رأى

الاضطرابات الإيرانية.. فشل فرضية

استمع الي المقالة

تناول الخبير والمحلل السياسي الإيراني، سعد الله زارعي، موضوع الاضطرابات التي شهدتها إيران مؤخرا والتي استمرت لمدة 5 أيام في بحث يعكس وجهة نظر علمية، عملية وداخلية تجاه الأحداث.. علما أن هذا البحث يُنشر لأول مرة.
وقام بترجمتها السيد/ ياسر  الخيرو للعربية، الباحث في الشؤون الاقليمية ومسؤول العلاقات العربية في مركز نور للابحاث الاستراتيجية- طهران علي النحو التالي:

على مدى العقود الأربعة الماضية، كانت الثورة الإيرانية أكبر الهواجس الفكرية لأمريكا، بريطانيا، الكيان الصهيوني والغرب عامة، أعقدها وأكثرها تأثيرا، وتوحي المؤشرات والأدلة على أن هذا سيستمر في العقود المقبلة.

اعتبرت الثورة الإسلامية الإيرانية “المشكلة الأكبر” طوال الفترات الرئاسية لجيمي كارتر، رونالد ريغان، جورج هيربيرت ووكر بوش(بوش الأب)، بيل كلينتون، جورج دبليو بوش (بوش الابن)، باراك اوباما ودونالد ترامب وأقرانهم في بريطانيا، فرنسا، المانيا، الكيان الصهيوني، السعودية وأتباعهم على الصعيد الدولي والاقليمي. إن الهزائم المتلاحقة التي تعرضوا لها وثبات النظام الإسلامي الذي ولد من رحم الثورة الإسلامية، وطراوة هذا النظام ونشاطه المتصاعد يوما بعد يوم، يعكس مدى تعقيد هذه المواجهة. إن تصدر إيران لمناشيت المحافل السياسية، الاستخبارية والاعلامية الغربية وتلك التابعة للغرب، وكلامهم عن إيران وثورتها، جعل من الأخيرة ظاهرة مدوية، وهذا التركيز على إيران يعكس انتصارها على الغرب. فلو كان العداء الغربي والمتواصل بمختلف انواعه و اشكاله قد انتصر على إيران، لتراجع اسمهما في محافل الجبهة الغربية.

ثورة شاملة

عندما تواجه ثورة، نظام او دولة ما، جبهة من العداء الشديد، فإنها تسخر جميع امكانياتها وطاقتها من اجل البقاء والتغلب على التهديدات، وبذلك تتوقف حركة الاصلاح الداخلي فيها، ولتواجه لاحقا تحديات داخلية ثم تسقط و تخرج من المشهد. إيران تطورت خلال “المواجهة الساخنة” مع الغرب واعتراف العدو بذلك؛ ومن الأمثلة على تقدم إيران خلال سنوات المواجهة: تحقيق الديمقراطية في الداخل، زيادة نفوذ قائد الثورة، التقدم العلمي ومواكبة التقدم العلمي العالمي، تحقيق منجزات كبيرة في مجالي الصناعة والدفاع بالإضافة الى المشاركة الفاعلة في حل المشاكل الاقليمية المعقدة مما يثبت أن الثورة الإسلامية الإيرانية لم تغفل عن المضي قدما رغم مواجتها هجوما واسعا وغير مسبوق من قبل اعدائها. إن المشاركة الشعبية الكبيرة والدائمة للدفاع عن الثورة، والنجاح الكبير الذي حققته إيران في “الحل السريع” وقليل الكلفة لأزمتي العراق وسوريا عزز هذا الموقع الداخلي القوي وزاد من نجاح إيران على المستوى الاقليمي.

الهجوم والهجوم المضاد

من الواضح جدا أن الثورة الإيرانية والنظام الذي نشأ عنها لطالما كانا في موقع الهجوم. يعد الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) مثالا لموقع الثورة الإسلامية الهجومي. فلولا التقدم السريع والأصيل للعلوم النووية الإيرانية، لما طرح الملف على طاولة دولية للحوار ولما تم الاتفاق، ولولا قدرة إيران في حل معضلة الارهاب التكفيري ذات المنشأ الخارجي والتي تغذت ونمت في ظل الرعاية الأجنبية، لما كان الأعداء ليسعوا الى فرض العقوبات على القدرة الدفاعية الإيرانية والنظام الصاروخي الإيراني القوي. كذلك لو لم يكن الوضع في الداخل الإيراني مستقرا، لما قاموا بفتن داخلية متتالية وأثاروا أعمال شغب. بالإضافة الى ذلك، لو لم يكن العدو في موضع “الهجوم المضاد” لما فشلت جميع مساعيه الرامية لتأجيج الوضع الداخلي في إيران واحباط جهود إيران لاقامة السلام وبسط الأمن.

شهدت إيران اعمال شغب في الأيام الأخيرة من ديسمبر في عام 2017 الذي شهد اقامة انتخابات رئاسية حماسية، آمنة وتعددية، وكانت هذه الانتخابات حرة الى درجة شجعت الغرب على التدخل والتأثير على النتائج، ولكنه لم ينجح في ذلك. إن هذه الانتخابات واعادة انتخاب الرئيس روحاني عكست الاستقرار في إيران والدعم الكبير من قبل عشرات الملايين للنظام السياسي وقادته، وأي معيار اوضح من مشاركة قرابة 40 مليون فرد في انتخابات حرة. كما أن اعمال الشغب الداخلية فشلت اثر نزول الملايين من ابناء الشعب إلى الشارع، وهذا بدوره يعد دليلا آخرا على القوة الداخلية للنظام وشعبية قادته وسياساته، بصورة خاصة في الشؤون الاقليمية والدولية التي استهدفها مثيرو أعمال الشغب. وبالنظر الى الماضي والحاضر يمكن القول أن هذا النظام وعلى الرغم من المشاكل الحاصلة سيبقى حيا و مثمرا في إيران خلال العقود القادمة.

الأيادي العابثة

وفقا لدراسات دقيقة ومتعددة الجوانب، وبدراسة هويات العناصر التي شاركت في اعمال الشغب والعلاقات المؤسساتية بينهم ومصدر تغذية هؤلاء، يتضح ان ثلاث أطراف لعبت دورا في ما حصل وهي الولايات المتحدة، الكيان الصهيوني والحكومة السعودية.

إن العداء الأمريكي والصهيوني للثورة الإيرانية وسياساتها في المنطقة أمر واضح للجميع ولا حاجة لاثباته. كما أن المواقف التي اتخذها الزعماء البارزون من الطرفين خلال الاضطرابات تعكس دورهم الكبير فيها. خلال خمسة أيام من الاضطرابات المحدودة في قرابة 60 مدينة إيرانية، أعلن دونالد ترامب أنه آن أوان التغيير في إيران، وأعلن بطريقة خارجة عن المبادئة الديمقراطية أنه يدعم معارضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية بجميع الامكانيات. أما المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة، السفيرة نيكي هيلي، والتي يفرض عليها موقع الدبلوماسي أن تكون ذات خطاب أكثر ديمقراطية بالمقارنة مع المسؤولين الأمريكيين الآخرين، فقد أعلنت هي الاخرى في بيان رسمي  أنها تطالب الشعب الإيراني والساخطين من الأوضاع الاقتصادية أن يلتحقوا بمثيري أعمال الشغب، وقالت أن الحكومةالإيرانية يجب الا تفرض قيودا على برامج التراسل.

    لكن إذا عدنا بالذاكرة عدة شهور الى الوراء فإننا سنعثر على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون في 14 يونيو 2017 حيث أكد في كلمة أمام الكونغرس الأمريكي على ضرورة بذل المزيد من الجهود للحد من توسع النفوذ الإيران في المنطقة والسعي لاحباط الحرب الإيرانية على الإرهابيين في العراق وسوريا، وتكلم بصراحة عن “دعم عناصر داخل إيران تسعى لتغيير النظام السياسي” باعتبارها “سياسة أمريكا في ظل حكومة ترامب”، ثم اختتم بالقول أن “حكومة ترامب تسعى لتغيير الحكومة في إيران”. وبعد ذلك بـ 27 يوما، وفي 11 يوليو  2017 تكلم وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس عن قرب اقامة علاقات ثنائية إيجابية بين واشنطن و طهران عن طريق اسقاط نظام الجمهورية الإسلامية وقال: “يجب أن يتغير النظام الحاكم في إيران”.

كذلك يسير أتباع أمريكا على الصعيد الدولي مثل بريطانيا، المانيا، كندا والاتحاد الأوروبي على مسار “خط تغيير نظام إيران” ولكن بمواقف أقل حدة.

وفي هذا الصدد على الرغم من أن السعودية كانت تفضل أن توكل الى وسائل الاعلام وبصورة خاصة وسائل التواصل الاجتماعية التي تدعمها، مهمة دعم مثيري الشغب وتشجيعهم على تغيير النظام السياسي في إيران، وأن تمتنع عن اتخاذ موقف رسمي، ولكن هناك ادلة مهمة تشير الى تمويل سعودي مسبق من اجل تغيير نظام إيران وسياساتها، بالإضافة الى أدلة عن اعلان الرياض تحملها نفقات التغيير في إيران خلال لاضطرابات التي استمرت لمدة 5 أيام.

إن تصريحات محمد بن سلمان بعد يومين من انتهاء الاضطرابات وفشلها، تؤكد الى حد كبير المشاركة الجادة للأجهزة الاستخباراتية والسياسية السعودية في هذا الحدث؛ حيث قال بن سلمان في حوار مع صحيفة أوروبية: “حرس الثورة قمع الاحتجاجات الدخلية في إيران وسلب الشعب فرصة تغيير النظام”.

    وعلى الصعيد الداخلي الإيراني، لعبت مجموعتان دورا رئيسيا في الاضطرابات، وهما المجموعتان اللتان حظيتا على مدى عقود بدعم سياسي ومالي أمريكي، بريطاني، سعودي وصهيوني، وهما منظمة “مجاهدي خلق” التي قامت بعمليات ارهابية أدت الى استشهاد قرابة 17000 مواطن إيراني فاشتهرت باسم “المنافقين”، والمجموعة الأخرى هي مجموعة دعاة الملكية الذي يحاولون العودة بإيران الى الوراء. ان هويات الوجوه الرئيسية في الاضطرابات الأخيرة بإيران تكشف أن 40 في المائة من مثيري أعمال اشغب ينتمون الى المجموعة الأولى و20% آخرون ينتمون الى المجموعة الثانية؛ كما أن دراسات أخرى أوضحت أن 76% من رسائل وسائل التواصل الاجتماعي في تويتر وغيره جاءت من خارج الحدود الإيرانية وبصورة خاصة من السعودية واقليم كردستان العراق وأغلبها أرسلت من قبل المجموعتين آنفتي الذكر، أي “المنافقين” ودعاة الملكية.

النظرة الإيرانية الى المستقبل

لسنا نبالغ إذا قلنا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تتفاجئ بما تم التخطيط له وتنفيذه خلال العقود الأربعة الماضية ويشمل ذلك الاضطرابات الأخيرة المحدودة.

    إن حركة الثورة الإسلامية وقائدها من أجل احباط مؤامرات الأعداء مبنية على أساس احباط عنصر المفاجئة، على سبيل المثال، بتوقع الاضطرابات بعد قيام الثورة، قام الإمام الخميني بتشكيل حرس الثورة الإسلامية في الأيام الأولى التي تلت انتصار الثورة، وبتوقعه تعرض البلاد لهجمة من قبل العراق، أمر بتشكيل “قوات التعبئة الشعبية” قبل انطلاق الحرب بعشرة أشهر وقال: يجب أن تكون لدينا قوات تعبئة شعبية من 20 مليون مقاتل.

وكذلك تكهن الإمام الخامنئي بالاضطرابات الاقليمية والممارسات الأمريكية في المنطقة، وقبل عشر سنوات من احتلال أمريكا لأفغانستان والعراق، أمر الإمام الخامنئي بتأسيس قوة القدس، أي في عام 1990. وفي الأحداث الأخيرة وقبل حصول الاضطرابات بمدة وجيزة، قال السيد الخامنئي خلال لقائه أعضاء مجلس تنسيق التبليغ الإسلامي: “إن حرب الأعداء ضد الشعب الإيراني في مجالات مختلفة، حقيقة، وإذا غفلنا عن ذلك فإن الطرف المقابل يقظ وحذر وسينفذ خطته. من المهم أن نتكهن بخطط الأعداء في كل مرحلة ونفهمها وأن نتخذ خطوات وقائية.”

وبعد نهاية الاضطرابات وخلال لقاء في التاسع من يناير 2018 مع أهالي مدينة قم، توقع الإمام الخامنئي أن فشل خطة الأعداء في هذه الاضطرابات لا تعني أن الأمر انتهى، وإن العدو سيحاول ركوب موجة سخط الشعب من المشاكل الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية الحقيقية. ووجه امرا للأجهزة الأمنية وجهاز الشرطة بالتمييز بين “المطالب الحقيقية” الشعبية والاحتجاج على ارتفاع الأسعار وبين “عمليات التخريب الهمجية”.

وهنا يجب أن نلفت الى أن أعداء الثورة الإسلامية تصرفوا كالمبتدئين وبطريقة مكشوفة مما سَهَلَ توقع الاضطرابات الموجهة واستغلال العدو للبنية الداخلية وبعض المطالب الاقتصادية. على سبيل المثال قبل 18 شهرا من الاضطرابات في إيران، شارك المسؤول الاستخباري السعودي، “تركي الفيصل” في يونيو 2016 في الاجتماع السنوي لمنظمة مجاهدي خلق التي كان لها الدور الميداني الأكبر في الاضطرابات الأخيرة، وخلال مشاركة الفيصل في الاجتماع قال: “معاداة الجمهورية الإسلامية الإيرانية يعد أكبر مفاخري، وسنساعدكم في تحقيق هدف اسقاط النظام السياسي الإيراني”.

علامات المصدر الخارجي للاضطرابات

إن مشاكل الولايات المتحدة الأمريكية، الكيان الصهيوني، اللحكومة السعودية وأتباعهم الدوليين والاقليمية مع نظام الجمهورية الإسلامية والمواضيع الخلافية معها واضحة؛ أصل النظام، المقاربة الإسلامية، الاستقرار الداخلي، القائد الفذ، التقدم العلمي والاقتصادي والسياسي للنظام، حرس الثورة السلامية ودوره الفعال في مواجهة خطط الولايات المتحدة الامريكية وأعوانها للتدخل في شؤون المنطقة وبصورة خاصة دور قوة القدس الإيرانية في تهديد مستقبل الكيان الصهيوني واستمراره.

    بالنظر الى ما حصل في الاضطرابات المحدودة التي شهدتها إيران نرى استهدافا لقائمة الأهداف اعلاه في الشارع، هتافات مطالبة باسقاط النظام، مهاجمة قيادة الثورة، احراق علم إيران من قبل جماعات كانت تدعي أنها إيرانية، احراق المساجد وأماكن العبادة الأخرى، احراق القرآن، الاعتداء على رجال دين بالضرب، هتافات ضد الدور الإيراني في المنطقة، تمزيق صور الجنرال قاسم سليماني الذي يعد رمزا لمقاومة شعوب المنطقة ضد المخططات الأمريكية والصهيونية، جميع هذه الأمور تفوح منها روائح اجنبية، وهذ هو السبب الذي دفع المحتجين الذين خرجوا في اليومين الاول والثاني للاعتراض على موجة الغلاء الجديدة وكانت لهم مطالب حقة الى أن يتراجعوا ويتركوا الجماعات المعادية بمفردها مما سهل على النظام انهاء المؤامرة الأمريكية، الإسرائيلي السعودية. ورغم استمرار السخط الشعبي من ارتفاع الأسعار إلا أن انهاء أعمال الشغب لم يستغرق سوى 3 أيام، كما أن موجة الدعم الشعبي والمظاهرات المليونية الرامية لدعم النظام ورفض أعمال الشغي أنهت أمر مثيري أعمال الشغب.

    وتجدر الإشارة الى نه كان هناك قاعدتين فعالتين في أربيل وهرات خلال مدة الاحتجاجات، حيث كانتا تديران الاضطرابات، وكانتا تهدفان الى ادخال جماعات ارهابية مسلحة ومدربة الى الداخل الإيراني عن طريق الحدود الجنوب شرقية والشمال غربية.

    ونقلت مصادر إيرانية مطلعة أن: المسؤول عن ملف إيران في وكالة الاستخبارات الأمريكية، السي آي إيه “مايكل بي اندرا” زار اربيل العراقية وهرات الأفغانية عدة مرات في الأشهر القليلة الماضية، والتقى في مراكز بهذه المدن مع جماعة مجاهدي خلق “المنافقين” والجماعة المعروفة ببت العدل. وفي هذه اللقاءات شرح له أن من المقرر أن تبدأ المظاهرات في مدن إيرانية صغيرة، ومن ثم تتحول الى أعمال عنف بدخول الجماعات المسلحة، على أن تتصاعد عن طريق ادعاء مقتل أفراد.

حقيقة الاضطرابات في إيران

تعاني الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومثل سائر البلدان من مشاكل، قيود وظروف خاصة، ومن الناحية الاقتصادية فإن جميع البلدان وبصورة خاصة بلدان غرب آسيا تخوض غمار مواجهة مع العديد من المشاكل. وفي هذا الصدد فإن المشاكل التي تواجهها إيران أخف وطأة بالمقارنة مع مشاكل البلدان المحيطة بها. فما تزال أسعار المواد الغذائية، الأدوات المنزلية وتكاليف النقل، العلاج والدراسة..الخ في إيران أقل مما هي عليه في بلدان الجوار؛ كما أن معدل دخل الإيرانيين أعلى من معدل دخل المواطنين في البلدان المحيطة بإيران.

ومن ناحية أخرى؛ فان أوضاع المعيشية للشعب الإيراني شهدت تحسنا كبيرا بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل انتصار الثورة الإسلامية. وأخذ منحني التكاليف-الدخل يتجه باستمرار نحو قيم منطقية. إن امكانية حصول جميع أبناء الشعب الإيران على فرص ومواقع مختلفة  وهو ما يعرف عالميا بمؤشر التنمية، يدل على أن الثورة الإسلامية وسياسات نظام الجمهورية الإسلامية كان لها تأثير إيجابي جدا على حياة الشعب، وإن القيود التي فرضت على إيران أدت الى إبطاء عجلة النظام ولكنها لم تمنعه من الحركة بالصورةالطبيعية. حتى أن قائد الثورة الإسلامية، آية الله السيد علي الخامنئي، قال قبل شهرين في اجتماع مع ضيوف أجانب، إن إيران قد عبرت الظروف الصعبة، وإن الضغوط تتراجع.

    رغم ذلك يجب أن نشير الى بعض الخطأ في بعض السياسات الداخلية ودورها في أعمال الشغب الأخيرة التي شهدتها غيران. الشعب في إيران غير راضٍ عن مسار حركة حكومة الشيخ روحاني. على الرغم من ان سياسة حكومته في كبح جماح التضخم حققت نجاحا لافتا، إلا أنها أدت بالتزامن مع ذلك الى ركود اقتصادي. وفي هذا الصدد، قامت الحكومة برفع تكاليف أغلب الخدمات الحكومية بنسبة تتراوح بين 50 الى 100 في المائة بهدف تحريك عجلة الاقتصاد والخروج من الركود الاقتصادي، إلا أن هذه الحركة لم تكن منطقية، بل تعد صدمة شديدة للسوق. إن سياسة رفع تكاليف الخدمات الحكومية تدفع “اقتصاد الغد” نحو الأفضل، ولكنها تضع “اقتصاد اليوم” أمام تهديد حقيقي، ومن هذا المنطلق، وعلى الرغم من أن الخبراء الاقتصاديين يرون هذه الخطوة ضرورية و بنائة، فإن عموم أبناء الشعب يرون فيها المزيد من الضغط وتراجعا لمستواهم الاقتصادي، مما يجعلهم يقفون بالضد منها.

ويجب أن نلفت هنا الى أن المنافسة السياسية والخلافات الحزيبة في بلد يدار على أساس الانتخابات وأصوات الشعب، تساعد على المبالغة في خحجم المشكلات والعجز  الاقتصادي  وبالتالي قيادة تحركات شعبية مطالبة بالتغيير. إن التركيز الشديد لخصوم الحكومة على العجز الاقتصادي والفشل الاداري والذي تصاعد خلال الأشهر الأخيرة الماضية بعد اعادة انتخاب حسن روحاني رئيسا للجمهورية، قطع الامل في حلٍ سريع للمشاكل الحالية وجعل النظرة المستقبلية للاقتصاد الإيراني تبدو صعبة.

وفي هذا الخضم، ركز الأمريكان بصورة خاصة على “الخلافات الداخلية” الناجمة من الأوضاع الاقتصادية في إيران والنظرة المستقبلية للاقتصاد الإيراني. حيث اعتقد الأمريكان أن التنافس الداخلي سيمزق وحدة الشعب الإيراني، و يعض فئة مقابل فئة. ويرى الأمريكيون أن الضغط على الاقتصاد الإيراني سيعرض الحكومة للمزيد من التحديات، وإن ذه التحديات ستقود المعارضين الى تصعيد المعارضة ضد الحكومة. إن النظريةالأمريكية تنص على أن شرط اسقاط نظام الجمهورية الإسلامية هو تفتت وحدته. وقد اعتمد الأمريكيون في هذا المجال على تجربة عام 2009 الى حد كبير، واتجهوا الى مراجعة سياساتهم آنذاك. أكد ترامب والمسؤولون الأمريكيون المقربون منه أنهم لن يتعاملوا مع الأمر كما في السابق، وسيسخرون جميع امكاناتهم من أجل تأجيج الاحتجاجات الجماعية ومزج التعبير عن السخط بتخريب الأموال العامة وضرب الأمن الداخلي للبلاد.

إن تجربة أعمال الشغب لخمسة أيام من 28 ديسمبر 2017 الى 1 يناير 2018 أثبتت خطأ الفرضية الأمريكية، حيث أن تركيبة الضغوط الاجتماعية بالإضافة الى بعض النتائج الاجتماعية الناجمة عن الديمقراطية لم تتمكن من شق صف النظام الإيراني. إن المواقف المنسجمة التي اتخذها كبار المسؤولون الإيرانيون في مواجهة اعمال الشغب والتدخل المنسجم من قبل المؤسسات ذات العلاقة أثبت أن ايران موحدة.

وفي هذا الصدد، أشاد قائد الثورة الإسلامية بدور الشعب في احباط السياسات الأمريكية ضد إيران، لافتا الى أن مسار الاقتصاد الإيراني مشرق ويبعث الأمل علىالعكس من مبالغة الأعداء حول المشاكل والعجز الاقتصادي وتشويه صورة المسؤولين رفيعي المستوى في البلاد، وإن المسؤولين يعملون بجد من اجل حل المشاكل الحالية في البلاد.

وأشار الى بعض النتائج الاجتماعية للخيار “الديمقراطي” ومساعي الأعداء لاستغلال الثغرات الموجودة في ذلك، مؤكدا: “ أنا أؤمن بالسيادة الشعبية بصدق. إننا نؤمن بالديمقراطية، فكلُّ من ينتخبه هذا الشعب نعتبره رئيساً ومسؤولاً”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى