه المجتمع العماني منذ عصور ما قبل التاريخ صعودا إلى اليوم، إضافة إلى تباين المكونات الحضارية من مدينة لأخرى والتي تحرّض كل واحد على تتبع عظمة هذا التاريخ منذ تكوّن أُطره الأولى في الوجود العام والخاص، فقد تعاقبت على عمان حضارات وشعوب سواء بالمرور عليها أو البقاء فيها.إن الأحجار والنقوش وما تركه البشر ليس وحده المتحدث عن التاريخ العماني، بل كانت جماليات المكان لسانا ناطقا عن حرفية الإنسان في ممارسة الحياة، فقد امتلك التراث العماني المادي وغير المادي من الإغراء ما يكفي لحبر المستكشفين والرحالة القدماء والمحدثين، وما قاله الرحالة الأوروبي ماركو بولي عام 1292 عند مروره بقلهات أشبه بصورة سينمائية ينبغي لكل واحد استحضارها ليتصور ما كانت عليه هذه المدينة، واستنتاج القيمة الحقيقية لها حيث قال: إن لها موقعا استثنائيا وميناءها ضخم وتقدم فيه خدمات بجودة عالية وترسو فيه العديد من السفن المحملة بالبضائع كما يستخدم لتصدير الخيول العربية إلى الهند.، فإذا كنا نرى اليوم الصورة الحسية لمدينة قلهات إذن لنا أن نتصور أي عظمة لهذه المدينة يخفيها البحر بعد أن شهدت الزلزال الذي يعرفه الجميع.

فعمان نبض للحضارة الهندية، ومرور مغولي وفارسي، وتعبير عن تواصل اقتصادي وسياسي مع أرض الكنانة وبلاد الشام وأرض الرافدين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى