الوطن بين تصور المسلم وتصور الجماعة
مدير إدارة التدريب بوزارة الأوقاف
لقد وضح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قد تركنا على عقيدة واضحة ، وشريعة ثابتة ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: ( خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَقْرَ وَنَتَخَوَّفُهُ , فَقَالَ : ” آالفقر تَخَافُونَ ؟ أَوَتُهِمُّكُمْ الدُّنْيَا ؟ , فَإِنَّ اللَّهَ فَاتِحٌ لَكُمْ أَرْضَ فَارِسَ وَالرُّومِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا صَبًّا حَتَّى لَا يُزِيغُكُمْبَعْدِي إِنْ أَزَاغَكُمْ إِلَّا هِيَ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ ” , قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : صَدَقَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – , تَرَكَنَا عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ , لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ ) رواه أحمد وابن ماجة .
والمحجة البيضاء في فهم الإسلام ، وكيفية تطبيقها على أرض الواقع هى: القراءة باسم الله ، قال تعالى : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) [العلق : 1] . وهذا يعنى التجرد عند دراسة الإسلام والشريعة ، بحيث يكون ذلك لله عزوجل .
أما الجماعات الإرهابية فإنها تشكك الشاب في كل شيء حوله ، تشككه في إيمانه واستقامته وعلمه عمن تلقاه ، وفي إيمان المجتمع ، وفي علماء الأزهر وعقيدتهم ، وفي الحكام ومناصبهم …. إلخ .
ثم تعرض مباديء الجماعة على أنها مباديء الإسلام ، منتهزة الفرصة الكبيرة ، وهي :
(ضحالة الثقافة الإسلامية لدى الشباب)، مثال ذلك :
1) كلمة ( ملتزم ) ؛ تعرضها على أنها التزام ديني ، فهي تقصد بها الالتزام بمباديء الجماعة ، في حين أن الإسلام جعل الالتزام شاملا لكل نواحي الحياة ، بأن يكون العبد على استقامة تامة ، لا يراوغ ولا يلاعب من أجل أهداف شخصية أو هوى فكري ، فعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، قُلْ لِي فِي الإِسْلامِ قَوْلا لا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ قَالَ : ( قُلْ : آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ ) رواه مسلم ؛ فهي استقامة كاملة ، لا التزام نوعي بمباديء وأهداف .
2) كلمة ( الأخوة ) أو ( الأخ ) ؛ تعني بها أفراد الجماعة ، وليس بقية المسلمين ، فهي أخوة قاصرة على مجموعة دون غيرها ، مشوهة صورة باقر الأفراد ، حتى أنهم لا يصلحون لأخوتهم ، وقد قال الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) [الحجرات : 10] ، فجعل أخوة الإيمان شاملة جامعة لكل من آمن بالله وحده ، دون انحياز أو تعصب لفكر ، أو انتماء لجماعة أو حزب .
إن الإسلام قد علمنا وأرشدنا إلى أن نسير على بصيرة في حياتنا ، وفى دعوتنا ، لا منغلقين ، ولا مكتوفي الأيدى ، ولا معطلى الفكر ، قال تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )
[يوسف : 108] ، إن الدعوة في الجماعات تقوم على فكرة الإلزام بالسمع والطاعة دون تفكير أو تمعن ، حتى وإن تعارض ذلك مع القرآن والسنة!! ، إن الإسلام دعانا إلى طاعة الله وحده ، وطاعة نبيه من بعده ، وشرط طاعة اولي الأمر فيما لا يخالف طاعة الله ورسوله >
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [النساء : 59] ، وبين النبي صلى الله عليه وسلم عن طاعة المخلوق إذا ما تعارضت مع طاعة الخالق سبحانه ، عَنْ عَلِىٍّ (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً فَأَوْقَدَ نَارًا وَقَالَ ادْخُلُوهَا. فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا وَقَالَ الآخَرُونَ إِنَّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا « لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ».
