سلايدر

“الدبلوماسى” يرصد كلمة أمين عام الجامعة العربية فى القمة 29

استمع الي المقالة

أشرف أبو عريف

لدى إفتتاح القمة العربية التاسعة والعشرين اليوم الأحد فى المملكة العربية السعودية، القى الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد/ أحمد أبو الغيط اليوم الأحد والتى جاءت على النحو التالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود

 خادم الحرمين الشريفين

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،،

اسمحوا لي في البداية أن أتوجه بجزيل الشكر وعميق الامتنان لكم جلالة الملك .. ومن خلالكم إلى شعب المملكة العربية الأصيل وحكومتها على ما أُحطنا به من كرم وفادة ورعاية منذ وصولنا إلى أرضكم الطيبة .. وأن أهنئكم على تبوء رئاسة القمة العربية في دورتها التاسعة والعشرين .. وأدعو الله أن يوفقكم إلى ما فيه خير أمتنا وشعوبنا، وأنتم لذلك أهل.. كما أود أن أعبر عن عميق التقدير والعرفان لما قام به جلالة الملك عبد الله بن الحسين من جهود، وما اضطلعت به المملكة الأردنية الهاشمية تحت قيادته الحكيمة من اتصالات وإجراءات خلال عام القمة الثامنة والعشرين في مختلف القضايا والأزمات العربية التي واجهناها.

 أصحاب الجلالة والفخامة والسمو

تعود العربي ألا ينام قرير العين وأخوه العربي في محنة أو ضيق .. والأزمات المشتعلة في بعض أركان العالم العربي اليوم تزعج كل عربي أياً كان بلده، وتُلقي بظلال من انعدام الاستقرار على المنطقة بأسرها.. إن هذه الأزمات، سواء في سوريا أو اليمن أو ليبيا، فضلاً عن قضيتنا الرئيسية؛ فلسطين.. تخصم من رصيد أمننا القومي الجماعي.. واستمرارها من دون حل دائم أو تسوية نهائية يُضعفنا جميعاً ويُعرقل جهوداً مخلصة تُبذل في سبيل النهضة والاستقرار والأمن.

والحقُ أن مفهومي عن الأمن القومي العربي، والذي ينبع من مشاهدات السنوات الصعبة الماضية، ينطلق من أن التهديدات الكبرى التي تواجهنا تتساوى في أهميتها وجديتها، وتكاد تتطابق في درجة خطورتها.. فالأوطان المُهددة هي أوطان عربية ، والدم المُراق هو دمٌ عربي، والتهديدات تمس استقرار دول العرب ومجتمعاتهم .. إن العامل المشترك في كافة هذه الأزمات -كما أراه وألمسه- هو غياب التوافق على مفهوم موحد للأمن القومي العربي على مدار السنوات الماضية.. وأقول بكل صراحة إن تآكل حضورنا العربي الجماعي في معالجة الأزمات هو ما يُغري الآخرين بالتدخل في شئوننا والعبث بمُقدراتنا .. إن التحديات الحالية تفرض علينا جميعاً التفكير في إجراء حوار جاد ومعمق حول الأولويات الكبرى للأمن القومي العربي، وبحيث يجري تدشين توافق أكبر حولها وتناغم أوسع في شأن كيفية ضبط إيقاع تحركنا الجماعي والمشترك إزاء كافة التهديدات .. إن هذا التوافق وذلك التناغم هو ما سيعيد للعرب تأثيرهم في مُجريات هذه الأزمات التي صارت ساحة مفتوحة لتجاذبات دولية، ومنافسات إقليمية، وتدخلات خارجية ..لا يتوخى أي منها سوى مصالحه الذاتية.

وإذ أعتزم إجراء مناقشة معمقة مع الدول الأعضاء حول هذا الموضوع الحيوي الذي يلمس صُلب أمننا الجماعي واستقرار دولنا، فإنني أرجو -إنطلاقاً من ذلك- أن تسمحوا لي بأن أضع أمامكم ملاحظاتي على الوضع العربي في عدة نقاط أوجزها في  ما يلي :

أولاً:

شهدت قضيتنا المركزية -فلسطين- انتكاسة رئيسية تمثلت في الإعلان الأمريكي غير القانوني بشأن مصير القدس .. وقد نجح الجهد العربي في حشد موقف دولي مناوئ للطرح الأمريكي الذي انحرف عن طريق الحياد .. ولكن الأمر يتطلب مزيداً من الدعم السياسي والمادي لتمكين الفلسطينيين من الصمود أمام مخططات تصفية قضيتهم واختزال حقوقهم السامية في الحرية والدولة المستقلة في  مجرد حفنة من الامتيازات الاقتصادية.. إن دعم رؤية فخامة الرئيس محمود عباس في هذا السياق يُعد أمراً ضرورياً حتى تشعر إسرائيل ومن يوالونها بأن العرب لا زالوا يقفون بقوة مع أهل فلسطين.. وأن محاولات شق الصف أو إشاعة الفرقة بينهم لن تفلح في تحقيق أهدافها الخبيثة.. وتبقى الوحدة الفلسطينية المنشودة هدفاً محورياً ومُلحاً تأخر إنجازه وطال انتظاره ..برغم الجهود الكبيرة التي بُذلت في هذا المضمار.

ثانياً:

دفع الشعب السوري، ولا يزال، أبهظ الأثمان، في النفس والكرامة والمال، على مدار سنوات سبع لم يجن فيها سوى الخراب والدمار وتفتيت السيادة الوطنية، وتصاعد الافتئات الأجنبي على أراضيه ووحدة ترابه .. وكما يتحمل النظام السوري مسئولية كبرى عن انهيار الوطن وتهجير الشعب وإهدار الاستقلال والقضاء على الأمل في غد كريم .. فإنني لا أبرئ ساحة لاعبين إقليميين ودوليين يسعى كل منهم إلى تحقيق أهداف سياسية واستراتيجية على جثث السوريين وعلى أنقاض أحلامهم في حياة طبيعية داخل وطنهم العزيز على قلوب العرب جميعاً.

لقد تساقطت الصواريخ والقذائف -المحلية والأجنبية- على رؤوس السوريين لتذكرهم بأن تطلعاتهم المشروعة في استعادة وطن حر وآمن لكل مواطنيه، لا تزال بعيدة مع الأسف .. إنني آمل أن يستعيد حكماء العرب زمام الموقف .. وأن تتمكن الدول العربية من صياغة استراتيجية مشتركة تسهم في الدفع بالحل السياسي على أساس مسار جنيف والقرار 2254، وبما يحقن دماء السوريين ويعيد إليهم الأمل في بناء وطن جديد على أنقاض ما تم تدميره.

ثالثاً:

لقد استفحلت التدخلات الإقليمية في الشأن العربي حتى بلغت حداً غير مسبوق من الإجتراء.. وعلى رأسها التدخلات الإيرانية التي لا تستهدف خير العرب أو صالحهم .. ولعل اليمن مثال بارز على هذه التدخلات التخريبية .. لقد استفاد الإيرانيون من هشاشة الوضع اليمني، وما يواجهه أهلنا هناك من تحديات جسام، ليحققوا مأرباً قديماً بالولوج إلى الساحة الخلفية للمملكة العربية السعودية .. وأمسكوا بتلابيب اليمن منقلبين على الشرعية الدستورية ومشجعين بعض العصابات المارقة لتضرب عرض الحائط بكل القواعد السياسية والإنسانية .. حتى صارت الميلشيات التابعة لهم مصدراً لعدم الاستقرار داخل اليمن، وتهديداً لأمن السعودية والجوار … وهو ما يستوجب من العرب جميعاً أن يقفوا وقفة واحدة .. ويتحدثوا بصوت موحد .. لإدانة هذا التخريب والتدمير والعدوان .. والتضامن مع المملكة في الإجراءات الجادة التي تقوم بها لصون أمنها ومصالحها وحماية مواطنيها.. وكذلك من أجل استعادة الاستقرار لهذا البلد بعد سنوات من الاحتراب والفوضى.

رابعاً:

إن الجامعة العربية هي بيت العرب جميعاً .. لا تقوى إلا بهم وتضعف إن هم وهنوا أو تراجعت إرادتهم .. وإنني أشرف دوماً بكلمات التأييد والمساندة من القادة العرب للجامعة ولأمينها العام … وأتطلع طوال الوقت أن يترجم هذا الدعم السياسي المُقدر إلى دعم مادي تشتد الحاجة إليه من أجل تمكين الجامعة من التحرك الفاعل والفعال في مختلف الساحات والقضايا .. وأثق أن القادة العرب لن يقبلوا أن تنزوي الجامعة أو أن يهمش دورها  ويتراجع تأثيرها بسبب ضغوط العجز المالي .. ولا شك أن ما تم من تطوير في أداء الأمانة العامة على مدار العامين الماضيين يُشجعنا على استكمال طريق تطوير الجامعة، أمانة ومنظومة، بما يُلبي طموحات الجميع في منظمة فاعلة، راقية الأداء.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو

تفرض علينا الأزمات حديثاً ضرورياً، لم نكن نرغب أبداً أن ينحو بنا إلى السلبية والإحباط، أو أن يحرف أنظارنا عن نقاط الضوء في عالمنا العربي، وهي كثيرة ومتعددة … فهناك دول عربية، من بينها بالتأكيد البلد المضيف، تعج بعمل دؤوب وخلاق لبناء تنمية مُستدامة حقيقية تخدم المواطن العربي وترتقي بمستوى معيشته .. ولهذه الدول وقياداتها المخلصة أتمنى كل التوفيق والنجاح .. كما أشد على الأيادي الشريفة التي تعمل على اقتلاع جرثومة الإرهاب من بلادنا، وأشيد بالتضحيات الغالية التي تُبذل في كل بلد عربي من أجل اجتثاث جذور هذه الآفة الخطيرة ..بل وتجفيف المنابع، المالية والفكرية، التي يتغذى عليها التطرف.

وأخيراً أقول في كلمة موجزة .. إن الإحباط في مواجهة الأزمات ليس خياراً.. وإن فسحة الأمل باقية ما بقيت الإرادة .. وقد أثبت التاريخ أن وحدة العرب -إن هم أرادوا- أكبر من أي تحد .. وأن كلمتهم – إن هي اجتمعت- تكون العُليا بإذن الله.. إنني أدعو الله العلي القدير أن يوفقكم لما فيه خير أمتنا وشعوبنا.

                                والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى