الانتخابات التركية: أردوغان في مواجهة خصوم شرسين ومعارضة موحدة
اليمامه – فرانس 24 – برز رجب طيب أردوغان على الساحة السياسية قبل أكثر من 15 عاما سجل خلالها عديد الانتصارات الانتخابية. لكن الرئيس التركي يواجه اليوم منافسة غير مسبوقة في الانتخابات المبكرة المقررة في 24 حزيران/يونيو.
تولى أردوغان الحكم منذ 2003 كرئيس للوزراء أولا قبل أن يصير رئيسا العام 2014. وصنع خلال هذه السنوات صورة السياسي الذي لا يقهر فكان قد فاز على معارضيه في كل انتخابات.
وكان أردوغان قد تمكن قبل عام بصعوبة من تمرير تعديل دستوري ينقل تركيا إلى حكم رئاسي يبدأ تطبيقه فعليا عقب إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية كان موعدها المقرر نوفمبر/تشرين الثاني 2019. لكن قرر الرئيس التركي مع حلفائه القوميين إجراء انتخابات قبل نحو عام ونصف من موعدها واضعا ثقته بمؤيديه من المحافظين. فقال أحد أنصاره لفرانس24 “هو يضحي ويعمل بجد، سأصوت له لأجل أن يكون صوتي مساعدا في ما يعمله من خير”.
ورغم أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 24 حزيران/يونيو تبدو تكرارا لسيناريوهات سابقة بالنسبة إلى أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن المعارضة تمكنت من تجاوز انقساماتها واختيار مرشحين يتمتعون بالكاريزما لجلب الناخبين.
وفي الشارع التركي مناهضو سياسة الرئيس التركي كثر أيضا، لا سيما مثلا في حي بشكتاش بإسطنبول، معقل المعارضين العلمانيين، حيث صرح أحدهم لفرانس24 “البلد لا يسير جيدا أبدا فما فائدة الانتخابات ونحن نعيش في ظل حالة طوارئ منذ عامين” ويتابع “ما الذي تحقق؟ أسعار الوقود في ارتفاع مستمر وقيمة الدولار في ارتفاع مستمر. الاقتصاد منهك. لا شيء جيد”.
والملف الاقتصادي تحد كبير يواجه الرئيس التركي فبعدما صنع شعبيته معولا على الازدهار الاقتصادي الذي سجل في العقد الأخير، باتت الظروف الراهنة أكثر صعوبة مع تدهور في قيمة الليرة التركية وازدياد كبير في التضخم.
فلاحظ بول ليفن مدير معهد الدراسات التركية في جامعة ستوكهولم أن الرئيس “يواجه مناخا اقتصاديا صعبا ومعارضة قوية تمكنت من توحيد صفوفها في شكل مفاجئ”.
فإلى جانب أردوغان، يتنافس في هذه الانتخابات خمسة مرشحين أبرزهم محرم إينجه، بطل المعارضة العلمانية. إينجه هو مرشح حزب الشعب الجمهوري الاشتراكي الديمقراطي. عرف بخطاباته الفصيحة والنارية فينافس أردوغان من تجمع إلى آخر مقارعا إياه في “لعبته المفضلة” المتمثلة في استفزاز مشاعر الجماهير وإذكاء النزعة القومية.
وينظم أردوغان ومنافسه تجمعات يومية في ما يبدو بأنه أبرز تحد انتخابي للرئيس التركي. وفي كلمة أمام أنصاره في مدينة توكات وصف إينجه أردوغان بأنه “رجل مرهق عاجز عن مساعدة تركيا في النهوض”، مؤكدا أن “تركيا بحاجة إلى دم جديد”.
وتوجد مرشحة معارضة أخرى يحسب لها حساب هي ميرال أكشينار، وزيرة الداخلية السابقة التي أسست حزب “إيي بارتي” الناشئ (حزب الخير).
ويقول البعض إن أردوغان يسعى إلى استثمار ما حققه في عفرين السورية حيث شن عملية عسكرية، سريعا في الانتخابات المبكرة. فالانتظار حتى أواخر 2019 قد يدفع الأتراك إلى تغيير توجهاتهم بسبب الضغوطات الاقتصادية الكبيرة. فالشعور بأن البلاد “في حالة حرب” يدفع إلى البحث عن “شخصية قوية”.
وأشار بول ليفن إلى عقبة أخرى محتملة في وجه أردوغان وحزبه تتمثل في استياء معين لدى المجتمع التركي من وجود نحو 3,5 مليون لاجئ سوري في البلاد، مؤكدا أن “المعارضة تستفيد من ذلك”.
وسأل أردوغان الحشود التي تجمعت الأحد في إسطنبول “هل تريدون حكومة قوية في 24 حزيران/يونيو؟”. وقال “هل تريدون تركيا قوية في 24 حزيران/يونيو؟ هل سيدخل 24 حزيران/يونيو التاريخ؟” ورددت الجماهير “نعم”. وإن كان أردوغان الأوفر حظا للفوز بانتخابات الأحد المقبل، فإن هذا الفوز حسب العديد من المحللين والمراقبين للشأن التركي غير محسوم وإن دورة ثانية قد تجرى.
وقال علي بيرال من أنصار أردوغان خلال التجمع “عندما يكون لدينا شخصية تخدم فعليا الشعب لا أكترث لمثالية خصومه”. ووعد أردوغان بمشاريع ضخمة على غرار جسر ثالث في إسطنبول ومدينة للمعارض في أنقرة وبإنشاء منطقة صناعية متخصصة في الفضاء والطيران…
وشكلت الأحزاب المعارضة تحالفا لمواجهة أردوغان في الانتخابات التشريعية في محاولة لوضع حد لهيمنة حزب العدالة والتنمية في البرلمان. وأكدت أصلي إيدنتسباس الخبيرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية أن “المعارضة تظهر للمرة الأولى درجة معينة من التنسيق والوحدة”، معتبرة أنها قد تكون قادرة على “تحقيق فوز” في البرلمان.
وترى أن حزب العدالة والتنمية “قلل من أهمية” إينجه الذي يتناقض أسلوبه الفظ مع الخطاب الهادئ لرئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو الذي لم ينجح البتة في مقارعة الرئيس التركي. وتابعت “يواجه أردوغان الآن شخصا لا يستسلم بسهولة والناس يستمعون إليه”.
حتى لو فاز أردوغان فإن المخاض سيكون عسيرا
كان أردوغان قد تعود مواجهة مرشحين ضعفاء يهزمهم بسهولة. لكن محرم إينجه يبدو خصما شرسا لا يتردد في إثارة موضوعات حساسة على غرار التعاون السابق بين الحزب الحاكم والداعية فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب في صيف 2016.
ووصل به الأمر إلى التأكيد أن أردوغان نفسه زار غولن في منفاه الأمريكي لينال “بركته” لتأسيس حزب العدالة والتنمية في بداية الألفية الثالثة. لكن الرئيس التركي رفض هذه المزاعم التي “لا أساس لها” وتقدم بشكوى ضد إينجه.
كذلك، لا يجد مرشح حزب الشعب الجمهوري، أحد أبرز رموز تركيا العلمانية التي أنشأها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، حرجا في مخاطبة جمهور أحزاب أخرى لجذب الناخبين الأكراد أو المحافظين الدينيين.
بعد حملة بدت فاترة في بدايتها، كثف أردوغان في الأيام الأخيرة التجمعات في مختلف أنحاء البلاد مهاجما خصومه ومذكرا بإنجازاته. ومن الشعارات العديدة التي كتبت على صوره “تركيا القوية تحتاج إلى زعيم قوي”. ولكن حتى لو تمكن هذا “الزعيم القوي” من الفوز في 24 حزيران/يونيو أو حتى في دورة ثانية محتملة في الثامن من تموز/يوليو، فإن هذا الفوز سيأتي بعد مخاض عسير.
ويعتبر مارك بيريني من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن توقع نتيجة استحقاق يبدو منذ الآن “معركة شرسة” سيكون عملا “متهورا”. وتابع “للمرة الأولى منذ وقت طويل، ثمة فرصة أمام المعارضة لتقدم للناخبين خيارا مختلفا في شكل جذري”.
وقال المحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان لإذاعة “مونت كارلو الدولية إن إينجه منافس مهم للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان لعدة أسباب من أهمها أنه رجل طموح وخطيب بارع ومجادل شرس. في المقابل اعتبر أن صلاح الدين دميرتاش المسجون منذ أكثر من عام والذي رشحه حزب “الشعوب الديمقراطي” الموالي للأكراد لهذه الانتخابات، فإن رهانه الأساسي هو تمكين حزبه من الحصول على 10 بالمئة على الأقل من الأصوات في أعقاب الانتخابات التشريعية المبكرة.
والمنافسان الآخران في هذه الانتخابات هما دوغو برينجك، مرشح الحزب الوطني وهو رجل موسكو وحليف أردوغان السابق، ثم تمل كاراملا أوغلو عن حزب السعادة، وهو إسلامي يدعم التقارب مع العلمانيين.