وَقَالَ لِلآخَرِينَ قَوْلاً حَسَنًا وَقَالَ « لاَ طَاعَةَ فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِى الْمَعْرُوفِ ». البخاري ومسلم .
لكن هؤلاء الأفراد قد انكبوا على الشباب ، فلوثوا فكرهم ، وأعموا أبصارهم ، وسيطروا على عقولهم ، حتى صار الشاب معتقدا فيهم أن كلامهم وفكرهم هو المقدم دون غيره ، فاتبعهم على غير هدى من الله ، سالكا مسلك اليهود والنصارى في اتباعهم لغيرهم من علماء غير ربانيين ، قال تعالى : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ) [التوبة : 31] .
هل الانتماء للجماعة يتعارض مع الانتماء للوطن؟
يتضح لنا جميعاً أن المنتمي لجماعةٍ داخل المجتمع لا يمكن أن يكون له انتماء للوطن، ذلك بأن فكرة الجماعة تتعارض مع صورة المجتمع المسلم انتماءً وثقافة وتوجهاً . وبالمقارنة بين الجماعة والمجتمع تتضح لنا هذه الصورة:
1- الفرد في الجماعة يكون ولاؤه وانتماؤه لمرشد الجماعة وليس لله ورسوله والمؤمنين
الفرد في المجتمع المسلم ولاؤه لله وانتماؤه لبلده ووطنه ، قال تعالى:( لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ . وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ) [البلد : 1 ، 2]
2- الفرد في الجماعة : يعطي حقوق الأخوة التي أمرنا الله تعالى بها لأفراد الجماعة دون بقية الناس ، فأخوته قاصرة على من هم مثله في الإنتماء.
أما الفرد في المجتمع :كل أفراد المجتمع بالنسبة له أخوة ، تربطه بهم صلة الأخوة الإيمانية التي لا تنفك عنهم بحال ، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) [الحجرات : 10]
3- الفرد في الجماعة يتدرج فكره حتى يشعر بأنه المسلم ، وباقي الناس كفارا ، أو غير ملتزمين على أقل تقدير ، فيتعالى عليهم ويتباهى بفعله .
أما في المجتمع : يتمثل الفرد هنا وصية النبي صلى الله عليه وسلم التي أشار فيها بالنظر إلى من هو أقل منه في الدنيا ، بالنظر إلى من هو أعلى منه في الدين .
4- في الجماعة : يعتبر الفرد بفكره المريض أن مباديء الجماعة وتعليمات أميرها هي تطبيق لشريعة الإسلام ومن لم يطبقها يعتبر كافرا أو مرتدا موظفا نصوص القرآن والسنة لهذا الغرض .
أما في المجتمع : يعتب رالفرد أن الإسلام هو الفعل الصحيح الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم وطبق إياه عمليا على أرض الواقع من الوسطية والتسامح والاتزام بما قرره الشرع .
5- ينظر أفراد الجماعة إلى الوطن على أنه تراب لا قيمة له وأن الوطن هو وطن الفكر والعقيدة وبالتالي يمكن أن يحارب بالوطن أو يتنازل عنه ، أو يساوم عليه الوطن بالنسبة للفرد في المجتمع المسلم هو ذلك الكيان الذي يعيش فيه ويحيا في جنباته متعلما حبه من النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف على مشارف مكة مخاطبا إياها قائلا : والله إنك لأحب البلاد إلىّ ….!
إن مجرد تشكيل جماعات دينية في المجتمع المسلم هو جريمة لتقويض الإسلام وضرب الوطن والمجتمع من العمق في العمق.. فلا نستعجب إذاً من تحالف الجماعات الإسلامية مع الاستخراب العالمي والصهيونية كأدوات لتفكيك الوطن العربي !!!
ولا تصدقوهم عندما يطلقون تصريحات معادية لإسرائيل أو الغرب إنهم في الغالب كما يقول المثل المصري سمن علي عسل.