مهند أبو عريف
* سلطنه عمان مركزا للتبادل التجارى فى القارة السمراء..
* مسقط واحدة من أهم مراكز التجارة في المحيط الهندي..
تمتعت سلطنه عمان منذ آلاف السنين بعلاقات تجارية وبحريه مع العالم من خلال الأساطيل البحريه التى كانت تملها ومن المتوقع أن تلعب الموانئ العمانية دورا أكبر في المرحلة المقبلة في إطار حركة السفن والناقلات العملاقة النشطة التي تجوب أنحاء العالم متخذة من الموانئ والمناطق الحرة في سلطنة عمان مركزا لعملياتها التجارية المتجهة إلى المنطقة والقارة السوداء، بجانب موانئ الدول الآسيوية. وقد ساهم الموقع الإستراتيجي لسلطنة عمان في تعزيز هذا النشاط، فيما يمثل النشاط البحري والتجاري عبر العصور أحد العوامل الدافعة لازدهار الموانئ العمانية، خاصة بمدينة مسقط ومطرح وقلهات وصحار وسمهرم بصلالة وغيرها من المدن الساحلية الأخرى.واشتهرت بتجارة النحاس وأقيمت على مدنها الساحلية صناعة القوارب ومرافئ الصيد، ووفرت بالتالي ملاذا آمنا للسفن من تقلبات الطقس، وانتعشت بتجارة اللبان مع مملكة سبأ والهند ومصر وروما والصين وغيرها من الدول الأخرى . ووصل البحار العماني أبو عبيدة عبدالله بن القاسم الذي يعتقد بأنه البحار الشهير بـ «سندباد» إلى الصين حيث أقام مجتمعا تجاريا في مدينة كانتون . كما أن البحار العماني الشهير أحمد بن ماجد كان من أمراء البحار في القرن الخامس عشر، وهو الذي أرشد فاسكودي جاما على طريق رأس الرجاء الصالح وما حوله. وكانت مسقط كواحدة من أهم مراكز التجارة في المحيط الهندي في عهد الإمام أحمد بن سعيد وخلال حكم ابنه السيد سلطان بن أحمد توسعت المناطق التي تسيطر عليها عمان لتشمل العديد من المدن الساحلية على شاطئ الخليج و بحر عمان وبحر العرب. وقد وصلت السفن العمانية الى مدن بعيدة في العالم بما في ذلك مدينة لندن ومدينة نيويورك، وفي عام 1834م أهدى السيد سعيد بن سلطان البارجة ليفربول وعليها 74 مدفعا إلى الملك وليم الرابع كهدية منه للتاج البريطاني، فيما وصل أحمد بن نعمان الكعبي في عام 1840م إلى نيويورك على متن السفينة التجارية (سلطانة ) مبعوثا إلى الولايات المتحدة.
وأصبحت سلطنة عمان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أمبراطورية بحرية بامتلاكها السفن وأحدث الأنظمة الملاحية والبحرية، وهناك العديد من الوثائق التي تشير إلى مسقط كميناء هام في أوائل القرن الأول عندما أشار إليها عالم الجغرافيا اليوناني بطليموس باسم «الميناء الخفي»، فيما تشير وثائق أخرى للقرن التاسع بأن مسقط كانت ضمن طرق الملاحة من الخليج إلى الصين ونقطة حيوية في هذه الطرق للتزود بالمياه والمؤونة. ومع العصر الجديد بدأت السلطنة حقبة جديده في تاريخها البحري، من خلال العمل على إنشاء أول ميناء تجاري حديث ألا وهو ميناء السلطان قابوس بمطرح الذي اكتمل بناؤه في عام 1974. وكان إنشاء هذا الميناء خطوة مهمة في سبيل استعادة السلطنة لمجدها البحري العريق، في الوقت الذي شهدت فيه السلطنة إنشاء العديد من الموانئ التجارية والمناطق الصناعية والاقتصادية. فخلال العقدين الماضين تم إنشاء عدة موانئ حديثة وبجانبها مناطق اقتصادية وصناعية مثل الميناء والمنطقة الحرة بصلالة، وميناء والمنطقة الصناعية بصحار، ومنطقة الدقم الصناعية التي أصحبت مركزا للصناعات والخدمات بجانب تخصصها في إصلاح السفن التجارية والنفطية من خلال مركز الحوض الجاف بالمنطقة.وتساهم هذه الموانئ العمانية وما زالت في حركة العولمة والتجارة والاقتصاد العالمي، الأمر الذي يتطلب تعزيز الجهود الوطنية لمزيد من التنمية والتطوير لهذا القطاع واختصاصاته وتكامله، سواء في أغراض الشحن أوالتفريغ والإنزال والترانزيت والسياحة بجانب العمل على إيجاد التكامل فيما بينها لتصل ثمار هذا التعاون إلى جميع المحافظات العمانية . فالحكومة من جانبها تبدى اهتماما بالقطاع اللوجستي عامة ، فيما بدأ القطاع الخاص يلعب دوره المرجو من جانبه في تعزيز عمليات الاستيراد والتصدير المباشرة للمنتجات والسلع من وإلى السلطنة ، وهو الأمر الذي يساعد بالتأكيد ، على تحقيق قفزات نوعية في أداء هذه الموانئ خلال السنوات المقبلة.لقد تم التركيز على جميع هذه القضايا خلال المؤتمر الأخير الذي عقد بمسقط تحت عنوان «مؤتمر عمان للموانئ» بحضور ممثلي عدد من الدول الشقيقة والصديقة الذين أكدوا على أن الموانئ العمانية أصبحت اليوم محط أنظار العالم نتيجة للخدمات المتميزة التي تقدمها للمؤسسات والشركات البحرية، في الوقت الذي سجلت هذه الموانئ نموا مستمرا في أعمالها بسبب زيادة عدد الخطوط الملاحية القادمة والمغادرة لهذه الموانئ. ومن هذا المنطلق عبرت الدول المشاركة عن رغبتها في تعزيز التعاون مع السلطنة انطلاقا من الأهمية الإستراتيجية لهذه الموانئ والخدمات المتوفرة بها، ورغبتها في تطوير البنية الأساسية لها، واستغلال فرص الاستثمار بها، خاصة وأن الموانئ العمانية تتميز بوقوعها خارج مضيق هرمز وانفتاحها على البحار المفتوحة وقربها الشديد من خطوط الملاحة البحرية العالمية .ونظرا للأهمية التي تبديها سلطنة عمان للقطاع اللوجستي عامة والموانئ البحرية بصفة خاصة، فقد خرج المؤتمر بعدة توصيات هامة لتعزيز البنية التحتية للموانئ العمانية منها الإسراع في إنشاء ممرات تجارية بحرية مع الأسواق الناشئة، من أجل الاستفادة من معدلات النمو الاقتصادي المُرتفعة في هذه البلدان، وبما يحقق العوائد الاقتصادية المأمولة، بالإضافة إلى تعزيز وتيرة الأعمال الداعمة لنموها سواء من حيث تقديم خدمات التعبئة أو التغليف أو غيرها من الخدمات الأخرى، بجانب العمل على تبني التقنيات الحديثة لإدارة قطاع الموانئ بما يُعزز من سهولة الإجراءات وزيادة حركة التجارة البحرية. كما يستهدف هذا النشاط إلى القيام بإطلاق حملات ترويجية للموانئ العمانية في الخارج، بُغية تعريف المستثمرين بالمقومات التي تزخر بها السلطنة، والعمل على استقطاب الخطوط الملاحية ورؤوس الأموال إلى البلاد. ومما لا شك فيه فان تطوير حركة الشحن تحتاج إلى مزيد من الأنظمة المرنة في الإجرءات والتفتيش وعمليات التخليص والشحن والتفريغ وتسهيل حركة دخول وخروج الشاحنات لاستقطاب مزيد من السفن العملاقة إلى هذه الموانئ، في الوقت الذي أبدت فيه عددا من الدول المشاركة تعاونها مع السلطنة في هذا الإطار ودعم هذا القطاع الحيوي ، وتقديم مختلف نظم التشغيل المستخدمة والخبرات اللازمة في قطاع الموانئ العالمي، الأمر الذي يتطلب جذب مزيد من الاستثمارات من جهة، واستغلال فرص التعاون الحيوي من جهة أخرى ، خاصة وأن معظم الموانئ العمانية أصبحت اليوم تتمتع بمساحات شاسعة لعمليات المناولة والتخزين ، وبالإمكانيات البشرية القادرة على تطبيق آخر ما وصلت إليه تكنولوجيا إدارة الموانئ وبما تتميز بها من موقع جغرافي فريد وهام في المنطقة.