القاهرة – أشرف أبو عريف
* د. نزار مدني: “إذا سلمت مصر سلمنا… وإذا سلمنا فقد سلمت مصر”..
أقام سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية مصر العربية مندوب المملكة الدائم لدى جامعة الدول العربية عميد السلك الدبلوماسي العربي أحمد بن عبد العزيز قطان، أمسية ثقافية “رياض النيل”، حيث كان ضيف الشرف معالي وزير الدولة للشئون الخارجية الدكتور نزار مدني، والذي ألقى محاضرة تحدث عن “السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية”، بحضور عدد من الوزراء والشخصيات العامة والمفكرين والسياسيين والسفراء ورؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير بعض الصحف والكُتاب والإعلاميين.
واستهل السفير “قطان” الأمسية بالترحيب بمعالي وزير الدولة للشئون الخارجية والضيوف الكرام، لافتًا إلى أن الدكتور نزار مدني قد شغل العديد من المناصب ومثّل بلادة تمثيلاً مشرفاً في العديد من المحافل والمنظمات والمناسبات الدولية، كما صدرت له ثلاثة مؤلفات حول رحلته الدبلوماسية والفكر والسياسة، مؤكداً أن لمصر مكانةً خاصةً في قلبه حيث حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عام 1964م.
وخلال محاضرته، تحدث معالي الدكتور “مدني” عن التعريفات والنظريات المختلفة لمفهوم السياسة الخارجية بشكل عام، وأهم العوامل التي تؤثر على اختيارات الدول واتباعها نهج سياسي دون الأخر على صعيد علاقاتها الدولية، والأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية الناجحة.
وفي حديثه عن السياسة الخارجية للمملكة، أكد “مدني” أن هناك ثلاث محاور رئيسية تحدد نهج السياسة الخارجية السعودية أولها “محور الثوابت”، فمنذ أن تأسست المملكة العربية السعودية على يد الملك الراحل عبد العزيز آل سعود وهي تسير على منوال ومنهج ثابت في سياستها الخارجية، والمبادئ الأساسية التي حكمت ولا تزال تحكم هذا النهج لم تتغير أو تتبدل على مر الزمن، وهي تتمثل في أن أي قرارا أول تحرك سياسي خارجي تقوم به المملكة العربية السعودية ينبع أساساً من حقيقة أولية مؤداها أنها جزء من الأمة العربية الإسلامية.
ويُعَد فخر المملكة بانتمائها العربي أحد الركائز الأساسية في السياسة الخارجية لها، وهو انتماء ترتب عليه أن تحمل المملكة لواء الدعوة للتضامن العربي، وأن تكون موئلاً للعرب على جميع الأصعدة السياسية والثقافية والفكرية، وأن تقف بصلابة إلى جانب كافة القضايا العربية. كما تستند السياسة الخارجية للمملكة على مبادئ وقواعد أساسية تتضمن احترامها للمواثيق والتعهدات والاتفاقيات الدولية التي تبرمها مع غيرها من الدول، وتقديرها للدول التي تتبادل معها التمثيل الدبلوماسي، بالإضافة إلى احترامها للمنظمات الدولية التي تنتمي اليها، وتعاملها مع غيرها من الدول على أساس صادق من الاحترام المتبادل، ورعاية المصالح المشتركة، وحل المنازعات بالطرق السلمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وأوضح “مدني” أن السياسة الخارجية للمملكة تتسم بأخذها بالأساليب الجادة المعتدلة البعيدة عن الصخب والضجيج، وعدم تعاملها بوجهين أحدهما معلن والآخر مستتر، ونفورها من الشعارات المضللة والطروحات الجوفاء الخالية من المضمون، إلى جانب ابتعادها عن أساليب المزايدات والانفعال، واعتمادها على معالجة القضايا بالكثير من الهدوء والحكمة العقلانية والتبصر.
