رئيس التحريرسلايدر

حتى لا ننسى.. يوم القدس العالمى!

استمع الي المقالة

أشرف أبو عريف

تَمُرُ هذه الأيام، ونحن في شهر رمضان المبارك، مناسبة عزيزة على قلوب كل أبناء فلسطين وعموم المسلمين وقُوىَ الحرية والعدالة في العالم، مناسبة يوم القدس العالمي، الذي أُريدَ منه أن يكون محطة فعل وتأثير، وشحذ للهمم، لأمة تزيد عن المليار ونصف ومعها إخواننا المسيحيين في عالمنا العربي والإسلامي، وكل أحرار العالم من أجل تحشيد كل الإمكانيات والطاقات لنصرة المدينة الفلسطينية المقدسة وهي تتعرض لعمليات يومية ومتسعة من أعمال التهويد والإستيطان الهادفة لنفي هويتها الإسلامية والمسيحية.

وبمرارة الوطنى الحر، يرى الفلسطينى “بدوان” أن يوم القدس العالمي، ليس محطة للذكرى، أو محطة للإحتفال الطقوسي، بل هو يوم من نوع أخر، أنه يوم دعوة للإلتفات للمدينة ولأهلها الصامدين الصابرين فوق ترابها، وحراسها ممن تبقى على أرضها وبين أزقتها وحاراتها من أبنائها، رافعين راية فلسطين وراية هذه المدينة الإسلامية والمسيحية.

يوم القدس العالمي، محطة من نوع أخر، محطة دعوة للجميع من أجل إيلاء هذه القضية ماتستحقه من جهد حقيقي من قبل عالمنا العربي والإسلامي، وأحرار العالم في كل مكان. محطة لإعادة تقييم الذات، حول ماقدمنا لهذه المدينة ولأهلها حتى نساعدهم على الصمود داخل أسوارها وحدودها، وفي عموم فلسطين، في ظل ظروف ومعطيات قاسية باتت تُحيط بالمدينة عبر الممارسات والسياسات الصهيونية المتسارعة والهادفة لفني هويتها، وتهويدها بالكامل ودفع مواطنيها للخروج منها.

يوم القدس العالمي، يوم تحدٍ كبير لسياسات الإحتلال، ويوم إعادة التذكير، وإطلاق النفير، حتى يصحو من هو غارقاً في سباته العميق في عالمنا العربي والإسلامي، من أنظمة رسمية، ومن قوى مجتمعية ومؤسساتية يهمها مصير القدس وفلسطين وأهل القدس وفلسطين.

يوم القدس العالمي، صرخة مدوية، بوجه حُكام وسلاطين، وأنظمة رسمية تناست القدس، وتناست أهل القدس، فباتت المدينة المقدسة من منسياتها، أو محطة ذكرى نحيب وبكاء لا أكثر من ذلك، دون أن تحرك ساكناً أو تبادر لإتخاذ خطوة ولو متواضعة من أجل نصرة القدس وأهلها.

يوم القدس العالمي، محطة للقول بالصوت العالي، بأن قضية القدس لاتهم الشعب الفلسطيني وحده وليست قضية محلية فقط،، وإن كان هذا الشعب الفلسطيني على رأس رمح التصدي للإحتلال الصهيوني. فقضية القدس هي قضية إسلامية بإمتياز، كما هي قضية مسيحية لمسيحي فلسطين والعالم العربي وكل أحرار العالم.

يوم القدس العالمي، صرخة مدوية بوجه الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني منذ أن وطأت أقدام المستعمر البريطاني أرض فلسطين عام 1916، وعندما أصدر اللعين أرثر بلفور وعده المشؤوم. فالظلم التاريخي يجب أن يتوقف، بل يجب أن يزال، لا أن يستمر في زمن الموات والسُبات العربي من الماء الى الماء.

يوم القدس العالمي، دعوة للعرب الرسميين من أجل ترجمة الأقوال إلى أفعال، والوفاء بما أقروه في القمم العربية، خاصة الأخيرة منها، بشأن مدينة القدس، خصوصاً الدعم المادي للمؤسسات والهيئات والمرافق الوطنية الفلسطينية في المدينة من أجل توفير مستلزمات صمودها وبقائها في ظل زحف عمليات التهويد المتسارعة حول المدينة وداخل أحيائها الإسلامية والمسيحية.

يوم القدس العالمي، دعوة لإعادة إحياء صندوق القدس المالي وإنتشاله من سباته المقصود، وهو الصندوق المُقر في القمة العربية التي عُقِدَت عام 2001، من أجل دعم المدينة، ورفد مؤسساتها الوطنية بالسيولة الكافية في مواجهة أعباء هائلة تعيشها تلك المؤسسات تحت وقع بلدوزرات وجرافات الإحتلال وسياسة “إسرائيل” تجاه المدينة وسكانها من أبنائها ومواطنيها الأصليين.

يوم القدس العالمي، محطة لمواجهة الدعم اللامحدود الذي تقدمه الحكومة “الإسرائيلية” لقطعان المستوطنين وعصاباتهم، وتمويلها لعمليات الإستيلاء على العقارات الإسلامية والمسيحية، والأنشطة الاستيطانية بالمدينة، وممارسة الضغوط الاقتصادية على أبناء المدينة. فالدولة الصهيونية تسعى لفرض سياسة الأمر الواقع وإخفاء المعالم العربية والإسلامية والمسيحية عن المدينة، في سياق مساعيها لرسم مستقبل التسوية السياسية كما تراها وفق تقاطعات الإجماع الصهيوني. إن ما يجري في القدس، يُكرّس مساعي الدولة الصهيونية ضد القدس والأقصى تحت حراب البنادق، وإحداث التحوّل الديمغرافي الكبير داخل حدودها الموسعة (متربولين القدس الكبرى) لصالح أغلبية سكانية يهودية. وإذا كان بعض العرب، وبعض المسلمين، يقومون بجزء من واجباتهم الكبيرة تجاه فلسطين وشعبها، فإن حجم المؤامرة والمخططات الصهيونية لا يزال أضخم من هذا الدور الأمر الذي يستدعي الدعوة إلى تحرك اقوى وأكثر فاعلية، دون أن نظل نمارس جلد الذات أو نتحدث عن التقصير الذي لا يستطيع أحد أن ينفيه.

إن يوم القدس العالمي، يُكثّفُ ماهو مطلوب على كل المستويات تجاه مدينة القدس وفلسطين. فما مايجري الآن بحق مدينة القدس يعتبر إعلان حرب على المدينة المقدسة، في مرحلة خطيرة من عملية تهويد كل ما هو فلسطيني في القدس الشرقية المحتلة. فالمدينة ومحيطها يتعرضان لأخطر المشاريع الاستيطانية الاجلائية التهويدية، حيث تسعى سلطات الاحتلال لرسم واقع جديد على الأرض يحسم مصير المدينة المقدسة عموماً والمسجد الأقصى على وجه الخصوص، وقد باتت المدينة المُقدسة تَعِيُش لحظات حاسمة وعصيبة، في وقت لم يَعُد فيه الصمت مُمكناً، ولم يَعُد فيه أيضاً الكلام والجمل الإنشائية كافية لنصرة المدينة وإنقاذها وإنقاذ أهلها من أخطبوط التهويد الزاحف، ولم تَعُد البيانات الإستنكارية وبيانات التنديد والشجب ذات مفعول أو تأثير في مسار ما يجري في المدينة المحتلة، وما يجري في حق الأقصى وعموم الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.

المشكلة على الدوام أن الخطاب السياسي العربي والإسلامي تجاه القدس، منذ الإحتلال الكامل للمدينة عام 1967، كان وما زال مُشبعاً إلى حدود التخمة بالجمل الإنشائية، ومليئاً بالمناشدات الأخلاقية والوجدانية لعموم الهيئات الدولية من أجل نصرة القدس وشعبها ومواطنيها، في وقت لم تَعُد فيه تلك المناشدات تُسمن أو تغني من جوع، وفي وقت لم يَعُد فيه العالم يُريد أن يَسمَع المناشدات والنداءات أو يلتزم بالمواقف الأخلاقية، خصوصاً بعض الدول المُتحكمة في القرار الأممي، التي لا تريد دوماً أن تسمع غير لغة المصالح.

الشعب الفلسطيني لم يَعُد يُطيق أصوات الشجب أو الإدانة، بل يريد أن يَسمع وأن يرى إجراءات واستراتيجيات على الأرض، بما في ذلك تقديم العون الملموس والمباشر لمواطني المدينة وتوفير مستلزمات صمودهم في وجه الإحتلال وسياساته.

ومن هنا، إن المعركة تتجدد كل يوم دفاعاً عن الأرض ودفاعاً عن البقاء فوقها، فالأرض تشكل الركيزة الأولى في المشروع الصهيوني الذي أراد “فلسطين أرضاً بلاشعب”. وبالرغم من كل المصاعب والالتواءات فقد كسر الشعب الفلسطيني بصموده العنيد خصوصاً داخل الأرض المحتلة عام 1948 هذه الثوابت الصهيونية، متمسكاً ببقاءه فوق أرض وطنه التاريخي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى