مهند أبو عريف
ترتكز عملية البناء والتنمية في سلطنة عُمان منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي وخلال نصف قرن تقريباً، على استراتيجية التكامل المؤسساتي بين أجهزة الدولة والعمل في تناغم وانسجام من أجل استدامة التنمية الشاملة والنهوض بالوطن والمواطن.
وقد تجلت صور التكامل في الجلسات المشتركة التي يلتقي فيها أعضاء مجلسي الدولة والشورى لمناقشة موضوعات، أو مشروعات قوانين، أو مواد محل تباين من حيث النظر إليها، من جانب المجلسين، ولعل الجلسة المشتركة لمجلسي الدولة والشورى مؤخراً لمناقشة المواد محل التباين في مشروع قانون الثروة المعدنية، لن تكون الأخيرة وإنما تمثل دفعة من دفعات التعاون والتكامل المشترك من أجل بناء الوطن.
ويكتسب اتفاق مجلسي الدولة والشورى على صياغة مشروع قانون الثروة المعدنية بالشكل النهائي الكثير من الأهمية للاعتبارات التالية:
أولهما: أن هذا الأسلوب الرفيع في الأداء، والعمل باهتمام ومسؤولية وحرص كبير على التوصل إلى اتفاق بين مجلسي الدولة والشورى حول مشروع القانون المنظور “مشروع قانون الثروة المعدنية” يؤكد أهمية وقيمة وبعد نظر رؤية السلطان قابوس بن سعيد، بشأن تحقيق أكبر قدر ممكن من التعاون والتنسيق والتكامل بين مؤسسات الدولة، تشريعية وتنفيذية وخدمية من أجل تحقيق صالح الوطن والمواطن وبما يكرس ويعمق آليات العمل في إطار دولة المؤسسات وحكم القانون من ناحية وبما يتفق مع الأسس والمبادئ والصلاحيات التي حددها النظام الأساسي للدولة وتعديلاته التي أدخلها عليه السلطان قابوس من ناحية ثانية.
ثانيهما: أن ما يقوم به مجلس عمان بجناحيه (مجلس الدولة والشوري) في هذا المجال تأكيد وترسيخ لمشاركة المواطنين في عملية صنع القرارات، وتوجيه مسار التنمية الوطنية في مختلف المجالات، وتثبت الأيام والتطورات ومشروعات القوانين، والموضوعات التي يتم بحثها ومناقشتها وإقرارها من جانب مجلس عمان، نجاح وترسخ وفاعلية النموذج العماني في الممارسة الديمقراطية، وهو النموذج الذي أرساه السلطان قابوس وتعهده بالرعاية من أجل أن يكون لعمان نموذجها الخاص في هذا المجال .
أما ثالث الاعتبارات التي تزيد من أهمية الجلسة المشتركة لمجلسي الدولة والشورى فإنه يتمثل في الأهمية التي يمثلها مشروع قانون الثروة المعدنية، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وفي إطار جهود تنويع مصادر الدخل في السلطنة.
ففي الوقت الذي يتناول فيه مشروع القانون واحدا من أهم مجالات التنويع الاقتصادي، وهو المتعلق بتطوير والعمل على استثمار الإمكانات العمانية في قطاع الثروة المعدنية، وهو قطاع مثمر ومبشر، فان إعطاء دفعة لجهود استثمار الثروات المعدنية في السلطنة من شأنه أن يفتح المجال واسعا أمام أعداد متزايدة من المشروعات المتوسطة والصغيرة للدخول إلى هذا القطاع، وهو ما يحاول مشروع القانون تحقيقه إلى أقصى درجة ممكنة؛ خدمة للمواطن وللاقتصاد العماني.
ولعله من المصادفة أن يتزامن الاتفاق على صياغة مشروع قانون الثروة المعدنية مع ما كشفت عنه الهيئة العامة للتعدين بسلطنة عُمان بشأن مشروع تعدين النحاس بولاية المضيبي، وهو إحدى نتائج مبادرات برنامج “تنفيذ” ومختبرات قطاع التعدين، وهو الذي يعبر عن قيمة وأهمية تحويل الأفكار والمبادرات إلى مشروعات عملية ناجحة ومفيدة وقادرة على استثمار الإمكانات الوطنية في القطاعات المختلفة، واستعادة خبرات عمانية تاريخية، وتحديثها وتطويرها؛ لتتلاءم مع التطور التقني في مجال التنقيب والاستخراج والتصنيع لتلك الموارد المعدنية.