وأكد “مدني”، أنه من الثوابت المهمة أيضاً إيمان المملكة العربية السعودية الراسخ بالسلام العالمي، وبالاستقرار الدولي والإقليمي، كهدف أساس من أهداف سياستها الخارجية، ووضع أسس للعدالة في التعامل بين الدول في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لقناعتها الثابتة بأنه بدون الاستقرار لن يتسنى للشعوب تحقيق تنميتها وازدهارها ورخائها.
أما بالنسبة للمحور الثاني وهو الخاص بـ “المتغيرات والمستجدات” على الساحة الدولية، أوضح معالي وزير الدولة للشئون الخارجية، إن هناك عدداً من المستجدات والمتغيرات التي فرضت نفسها على العلاقات الدولية، وحظيت بعناية فائقة من قبل صانعي القرار السياسي في المملكة، ويتم التعامل معها بكثير من الموضوعية والحكمة والاهتمام، ومنها قضايا الإرهاب، وحوار الحضارات، وتأثير ثورة الاتصالات والمعلومات على أساليب الدبلوماسية المعاصرة، والتغير في هيكلية العلاقات الدولية، بالإضافة إلى قضايا الطاقة والبيئة والمناخ والأزمات المالية العالمية، أردف “مدني” قائلاً: “لمّا كان المجال لا يتسع للحديث عن جميع هذه القضايا، فإنني سوف أكتفي هنا بإلقاء بعض الضوء على ثلاثة قضايا منها فقط”.
ثم تحدث “مدني” عن قضية “مكافحة الإرهاب”، قائلاً: “اتخذت المملكة العربية السعودية من ظاهرة الإرهاب موقفاً صلباً وقوياً بغية مكافحتها واحتواء آثارها المدمرة، فلقد دأبت المملكة على إدانة الإرهاب بجميع أنواعه وأشكاله، وضمت جهودها إلى جانب الجهود الدولية المبذولة للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي لا يمكن مكافحتها إلا من خلال عمل دولي متفق عليه يكفل القضاء عليها ويصون حياة الأبرياء ويحفظ للدول سيادتها واستقرارها، وقد أثمرت الجهود الحثيثة التي بذلتها المملكة في هذا الصدد عن الموافقة على اقتراحها بإنشاء المركز الدولي لمكافحة لإرهاب في إطار منظمة الأمم المتحدة.
وحول قضية “حوار الحضارات”، قال معالي الدولة للشئون الخارجية: “في هذا الإطار دأبت المملكة العربية السعودي على المطالبة بالتعاون الدولي الجاد في سبيل إيجاد المناخ الصحي لنشر قيم الحوار والتسامح والاعتدال، وبناء علاقات تعاون وسلام بين الثقافات والشعوب والدول، والتحذير من التطرف والغلو والتعصب والاقصاء، فعلى المستوى الوطني أسست المملكة مركزاً دائماً للحوار الوطني يجمع كافة أطياف الوطن وتياراته، وعلى الصعيد الدولي بادرت المملكة إلى الدعوة للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، ودعت في سبيل بلورة هذا التوجه الجديد، إلى مؤتمر مدريد للحوار، كما دعت إلى الاجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة للغرض ذاته، وقد أسفرت هذه الجهود عن تأسيس “مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات” في مدينة فيينا”.
وعن قضية المساعدات الاقتصادية والإنمائية والإغاثية، أكد “مدني” أن المملكة لا تتردد في تقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية لأي مناطق في العالم تتعرض للكوارث طبيعية كانت أو إنسانية، وسجلها في هذا المجال معروف وموثق، ولهذا الغرض فلقد أنشأت المملكة مؤخراً “مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية” والذي اكتسب سمعة دولية مرموقة، وبات واجهة مشرفة للعمل الإنساني والإغاثي الذي تتبناه المملكة على الصعيد الدولي.
ثم انتقل معالي الوزير للتحدث عن المحور الثالث الذي أشار إليه في البداية وهو “محور التحديات”، مؤكداً أن التهديد الإيراني للأمن والاستقرار في المنطقة يأتي في مقدمة هذه التحديات، مشيراً إلى تدخل إيران السافر في الشؤون الداخلية للدول، قائلاً: “منذ قيام ما يُسمى بالثورة الإسلامية في إيران في عام 1979م، وحتى الآن وجدت المملكة العربية السعودية نفسها في مواجهة مستمرة مع التحدي الإيراني الذي أخذ عدة أشكال وصور، ابتداءً من إفرازات الحرب العراقية الإيرانية، ومروراً بعبث ما يسمى بحزب الله المدعوم من إيران في الساحة اللبنانية، وما تمارسه إيران من أنشطة محمومة وتخريبية في الخليج والبحرين، بالإضافة إلى تدخلاتها السافرة والمباشرة في العراق وسوريا، وانتهاءً بالأوضاع الخطيرة التي يجتازها اليمن حالياً”.
وتحدث “مدني” عن تحدٍ أخر، واجهناه ونواجهه في صور وأنماط مختلفة مثل “القاعدة” و”داعش” و”النصرة”، وغير ذلك من منظمات إرهابية وميليشيات مسلحة تعيث في الأرض فساداً وتبث الرعب والدمار وتثير النزاعات الطائفية والفتن المذهبية وتهدد الأمن الفكري الذي يهدد مستقبل أجيالنا الشابة، وجوهر معتقداتنا، ومرتكزات شخصياتنا الوطنية.
وأضاف قائلاً: “من التحديات التي واجهناها أيضاً هو تحدي إفرازات ما يسمى بـ “الربيع العربي” الذي تحول فعلياً وواقعياً إلى خريف عاصف وجدت مختلف التيارات والجماعات الخارجة عن السلطة فيه وسيلة للوثوب إلى السلطة، والتحكم في مصائر الشعوب والبلدان.”
وآثر معالي الدكتور “مدني”، أن يتحدث عن العلاقات السعودية – المصرية في نهاية المحاضرة، واصفاً إياها بـ “الحلو” الذي يأتي في نهاية أي مأدبة طعام، مؤكداً على صلابة وقوة هذه العلاقة الأبدية قائلاً: ” أننا في المملكة العربية السعودية نؤمن أن مصر منا ونحن منها. ديننا ودينها واحد.. قرآننا وقرآنها واحد.. نزل به الروح الأمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومازال يتلوه ليل نهار قراء مسلمون في القاهرة والإسكندرية وفي أسوان وطنطا. وطنها ووطننا قطعتان من هذا الشرق الأصيل بعاداته وتقاليده وحضارته وثقافته.. وماضيها وماضينا فصلان من كتاب واحد في تاريخ العرب والمسلمين.. تاريخها وتاريخنا مشترك.. جربنا فيه سراء الحياة وضرائها، وتلاقت أهدافنا لنصرة المُثُل العليا التي كنا جميعاً ولا نزال نؤمن بها وندافع عنها.”
وأضاف قائلاً: “نحن إلى كل ذلك أنسباء وأقرباء، فكم من مواطنين في بلادنا يمتون إلى المصريين بخئولة، وكم من مواطنين في مصر يمتون إلينا بعمومة، فقد اختلطنا نسباً وصهراً، واندمجنا أسراً وعائلات. ونحن اليوم من مصر كما كنا وكما سوف نظل.. أخوة مخلصون لأخت خالصة العرق والنسب.. وها أنتم في هذه الأمسية تحملون إلينا حنين الأخت البرة الوفية، وها نحن نحما إليكم مثل ذلك الحنين.”
واختتم معالي وزير الدولة للشئون الخارجية محاضرته مؤكداً: “إذا سلمت مصر سلمنا.. وإذا سلمنا فقد سلمت مصر.. فنحن لها الدرع الواقية، وهي في موقعها الرابض درع لنا، فلقد اتحدت مصائرنا إذاً على الحالين، وارتبطت أواصرنا.. أواصر الأخوة في الحاضر، كما كانت في الماضي، وكما لابد أن تظل أبداً.”
وفي ختام الأمسية الثقافية، تقدم معالي السفير “قطان” بالشكر لمعالي الدكتور نزار مدني على محاضرته القيّمة، مقدماً له هدية تذكارية عبارة عن “درع رياض النيل”.