سلايدر

الإمام الأكبر: الاحتجاج بالقدر ضرب من الكذب والجهل والتخرص بالباطل

استمع الي المقالة

ناهد طاهر

• الإنسان مختار في جميع أفعاله التي لا يكون فيها مرغما ولا مكروها ولا مضطرا..

قال فضيلة الإمام الأكبر إن الحديث عن كون الإنسان مخيرا أم مجبرا هو حديث قديم متجدد، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى أصحابه عن الخوض في هذه المسألة وكان يقول: “إذا ذكر القدر فأمسكوا” كما وصف علماء المسلمين هذه المسألة بالعويصة، فقد قال الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه: “القدر مسألة مقفلة ضل مفتاحها” فهو يشبه القدر بالخزينة المغلقة التي ضاع مفتاحها.

وأضاف فضيلته في برنامج “الإمام الطيب” أن بعض المتسرعين يزعمون في قراءة موضوع القضاء والقدر أن الإيمان بالقدر يستلزم الإيمان بكون الإنسان مجبورا ومرغما ومسلوب الإرادة فيما يأتي وفيما يدع من إرادات وأفعال، وهو زعم باطل وادعاء كاذب، مشيرًا إلى أن الدليل القاطع على كذب هذا الادعاء: ما يحسه الإنسان ويشعر به شعورا واضحا من أن له مشيئة وإرادة يختار بها هذا الشيء أو ذاك، وإحساسه بأنه إن اختار فعلا وعزم عليه فإنه باستطاعته أن يفعله، وإن اختار تركه فباستطاعته أن يتركه.

وبين الإمام الأكبر أن هذا الشعور الواضح بحرية الإنسان واختياره في إيجاد الأفعال أو تركها هو الدليل الذي لا دليل بعده على أن الإنسان ليس مجبورا ولا مرغما ولا مسلوب الإرادة فيما يأتي وفيما يدع من أفعاله الاختيارية، ولذلك فليس له أن يحتج بالقضاء والقدر، لا قبل وقوع الفعل ولا بعده، فلا يجوز أن يقول شخص مثلا: إن الله قدر علي أن أشرب الخمر، ثم يتخذ من ذلك القول مسوغا لأن يقترف هذا الإثم، أو يقول بعد شربه الخمر: هذا ما قدره الله علي ليسوغ تصرفه.

وأوضح فضيلته أن القرآن الكريم ذم من احتج بالقدر وتعلل به من المشركين، ووصف احتجاجهم بالقدر بأنه ضرب من الكذب والجهل والتخرص بالباطل، فقال: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون}

وأكد الإمام الأكبر أن موقف الإنسان في الإسلام هو موقف المسئولية الكاملة عن كل ما يصدر عنه، لأن مسئولية الإنسان المسلوب الحرية ظلم، والله تعالى حرم الظلم على نفسه وعلى عباده فقال في الحديث القدسي: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما؛ فلا تظالموا…». وقال في كتابه الكريم: {وما ربك بظلام للعبيد} ويقول: {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم}، فإذا ثبت أن العدل المطلق من صفاته تعالى، وأنه لا يظلم مثقال ذرة، وأنه قد وضع الإنسان موضع المسئولية؛ فلا بد أن تثبت حرية الإنسان، وتثبت إرادته واختياره في جميع أفعاله التي لا يكون فيها مرغما ولا مكروها ولا مضطرا.

وأضاف فضيلته أن هناك اعتراض مشهور، ملخصه: إذا كان الله يعلم –أزلا- أفعال عباده قبل خلقهم، فكيف يؤاخذهم بما كتب عليهم قبل أن يخلقوا ويوجدوا؟ والجواب هو أن الله حرم الظلم على نفسه ومقتضى هذه النصوص العدالة، في ثواب العباد وعقابهم في الدار الآخرة، كذلك فإن صفة العلم الإلهي ليست مؤثرة في فعل العباد بعدما يوجدون، بعبارة أخرى: ليس علم الله الأزلي بأن فلانا بعدما يخلق ويوجد سوف يقتل فلانا – هو الباعث للقاتل على ارتكاب جريمة القتل، وليس العلم الإلهي الأزلي السابق لحادثة القتل إلا علما كاشفا فقط، وكأنه الـمرآة التي تعكس صور ما يقابلها من الأشياء دون أن تتدخل في إيجاد هذه الأشياء أو في حدوثها وحصولها، فالعلم الإلهي صفة إلهية كاشفة لأفعال العباد –قبل وقوعها- ولا مدخل لها في هذه الأفعال من حيث التأثير فيها لا وجودا ولا عدما.

وقال الإمام الأكبر إن الله تعالى يكتب على العبد ما سوف يختاره العبد ويميل إليه بمحض إرادته وطبيعته، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، انطلاقا من العلم الإلهي الذي يكشف حال العبد وموقفه الشخصي الحر، من اختيار الخير أو الشر. ومعنى ذلك أن الله لا يكتب الشر على من علم أن طبيعته خيرة، أو العكس، وإنما يكتب على كل عبد ما سوف يختار بحسب طبيعته وجبلته وإرادته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى