الضبعة النووية.. الحُلم المنتظر
د. نبيلة سلطان
إستشاري البيئة والطاقة المتجددة
شرعت مصر منذ الستينيات من القرن الماضى فى إنشاء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر بالتعاون مع الجانب الروسي الذى ساعد مصر في إقامة أول مفاعل نووي بحثى ، وقد تصدى الكيان الصهيونى لهذا البرنامج منذ بداياته بكل الوسائل بما فيها العدوان العسكرى عام 1967، وكان الهدف إيقاف البرنامج النووى وغيره من البرامج المتقدمة لتحقيق أهداف الإستراتيجية الصهيونيه و منع أى دولة فى الشرق الأوسط – خاصة مصر- من تنمية قدراتها النووية السلمية بالإضافة للضغوط الإمريكية والتفتيش على المنشأت النووية المصرية خاصةً بعد حادثة تشيرنوبل, ،و إنتشرت حالة من التهويل والتخويف من حدوث تسريبات إشعاعيه وعدم القدرة الكاملة على تأمين المحطة و منع أى تسريب إشعاعى قد يحدث لعدم وجود الخبرة اللازمة.
وفكرت مصر في بناء مفاعل نووي لتوليد الطاقة السلمية وتحلية مياه البحر وتم اختيار منطقة “الضبعة” بمرسى مطروح مكاناً للمشروع لأن “الضبعة” مكان ملائم وآمن جداً، وقريب من المياه يمكن استخدامها لتبريد المحطات النووية. كما أنها أرض مستقرة بعيدة عن حزام الزلزال ما يضمن عدم حدوث تسريب نووي، إضافة إلى أنها تبعد نحو 60 كيلومتراً من التجمعات السكانية، وبالتالي لن تشكل خطورة بيئية أو مجتمعية. ورغم معارضة مجموعة من رجال الأعمال المصريين لعدم إقامة المشروع في “الضبعة “بحجة أنه سيؤثر على السياحة في المنطقة ..لكن الحكومة لم تلتفت لهم وقررت المضي قدماً في بناء المحطة مهما كلفها الأمر.
إعادة إحياء المشروع وأهميته
بعد تسلم الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد السلطة قرر أن يعيد إحياء المشروع خاصة أنه سيحل أزمة الطاقة وتحدياتها ويوفر مايعادل 75% من إحتياجات مصر الكهربائية، إضافة إلى أن المحطة النووية لن تستهلك وقوداً كثيراً مقارنة بمحطات توليد الكهرباء، لكنها ستنتج أضعاف ما تنتجه محطات التوليد من طاقة كهربائية قد تصل إلى 20 ألف ميغاوات للمحطة الواحدة، ولذلك أصر الرئيس السيسي على تنفيذ المشروع مهما كانت الضغوط الغربية والدولية لأن الطاقة تعتبر قضية أمن قومي .
يعتبر مشروع الضبعة هو المشروع القومي الأول لأنه مشروع إنتاج الطاقة الكهربائية دون اللجوء للطاقة الأحفورية من مصادر البترول والغاز الطبيعي والفحم وخلافة .
أين تقع منطقة الضبعة التى سيتم بناء المفاعل على أرضها :
تقع على ساحل البحر المتوسط فى محافظة مطروح وتبعد عن الطريق الدولى مسافة 2كيلو متر ، وسيتم بناء المشروع فى الكيلو135 بطريق مطروح- إسكندرية الساحلى…وسينفذ المشروع على مساحة 45 كيلو متر مربعاً بطول 15 كيلو متراً على ساحل البحر وبعمق 5كيلو مترات.
و كان السؤال أمام القيادة السياسية إلى أين نتجه؟ ومع من نتعاون في إقامة المحطة النووية؟
وكانت الإجابةً روسيا، لأسباب متعددة:
1- لابد من بحث كيفية تأمينها فالأمر جد لا هزل؟ والمفاعل أو المحطة هي هدف في حد ذاته لمن يريدون استهداف مصر، ولذلك كان قرار اختيار منطقة “الضبعة” لإمكانية تأمينها بسهولة وبعدها عن التجمعات السكانية… ولذلك اتخذت مصر كافة الاحتياطات المكانية واختارت الضبعة لتتجنب وصول أي أياد عابثة بالمحطة إليها، كما أنها تستطيع استيعاب أربع محطات نووية طاقة كل محطة فيها ما بين 10 إلى 20 ألف ميغاوات وتستطيع حل تحديات أزمة الكهرباء في مصر.
2- كان اختيار روسيا لأنها دولة صديقة وتدعم مصرمنذ عقود طويلة فهى أول من أنشأت مفاعل أنشاص وساهمت فى إنشاء السد العالى وكانت أول دولة تشاركنا وتساعدنا في بناء البرنامج النووي في الستينيات كما لها علاقات سياسية وإقتصادية قوية مع مصر و تعد الدولة الوحيدة التي تقوم بتصنيع مكونات المحطة النووية بنسبة 100%، ولا تعتمد على استيراد مكوناتها من أي دول أخرى قد يكون بينها وبين مصر عداوة . إضافة إلى أنها دولة قوية يصعب اختراق أمنها بسهولة..
3-لم تضع روسيا أي شروط سياسية على مصر لإقامة المحطة،كما ستنشئ مركز معلومات للطاقة النووية لنشر ثقافة التعامل معها شعبياً، والتشجيع على إنشاء مصانع روسية في مصر لتصنيع مكونات المحطة محلياً وعقد دورات تدريبية للكوادر المصرية على إستخدام التكنولوجيا النووية ونقل الخبرات الروسية للمصريين و إنشاء أول مدرسة نووية لخلق جيل يتعامل مع ما تتطلبه تقنيات المشروع .
4- الإتفاق على إنشاء البنية التحتية للمشرع والتى تشمل برج الأرصاد لقياس درجات الحرارة والرطوبة وإتجاهات الرياح إضافةً إلى مبانى العاملين وأجهزة قياس المياة الجوفية ورصد الزلازل البحرية وإمداد خطوط الغاز والمياة والكهرباء والمياة والإتصالات.
5- وقوف روسيا بجانب مصر في تنفيذ مشروع الضبعة سيسهم بصورة كبيرة في حل ازمة الطاقة وتحدياتها. وتبدأ بناء أولى محطاتها لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية 2018على أن يتم إستكمال المشروع بحلول عام 2022.
توليد الطاقة المطلوبة
الطاقة النووية ستولد الطاقة المطلوبة لمصر بقليل من الوقود المستخدم لتشغيل محطات الكهرباء، وتحقق الفائض الذي يدخل مصر ضمن قائمة الدول المصدرة للطاقة، وإمكانية تحلية مياه البحر ومواجهة أزمة المياه أزمة و توفير فرص عمل للشباب من خلال تنشيط السياحة لأن الطاقة النووية تحافظ على البيئة وتجعل المنطقة مقصداً سياحياً لتوافر الطاقة المطلوبة ووجود بيئة آمنة ونظيفة وتحلية مياه البحر المتوسط وتوفير الكميات التي تحتاجها القرى والمنشآت السياحية.
مزايا المشروع
أهم بنود الاتفاقية التي تم إبرامها مع شركة الطاقة الذرية “روس أتوم”، توفير وسائل الأمن وحماية الدولة من أي أخطار، و التأكيد على أن أرض الضبعة خضعت للدراسات البيئية لأكثر من مرة من خبراء روس ومصريين ودوليين قبل التفكير في المشروع التي أثبتت أنها صالحة لإقامة محطات نووية لتوليد الكهرباء عليها.
وقدمت الشركة تسهيلات في بنود الإتفاقية تتمثل في سداد تكاليف المشروع على مدى 35 سنة ، و سداد التكاليف لروسيا سيكون من عائد إنتاج المشروع بدون تحمل الموازنة العامة أي أعباء مالية.مع وجود فترة سماح جيدة.
ومن أهم مزايا إنشاء محطة الضبعة النووية هو تنوع مصادر انتاج الطاقة الكهربائية، علاوة على عدم الخضوع لتقلبات أسعار البترول عالميًا وإنخفاض التكاليف المرتبطة بالصيانة إذا ما قورنت بتكاليف محطات الكهرباء التى تستخدم الغاز الطبيعى أ و التى تعمل بالفحم أو إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وخلافة.
Dr.nabila47@yahoo.com