الدکتور/ محمد جواد ظریف
إن الاتفاق النووي الإیراني مع 1+ 5 (برنامج العمل المشترک الشامل حول المشروع النووي الإیراني) یعَدّ ثالث اتفاقیة دولیة انسحبت الحکومة الأمریکیة منها بعد انسحابها من اتفاقیة شراکة المحیط الهادئ و اتفاقیة باریس للمناخ. کما أنها من خلال سلوکها قد عرّضت للخطر عددا آخر من الاتفاقیات، کاتفاقیة نافتا و نظام التجارة الحرة و أجزاء من نظام الأمم المتحدة، و ألحقت خسارة کبیرة بنظام التعددیة و آفاق حل الخلافات بالطرق الدبلوماسیة. و جاء القرار الأمریکي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإیراني و إعادة فرض العقوبات النوویة علی إیران في 8 مایو 2018م بشکل أحادي الجانب و بطریقة غیرقانونیة 1، بل و علی خلاف رأي الشعب الأمریکي 2، لیشکل ذروة حالات نکث العهد و الانتهاک المتکرر لهذا الاتفاق من قبل الحکومة الأمریکیة. بینما أن الوکالة الدولیة للطاقة ـ بصفتها المؤسسة الوحیدة الدولیة التخصصیة المؤهلة ـ قد أکدت مرارا و تکرارا التزام الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بتعهداتها وفق الاتفاق النووي 3. وقد واجه هذا القرار الأمیرکي احتجاج المجتمع الدولي و حتی شرکاء أمریکا القریبین منها کالاتحاد الأوروبي 4 و بریطانیا 5و فرنسا 6و ألمانیا.
کما أن وزیر الخارجیة الأمریکي الجدید، أدلی في 21مایو 2018م بتصریحات واهیة مسیئة ذات طابع تدخلي، أثار خلالها بعض المطالب و وجه تهدیدات ضد إیران7، مما یتعارض تعارضا سافرا مع الأعراف الدولیة المعترف بها، کما یتعارض تماما مع أحکام القانون الدولي و السلوک الحضاري. إن هذه التصریحات، قبل أي شيء، تمثل رد فعل مرتبک من قبل الحکومة الأمریکیة تجاه الموقف الدولي الموحد و المعارض للجهود الأمریکیة الرامیة إلی القضاء علی الاتفاق النووي، و تجاه العزلة الناتجة عنها. و الواقع أن السید/ بومبیو حاول خلال هذه التصریحات تبریر الانسحاب الأمریکي من الاتفاق النووي المتعدد الأطراف، و حرف الرأي العام الدولي عن هذا العمل غیرالقانوني و انتهاک قرار مجلس الأمن الدولي 8 رقم 2231 الذي کانت الحکومة الأمریکیة قد اقترحت نصه و تم إقراره بالإجماع. فقد کانت الشروط الـ 12 المطروحة في کلمة الوزیر الأمریکي مضحکة لأن أمیرکا نفسها هي التي قد أصبحت معزولة بسبب تفردها و محاولتها لإضعاف مسار التعددیة. فلیس بلاسبب أنه یلاحَظ أن هذه الکلمة و کلمة الرئیس الأمریکي قد واجهتا موقفا سلبیا و عدم اهتمام من المجتمع الدولي و حتی من قبل أصدقاء أمیرکا، و لم یدعمهما إلا عدد قلیل من السائرین في الفلک الأمریکي في منطقتنا 9.
إنني أشک في أن وزیر الخارجیة الأمیرکي کان یدلي بمثل هذه التصریحات لو کان لدیه قلیلا من المعلومات عن تأریخ إیران و حضارتها و عن النضال التأریخي للشعب الإیراني من أجل الاستقلال و الحریة، أو علم أن النظام السیاسي القائم في إیران ـ علی خلاف أنظمة بعض حلفاء أمیرکا في المنطقة ـ هو نظام منبعث من ثورة شعبیة و یقوم علی إرادة الشعب. علیه أن یدرک بأن أحد التطلعات الکبری للشعب الإیراني کان یتمثل في وضع نهایة للتدخل الأجنبي في إیران، هذا التدخل الذي قد بلغ حده الأقصی خلال فترة الـ 25 سنة بعد الانقلاب العسکري الذي وقع عام 1963م. علیه أن یعلم أنه خلال العقود الأربعة المنصرمة قد وقف الشعب الإیراني شامخا مرفوع الرأس بوجه مختلف أنواع الاعتداءات و الضغوط الأمریکیة، بما فیها محاولاتها لتمریر الانقلاب و التدخل العسکري، و دعمها للمعتدي خلال الحرب المفروضة علی إیران، و فرضها عقوبات أحادیة الجانب و تعمیمها علی خارج حدودها، و حتی قیامها بإسقاط طائرة رکاب مدنیة إیرانیة و ما إلیها …فلن ینسی الشعب الإیراني هذه الوقائع أبدا.
إن أکبر سند للنظام السیاسي الإیراني هو الشعب الإیراني المتحرر المسالم، الذي یقبل التعامل البناء مع العالم علی أساس الاحترام المتبادل، و في نفس الوقت مستعد في صف واحد و بصوت واحد للمقاومة و التصدي للبلطجة و الابتزاز، و الدفاع عن استقلاله و عزّته. و یشهد التأریخ أن کل الغزاة الذین هاجموا هذه الأرض العریقة المتحضرة، کأمثال صدام و حماته، کان مصیرهم الذل و الهوان، و بقیت إیران تواصل طریقها شامخة مرفوعة الرأس مستبشرة بمستقبلها المشرق.
المؤسف أن السیاسة الخارجیة الأمریکیة ـ إن کانت هناک سیاسة فعلا 10 ـ بما فیها سیاستها تجاه الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، بُنیت أسسها، خلال فترة السنة و النصف المنصرمة،علی تصورات واهیة و أوهام فارغة. و إنني إذ أرفض التهم الواهیة الموجهة باستمرار من قبل کل من الرئیس الأمریکي و وزیر الخارجیة الأمریکي، و التي تعتبر تدخلا سافرا في الشؤون الداخلیة الإیرانیة و تهدیدا بلاوجه قانوني ضد أحد أعضاء الأمم المتحدة، و تتعارض بوضوح مع تعهدات أمیرکا الدولیة بموجب میثاق الأمم المتحدة و معاهدة عام 1955م 11 و بیان الجزائر لعام 1980م 12، أود جلب انتباه قادة حکومة الولایات المتحدة إلی بعض جوانب السیاسة الخارجیة المتبعة من قبل هذه الحکومة و التي تلحق الخسارة بالمجتمع العالمي کافة:
1. إن نمط سلوک الرئیس الأمریکي و قراراته الفجائیة البعیدة عن المنطق، و محاولات حاشیته لإیجاد مبررات و أعذار لغرض إقناع المخاطبین في الداخل و الخارج، قد تحول مع الأسف إلی سمة بارزة لمسار اتخاذ القرارات في واشنطن خلال الـ 17 شهر الماضیة. إن اتخاذ مثل هذه القرارات و إطلاق التصریحات غیر المدروسة المرتبکة لتبریرها، یؤدي عادة إلی التناقض في الأقوال و الأفعال. فعلی سبیل المثال، نری أن السید/ بومبیو، مرة في جلسة استماع الکونغرس بصفته رئیسا للسي آي أي، و في معرض الإجابة علی سؤال النواب، یؤکد قائلا بأن: ” إیران لم تخرق بنود الاتفاق النووي” 13. لکنه بعد قرار الرئیس الأمریکي بالانسحاب من الاتفاق المذکور، صرّح خلال کلمته في 21مایو 2018م بأن ” إیران قد خرقت بنود الاتفاق النووي” 14، و ذلک خلافا لکلامه السابق و خلافا للآراء التخصصیة الصادرة بهذا الشأن من الوکالة الدولیة للطاقة النوویة!
2. لیس من قبیل المبالغة إذا قیل أن بعض جوانب السیاسة الخارجیة الأمریکیة قد تم عرضها للمزاد العلني خلال هذه الفترة، و ذلک یعني أن الأمر یتجاوز کثیرا حدودعملیات اللوبي المعتادة. علی سبیل المثال، لم یسبق لرئیس أمریکی حتی الیوم، أن یکرر خلال فترة حملته الانتخابیة وصف دولة بأنها “دولة متحجرة داعمة للإرهاب” 15، ثم یختار هذه الدولة مقصدا لأول رحلة خارجیة له 16، أو یجعل علنا بعض جوانب السیاسة الخارجیة الأمریکیة مشروطة و متوقفة علی شراء الأسلحة أو سلع أخری من قبل هذه الدولة أو تلک 17. حتی إن هناک تقاریر تشیر إلی حالات أصبحت مصالح مادیة بحتة معظمها لاشرعیة تشکل منطلق العمل في السیاسة الخارجیة الأمریکیة 18 .
3. إهمال القوانین و الأنظمة الدولیة و العمل علی تدمیر أي شرعیة في النظام الدولي، من الوجوه البارزة الأخری للسیاسة الخارجیة المتبعة من قبل الإدارة الأمریکیة الحالیة، إلی درجة أنه بموجب التقاریر الخبریة، کان مندوبوا الولایات المتحدة قد عارضوا إدراج تعابیر تؤکد ضرورة رفع مستوی ” النظام الدولي المبني علی القانون” خلال مناقشة بیان اجتماع مجموعة الـ 7 في کندا 19. و بدأت إدارة ترامب نهجها المدمر هذا من خلال رفضها لمبدأ “الوفاء بالعهد” الأساسي. إن انسحاب أمیرکا من عدد من الاتفاقیات الدولیة و تعریضها لعدد آخر منها للخطر، سیما الإجراءات التي هي بصدد تنفیذها ضد المنظمات الدولیة، کل ذلک نماذج عن الإجراءات التدمیریة التي قامت بها هذه الإدارة حتی الآن، مما جعل ـ للأسف ـ آفاق النظام الدولي مظلمة. و من البدیهي أن الاستمرار في مثل هذه السیاسات من شأنه أن یعرض استقرار المجتمع الدولي للخطر و یجعل الحکومة الأمریکیة في موقع “متمرد دولي خارج علی القانون” 20.
4. الاستغراق في الأحلام و الاعتماد علی الأوهام، یشکل وجها آخر من السیاسة الخارجیة للحکومة الأمریکیة. و هذا النمط من التعامل الأمریکي ظهر جلیا في السیاسة الخارجیة بخاصة فیما یرتبط بمنطقة غرب آسیا. إن الإجراءات الأمریکیة اللاشرعیة الخطرة فیما یخص القدس الشریف، و الدعم الأعمی للإجراءات الوحشیة التي یقوم بها الکیان الصهیوني في غزة، و القیام بحملات جویة و صاروخیة علی بعض المناطق في سوریا،… کلها من الوجوه البارزة لهذه السیاسة غیر المبدئیة.
إن تصریحات السید/ بومبیو في یوم 21 مایو تمثل ذروة التوهم الذي یعتري المسؤولین في الإدارة الأمریکیة الحالیة حول منطقتنا. ففي الوقت الذي أصبح المجتمع الدولي یتردد بشکل جدي في إمکانیة إجراء الحوار و التفاهم مع الإدارة الأمریکیة الحالیة حول أي موضوع، یأتي وزیر خارجیة الولایات المتحدة لیضع شروطا لإجراء المباحثات و التفاهم مع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. إن الحکومة التي انتهکت الاتفاق النووي الذي جاء نتیجة لمئات الساعات من المباحثات الثنائیة و متعددة الأطراف بحضور مسؤولین أمیرکیین علی أعلی المستویات، و الذي تحول إلی تعهد دولي بموجب المادة 25 من میثاق الأمم المتحدة من خلال قرار تبنته الحکومة الأمریکیة نفسها في مجلس الأمن الدولي و أقره کل أعضاء هذا المجلس الذي تکون أمریکا من أعضائه الدائمین، نعم، کیف یمکن لمثل هذه الحکومة أن تتوقع إجراء مباحثات جدیدة معها؟ حتی إن التبریر المضحک المتمثل في جواز الانسحاب من الاتفاق النووي لکونه نتیجة مباحثات أجرته الإدارة الأمریکیة السابقة، یبقی تبریرا باطلا مرفوضا بعد الأعمال و التصریحات الأخیرة للرئیس الأمیرکي الذي أثبت أنه سینقض اتفاق شخص رئیس الجمهوریة في غضون ساعات. فمبادرة الرئیس الأمریکي إلی الانسحاب من إعلان مجموعة الـ 7 یُعدّ نموذجا بارزا من هذا النهج السلوکي المناقض للقانون 21. کما أن تصریحات الرئیس الأمیرکي خلال مقابلة صحفیة أجراها بعد لقائه مع زعیم کوریا الشمالیة علی الفور، یشکل نموذجا آخر من تعامل حکومة خطرة و غیرعقلانیة. تری هل یتوقع وزیر الخارجیة الأمیرکي من الجمهوریة الإسلامیة أن تدخل في مفاوضات مع حکومة یعلن رئیسها: “إذا أدرکت بعد ستة أشهر أنني قدأخطأت، فإنني سأجد ذریعة ما” 22. و هل لمثل هذه الحکومة أن تضع الشروط لإیران في محاولة لوضع الشاکي مکان المتشاکي؟ لقد نسي هذا الوزیر أن الحکومة الأمیرکیة الحالیة هي التي یجب علیها إثبات مصداقیة کلامها و توقیعها، لا ذلک الطرف الذي التزم بوعودها و تعهداته الدولیة. الواقع أن الإدارات الأمریکیة المتلاحقة عبر سبعة عقود منصرمة هي التي یجب علیها أن تخضع للمساءلة بسبب إهمالها للقوانین الدولیة و نقضها الصارخ للاتفاقیات الثنائیة و متعددة الأطراف مع إیران. إن قائمة وجیزة بمطالبات الشعب الإیراني و الحکومة الإیرانیة لحکومة الولایات المتحدة، من شأنها أن تتضمن ـ علی أقل تقدیر ـ مایلي:
1. علی الحکومة الأمیرکیة أن تحترم استقلال إیران و سیادتها الوطنیة، و تعطي ضمانا بأنها ستنهي تدخلاتها في إیران بموجب ما تعهدته عبر معاهدة الجزائر لعام 1980م 23.
2. علی الحکومة الأمیرکیة أن تتخلی رسمیا عن أسلوب التهدید و استخدام القوة کأداة للسیاسة الخارجیة ضد الجمهوریة الأسلامیة الإیرانیة و غیرها من الدول، مما یتناقض مع المبادئ الآمرة في القانون الدولي و میثاق الأمم المتحدة، و قد ألحق خسائر جمة بشعوب العالم و شعوب منطقتنا و الشعب الأمیرکي
3. علی الحکومة الأمیرکیة أن تحترم حصانة حکومة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة الأمرالذي یُعتبر من المبادئ الأساسیة للقانون الدولي 24، و أن تلغي ما أصدرته من أحکام تعسفیة غیرقانونیة و تکفّ عن تطبیقها سواء داخل الولایات المتحدة أو في سائر الدول.
4. علی الحکومة الأمیرکیة أن تعترف بالأعمال غیرالقانونیة التالیة التي قامت بها طوال العقود المنصرمة ضد الشعب الإیراني کما علیها أن تقوم بالتعویض عن الخسائر التي لحقت بالشعب الإیراني من جراء ذلک و تقدم ضمانا یمکن اختبار مصداقیته بأنها ستکف عن الاستمرار فیها و العودة إلیها:
• دورها في الانقلاب العسکري الذي أدی في 19 آب 1953م إلی إسقاط الحکومة الوطنیة الشرعیة في إیران 25، وألحقت خسائر و أضرار کبیرة بالشعب الإیراني من جراء استمرار الحکومة الانقلابیة المستبدة في إیران طوال مدة 25 سنة 26.
• قیامها بحجز و مصادرة عشرات المیلیارات دولار من أموال و ممتلکات الشعب الإیراني بلاوجه قانوني، سواء ما تم تجمیده منها في أمیرکا بعد انتصار الثورة الإسلامیة عام 1979م 27، أو ما تمت مصادرته خلال الأعوام الماضیة تحت ذرائع واهیة و علی غیر وجه قانوني 28 29.
• اعتدائها العسکري علی الأراضي الإیرانیة عام 1980م 30 و انتهاکها الصارخ و السافر لسیادة إیران و وحدة أراضیها.
• مساعداتها العسکریة و التسلیحیة و الاستخباراتیة السخیة للدکتاتور العراقي المقبور صدام حسین31 خلال فترة 8 سنوات من الحرب المفروضة علی الشعب الإیراني 32.
• دورها المباشر في معاناة جم غفیر من الإیرانیین المصابین بالأسلحة الکیمیاویة العراقیة التي تم تزوید صدام بأجزائها من قبل أمریکا 33 34و حلفائها الغربیین 35.
• إسقاط طائرة الرکاب المدنیة الإیرانیة بواسطة فرقاطة وینسنس الأمیرکیة في 3 یولیو 1988م مما أودی بحیاة ما یزید علی 290 مدني بريء من الرکاب و الطاقم 36، ثم منح الوسام لقائد تلک الفرقاطة.
• قیامها بضرب المنصات النفطیة الأیرانیة عبر هجمات متکررة خلال ربیع عام 1988م 38.
• توجیه تهم و إساءات واهیة إلی الشعب الإیراني الشریف باستمرار، کتسمیتها الشعب الإیراني بـ “الشعب المتمرد المجرم” 39 أو “الشعب الإرهابي” 40 أو “محور الشر” 41.
• إدراج المسلمین بمن فیهم المواطنون الإیرانیون في قائمة الممنوعین من دخول الأراضي الأمیرکیة و ذلک بأسلوب غیرقانوني و عنصري و غیرمبرر 42 . إن الإیرانیین في أمریکا هم من أکثر الجالیات نجاحا و ثقافة و التزاما بالقانون، کما أنهم قدموا خدمات کبیرة لمجتمعهم. و هاهم الیوم محرومون من اللقاء بأقربائهم حتی الجدّ و الجدة.
• قیامها بإیواء أشخاص من دعاة ممارسة العنف ضد إیران في أمیرکا و حمایة الجماعات الشریرة من المیلیشیات و المنظمات الإرهابیة 43 التي کانت بعضها طوال سنوات ضمن قائمة الجماعات الإرهابیة لدی الحکومة الأمیرکیة نفسها ثم تم شطبها من هذه القائمة قبل عدة سنوات بفعل محاولات لوبي مؤججي الحروب و من یتقاضون الرواتب من هذه المنظمات 44 ممن أصبح بعضهم الیوم في عداد المسؤولین من الطراز الأول في الإدارة الأمیرکیة الحالیة45.
• دعمها للمنظمة الاستخباراتیة التابعة للکیان الصهیوني (موساد) 46 لغرض القیام بأعمال إرهابیة أسفرت عن استشهاد علماء نوویین إیرانیین 47.
• قیامها بعملیات التخریب في المشروع النووي الإیراني من خلال الحروب السایبریة 48.
• العمل علی تزویر المستندات و خداع المجتمع الدولي 49 و الترویج للأزمة المفتعلة 50.
5. علی الحکومة الأمیرکیة أن تتخلی عن سیاساتها العدوانیة و عدوانها الاقتصادي المستمر طوال أربعة عقود ماضیة ضد الشعب الإیراني، و أن تلغي العقوبات الظالمة الواسعة النطاق و المباشرة و التي تتعدی حدود أمریکا، و توقف فورا مئات من اللوائح و الأوامر التنفیذیة 51 الصادرة بهدف عرقلة المسار الطبیعي للتنمیة في إیران، مما یشکل انتهاکا سافرا للقانون الدولي و المعاهدات النافذة 52، و تم إدانته من قبل الجمیع 53، و تقوم بالتعویض عن الخسائر الجسیمة التي لحقت بشعب إیران و اقتصادها من جراء ذلک.
6. علی الحکومة الأمیرکیة أن توقف فورا أسلوبها في الغدر و نقض للعهد و نقضها السافر للاتفاق النووي 54 مما ألحق بإیران خسائر مباشرة و غیرمباشرة تبلغ مئات الملیارات من الدولار بسبب فرض الحظر علی التجارة مع إیران و الاستثمار فیها، و أن تعوض عن الخسائر الواردة بالشعب الإیراني، و تتعهد بطریقة یمکن اختبار مصداقیتها بأنها تنفذ دون قید أو شرط کل ما تعهدت به في الاتفاق النووي، و أنها بموجب ما نص علیه الاتفاق النووي ستمتنع عن أي عمل یعرقل طریق تطبیع العلاقات الاقتصادیة الإیرانیة.
7. علی الحکومة الأمیرکیة أن تبادر فورا إلی إطلاق سراح جمیع المواطنین الإیرانیین و غیر الإیرانیین ممن وُجّهت إلیهم تهم مفتعلة 55 بخرق العقوبات المفروضة علی إیران فأودعوا السجون الأمیرکیة أو تم اعتقالهم في سائر الدول بفعل الضغوط اللاقانونیة من قبل الحکومة الأمیرکیة لغرض تسلیمهم إلی أمیرکا و هم یعانون أقسی الظروف تحت الاعتقال اللاقانوني 56، کما یجب أن تقوم بالتعویض عن الخسائر التي لحقت بهؤلاء و ذویهم، حیث یوجد بینهم نساء حوامل 57 و شیوخ طاعنین في السن و مرضی . و قد لقي البعض منهم حتفه في السجن 58.
8. علی الحکومة الأمیرکیة أن تعترف بتداعیات غزوها العدواني التدخلي لهذه المنطقة، بما فیها العراق59 و أفغانستان و کذلک الخلیج الفارسي 60، و تسحب قواتها من المنطقة و تضع نهایة لتدخلها في شؤون المنطقة.
9. علی الحکومة الأمیرکیة أن تضع نهایة للسیاسات و الإجراءات التي أدت إلی إیجاد جماعة داعش الإرهابیة اللاإنسانیة و غیرها من الجماعات المتطرفة، و ترغم حلفاءها في المنطقة علی إیقاف الدعم المالي و التسلیحي و السیاسي للجماعات المتطرفي في هذه المنطقة و في العالم و ذلک بطریقة یمکن اختبار مدی مصداقیتها 61.
10. علی الحکومة الأمیرکیة أن تتخلی عن توفیر السلاح للطرف المعتدي في الیمن و المشارکة في الهجمات المتکررة علی الشعب الیمني المظلوم 62 و قتل الآلاف من أبنائه و تدمیر بلده 63، و أن ترغم حلفاءها علی إنهاء العدوان علی الشعب الیمني و التعویض عن الخسائر الناجمة عنه.
11. علی الحکومة الأمیرکیة أن تحترم القوانین و الأنظمة الدولیة و تبادر إلی وقف دعمها اللامحدود للکیان الصهیوني 64 و تدین سیاسة الأبارتهاید و الانتهاک المستمر لحقوق الإنسان من قبل هذا الکیان، و تدعم بشکل فعلي حقوق الشعب الفلسطیني و بوجه خاص حقه في تقریر المصیر و إقامة دولة فلسطینیة مستقلة عاصمتها القدس الشریف.
12. علی الحکومة الأمیرکیة أن تبادر إلی وقف بیع الأسلحة الفتاکة 65 ـ و لیس الجمیلة ـ بقیمة مئات الملیارات من الدولار إلی المناطق المتأزمة في العالم و بخاصة منطقة غرب آسیا 66. فبدلا من أن تحول المناطق المتأزمة إلی مخزن بارود 67، یجب أن تدع هذه المبالغ الباهظة توظّف لتنمیة الدول و مکافحة الفقر في العالم. حیث أن جزءً من نفقات شراء الأسلحة من قبل زبائن أمیرکا من شأنه أن یکون عاملا لإزالة الجوع و الفقر المدقع، و توفیر المیاه الصالحة للشرب، و مکافحة الأمراض و … في کل أرجاء العالم 68.
13. علی الحکومة الأمیرکیة أن تتخلی عن معارضتها لموقف المجتمع الدولي المطالب منذ خمسة عقود بإیجاد منطقة خالیة من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط 69، و أن ترغم الکیان الصهیوني المحتل المعتدي علی نزع سلاحه النووي، و تعمل علی إزالة أکبر خطر یهدد فعلا السلام و الأمن الإقلیمیین و العالمیین أي وجود أفتک الأسلحة بید کیان هو أکبر معتد و مؤجج للحروب علی مر التأریخ المعاصر.
14. علی الحکومة الأمیرکیة التخلي عن اعتمادها المتزاید علی الأسلحة النوویة و منهج التهدید باستخدام هذه الأسلحة اللاإنسانیة أمام الأخطار غیرالنوویة 70، مما یعتبر انتهاکا سافرا لما تعهدت به تلک الحکومة بموجب المادة 6 من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النوویة، و القرار الاستشاري الصادر عن محکمة العدل الدولیة 71، و البیان الصادر عن اجتماع مراجعة و تجدید معاهدة حظر الأسلحة النوویة عام 1995م، و قرار مجلس الأمن رقم 984؛ و أن تعمل بواجبها الأخلاقي ـ القانوني ـ الأمني في نزع السلاح النووي بشکل کامل، الأمر الذي یشکل مطلب الأغلبیة الساحقة من أعضاء الأمم المتحدة و حتی وزراء خارجیة أمیرکا السابقین 72، کما أنه مطلب کل أبناء البشر الموجودین علی وجه الأرض بالتأکید. فإن الحکومة الأمیرکیة ـ باعتبارها الدولة الوحیدة التي سجلت في التأریخ باسمها عار استخدام السلاح النووي، علیها أن تخلـّص البشریة من کابوس المحرقة النوویة العالمیة المشؤوم و الأمن الوهمي الذي أرسي بنیانه علی أساس الزوال الحتمي للطرفین.
15. علی الحکومة الأمریکیة أن تتعهد لجمیع الأطراف المتعاقدة معها و للمجتمع الدولي بأنها تحترم مبدأ الوفاء بالعهد الذي یعدّ أهم قاعدة في القانون الدولي و یمثل أساسا للعلاقات الإنسانیة المتحضرة، و أن تتخلی رسمیا ـ بل و أهم من ذلک عملیا ـ عن المنهج الخطر المتمثل في استغلال القانون الدولي و المنظمات الدولیة کـ “واحدة الأدوات المتواجدة في صندوق أدوات الولایات المتحدة»73.
إن ما سبقت الإشارة إلیه من سیاسات حکومة الولایات المتحدة، تعدّ نموذجا من أسباب عدم ثقة الشعب الإیراني في حکومة الولایات المتحدة، لیس هذا فحسب، و إنما هي أحد الأسباب المهمة الرئیسیة لانعدام العدالة و انتشار العنف و الإرهاب و الحرب و انعدام الأمن في العالم و علی وجه الخصوص في منطقة غرب آسیا. و لم تؤت هذه السیاسات ثمارا للشعب الأمریکي الشریف المتحضر سوی العبء الثقیل المالي و الروحي و عزلة حقیقیة 74 لدی الرأي العام في الأغلبیة الساحقة لدول العالم 75. فلم یجنِ ثمارها إلا عدد محدود من منتجي الأسلحة الفتاکة. و إذا امتلکت حکومة الولایات المتحدة شجاعة تمکّنها من التخلی عن هذه السیاسات رسمیا و فعلیا من أجل أمن و رفاهیة شعبها، فإن عزلة أمیرکا الدولیة في هذه الحالة تنتهي و تبرز صورة جدیدة عن أمیرکا في إیران و العالم، و تتهیأ الظروف الملائمة لحرکة مشترکة باتجاه الأمن و الاستقرار و التمنیة الشاملة و المستدامة.
و یجب أن نعترف بأن التطلع إلی تغییر سلوک الولایات المتحدة، مع الأسف، لا یبدو واقعیا علی ضوء الظروف الراهنة. و لذلک، بذلت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة جهودها دوما علی المستوی العالمي في سبیل الترویج للشمولیة و التعددیة و الحوار و احترام سیادة القانون و نزع السلاح النووي ، و ذلک من خلال تقدیم مبادرات من قبیل ” حوار ا لحضارات” 76 و ” العالم ضد العنف و التطرف” 77 و المشارکة الفعالة في المساعي العالمیة الرامیة إلی تحقیق نزع سلاح نووي 78 و نظام دولي مبني علی القانون 79. کما أننا قدمنا حلولا عملیة لحل الأزمة في کل من سوریا 80 و الیمن 81 سلمیا و ذلک منذ أوائل أیام هاتین الأزمتین، و شارکنا بفعالیة في المبادرات السیاسیة الجادة. إلا أنه في کل هذه الأزمات قامت الولایات المتحدة، و مع الأسف، بحمایة المعتدین و الإرهابیین. کما أننا علی أثر انسحاب أمیرکا من الاتفاق النووي بذلنا جهودا صادقة مع سائر أعضاء الاتفاقیة المتبقین من أجل الحفاظ علی هذا الإنجاز الدبلوماسي العالمي المهم 82 و لانزال نواصل هذا المسار.
و علی الصعید الوطني، عکفنا خلال العقود الأربعة الماضیة علی توفیر الضمان لأمننا و استقرارنا من خلال الاستعانة بقدراتنا الذاتیة الداخلیة، وبالاعتماد علی الشعب الإیراني الباسل العظیم، و لیس بالاتکال علی حمایة الدول الأجنبیة أو التبعیة لها. فأصبحت إیران تزداد قوة و ثباتا و تقدما یوما بعد یوم رغم کل الضغوط الخارجیة و مع أقل قدر ممکن من النفقات التسلیحیة علی مستوی المنطقة 83.
أما علی الصعید الإقلیمي، فإن إیران خلافا لأمیرکا و سیاستها الخارجیة، تعارض ـ بموجب أحکام دستورها ـ أي نوع من فرض الهیمنة أو الخصوع لها 84. و هي علی قناعة بأن عهد الهیمنة العالمیة والإقلیمیة قد ولّی. و أن السعي للسیر في هذا الاتجاه یبقی بلا جدوی 85. إننا کدول هذه المنطقة یجب أن نحاول إیجاد منطقة أقوی و أکثر تقدما و استقرارا، بدلا من الرضوخ للهیمنة الأجنبیة أو محاولة فرض الهیمنة علی الجیران 86. إننا في إیران نری أمننا و تقدمنا في أمن واستقرار جیراننا ومنطقتنا 87. إننا و جیراننا یجمعنا تأریخ مشترک و ثقافة مشترکة و تحدیات و فرص متلازمة لاتنفصل عن بعضها البعض. ولایمکننا أن نذیق حلاوة الأمن و الاستقرار والتنمیة لمواطنینا إلا في ظل تحقیق الأمن و الاستقرار داخلیا و دولیا لبعضنا البعض. و نأمل من سائردول المنطقة أن یکون لدیها توجها مماثلا، و أن ترکز علی الحوار و الفهم المشترک و بناء الثقة و تضافر الجهود و التعاون مع الجیران، بدلا من تبني المنهج الذي سبق اختباره و فشله و المتمثل في “شراء الأمن و إناطته بالخارج” 88.
إن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة تری أن أفضل طریق لحلحلة الأزمات الإقلیمیة و تحقیق منطقة أقوی یتمثل في تشکیل “مجمع الحوار الإقلیمي في الخلیج الفارسي” 89 ، لکي یبدأ في اتخاذ الإجراءات التي تبني الثقة بهدف التقریب بین دول المنطقة علی أساس مبادئ مشترکة مثل تکافؤ حق السیادة الوطنیة بین الدول، و تجنّب التهدید و اللجوء إلی القوة ، و حل النزاعات بالطرق السلمیة، و احترام وحدة أراضي الدول، و حظر المساس بالحدود الدولیة، و عدم التدخل في الشؤون الداخلیة للدول، و احترام حق الدول في تقریر المصیر؛ و أن یتوصل إلی معاهدة لعدم التعرض و إیجاد الآلیات المشترکة للتعاون الإقلیمي من خلال إیجاد فهم مشترک حول التهدیدات و الفرص الإقلیمیة و العالمیة. إننا نؤمن بجد أن منطقتنا ـ باعتبارها وریثة أثری حضارة شهدها العالم ـ یجب أن تعالج مسائلها بنفسها بشکل مقتدر و دون تدخل من الأجانب أو تبعیة لهم. لأن ذلک لایؤدي إلا إلی فرض تکالیف باهظة علی عزتنا المشترکة و تنمیتنا المستقبلیة. عسی أن نرسم مستقبلا أفضل لأولادنا.