“البيضاء”.. وإحباط المؤامرة التكفيرية الصهيوأميركية
بقلم : حميد حلمي زادة
العلماء الربانيون والمفكرون الرساليون والمؤمنون الحقيقيون والمناضلون الاحرار، هم المؤهلون ــ فعلا ــ لتقدير عظمة شخصية الرسول الاكرم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ودوره المصيري على مستوى تبيان (المحجة الناصعة) للبشرية وتاكيد مبدأ انسانية الانسان، والدفاع عن حقوقه وتطلعاته الدينية والدنيوية، وترشيد مسيرته التكاملية لبلوغ السبل الموصلة الى النعيم الخالد في الدار الاخرة.
من الواضح بأن بني اُمة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعيشون واقعا مريراً من المحيط الأطلسي الى الخليج الفارسي وامتدادا الى افغانستان وباكستان وكشمير وبورما ومناطق شاسعة من أفريقيا وشبه القارة الهندية . وان ما تتعرض له الشعوب المضطهدة في اليمن الجريح والبحرين وليبيا فضلا عن فلسطين المغتصبة ، ينم على الإحباطات التي تمزق المسلمين عربا وغيرعرب ، بغية سوقهم الى الخضوع والإرتهان للمشاريع والسياسات الإمبريالية والإستكبارية (الأميركية ـ الإسرائيلية) في الشرق الاوسط بخاصة والعالم الاسلامي بعامة.
والثابت هو ان تكريس هذا الواقع المرير يستهدف ــ اصلا ــ الاستخفاف بهيبة المسلمين، مع ان عدد نفوسهم يزيد على المليار و700 مليون نسمة ، وتحقير غيرتهم على دينهم ورموزهم وقرآنهم . الأمر الذي ينبغي ان يستنفر مشاعر ابناء الامة المحمدية الشريفة ويحرضهم على تقويض الحرب العالمية الراهنة التي باتت تضرب الإسلام والمسلمين والإيمان والأخلاق والقيم السماوية العادلة في الصميم ، وتحفزهم ـ كما هو مشهود حاليا ـ على التصدي بقوة للأعداء الناقمين وممارساتهم الشيطانية وتحركاتهم الوضيعة المرفوضة حتى في ما يسمى بـ “المعايير الحضارية الغربية” التي تتشدق باحترام العقل والمنطق والحريات وقوانين الدفاع عن حقوق الانسان واحترام مقدرات الامم والشعوب في السيادة والاستقلال سياسيا واقتصاديا وفكريا.
وحدهم المنصفون يعرفون جيدا ان سيدنا وحبيبنا محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله سلم) الذي جاء بحقيقة الدين الحنيف قبل نحو خمسة عشر قرنا من الزمن، وازال عنه الوثنية والخرافات والشرك والانحرافات، ونذر عمره الشريف في سبيل اضاءة طريق الهداية امام بني البشر كافة على مر الدهور، قد جسد بنفسه المثل الاعلى للشخصية الانسانية المؤمنة التي تتحلى بأسمي الصفات النبيلة کالتقوى والورع والزهد والشجاعة و الصبر والايثار ، ومعرفة حدود الله سبحانه وتعالى، والارتقاء بالعبودية لله الواحد المتعال الى مدارج الكمال والسمو ذاتيا واعتقاديا، من اجل الاضطلاع بمهام اشاعة العدالة والمساواة وتعزيز عرى العلاقات الاخوية بين ابناء الامة الواحدة القادرة فعلا على تغيير الاوضاع الفاسدة ، والقادرة ايضا على ازالة الممارسات الاستكبارية ومقارعة اباطرة الذهب والمال الذين لايعبأون بعذابات المحرومين والمستضعفين، وهم لا يتورعون كذلك عن ابادة شعوب بأسرها في سبيل الاستحواذ على ثرواتها وخيراتها بكل الاساليب الإرهابية والإجرامية الشريرة.
من هنا يتبين لنا ان (الاسلام المحمدي الأصيل) يمثل اليوم العدو اللدود الاول للمصالح الرأسمالية والاطماع الإستغلالية الصهيوغربية، ويمثل العقبة الكأداء للمشاريع الاستكبارية في انحاء الارض، سيما في العالم الاسلامي.
وازاء ذلك يمكننا الوقوف على كنه النفور والكراهية الذي يعتمل في صدور الزعماء الطغاة الاميركيين والاوروبيين والاسرائيليين، وهو ما يفسر ايضا تحاملهم البغيض على الرسول الاكرم (ص) وسلوكياتهم المسيئة للامة الاسلامية، واشهارهم العداء السافر لهما معاً عبر مختلف الوسائل الخبيثة في سبيل الفصل بين المسلمين ونبيهم العظيم من جهة، وقتل روح التدين والايمان ومقارعة الظلم والاستغلال في نفوسهم من جهة اخرى.
ومن الثابت أن كل هذه التصرفات والتدخلات والسياسات العدوانية عند ادعياء الحضارة والمدنية في اميركا واوروبا والمناطق الاخرى اللصيقة بهما جغرافيا وعقائديا وثقافيا، يتم شرعنتها وتسويقها للرأي العام العالمي وفقا للمآرب والاهواء السلطوية . في حين ان التحالف الاستکباري يكاد يقيم الدنيا ولا يقعدها اذا مست “اسرائيل” التي تحتل فلسطين والقدس الشريف ومرتفعات الجولان السوري ومناطق من جنوب لبنان والاردن، قيد شعرة ، عبر إدانة جرائمها الدموية بحق الشعب الفلسطيني منذ 80 عاماً، أو تشكيكاً بـ “ديمقراطيتها ” الزائفة ، أو مزاعمها الكاذبة.
وقد رأينا كيف تعاملت الحكومات الغربية قمعيا مع المفكرين الذين قرأوا الإدعاءات الصهيونية المبالغة بحثا وتمحيصا ، سيما ما يتعلق بالأرقام الخيالية التي تتبجح بها تل ابيب بشأن قتلى محارق ” الهولوكوست”.
وكان المفكر الفرنسي الراحل روجيه غارودي من جملة ضحايا ذلك، حيث لم تسعفه “اكذوبة حرية التعبير” الغربية في الدفاع عن موقفه المبدئي الموضوعي بشأن التضخيم الذي روج له الصهاينة حول اعداد اليهود الذين قتلتهم اوروبا ـ دون سواها ـ خلال سنوات الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945 م) . وقد دفع الراحل غارودي في حينها ، ضريبة جرأته تلك ، بالتعرض لمحاكمات وتضييقات وغرامات، وتقاسم معه هذه العقوبات الظالمة كل من شاطره الرأي في العالم الغربي.
وهكذا في غمرة رغبتهم الجامحة في ايذاء المسلمين بوسائل شتى وفي مقدمتها الاساءة للنبي الأعظم (ص)، فان الغربيين يولدون من داخل انفسهم قناعة بأن في مقدورهم تحويل العالم الاسلامي الى كتلة متأججة بالتناقضات والتوترات والانقسامات، بدليل انهم تمكنوا من تجنيد المتطرفين والمهووسين بعقدة ابادة كل ما يخالفهم في العقيدة والمذهب والتفكير الديني. فقد جندت اميرکا واوروبا واسرائيل التکفيريين تحت مسميات “داعش” و”القاعدة” و” طالبان” و” لشكر جنكجو” و” وبوكو حرام” وأضرابها الأخريات ، وزودتهم بالاموال والاسلحة والمعلومات الاستخبارية، ليكونوا وبالا على الامة الاسلامية، ولضرب (الوحدة المعنوية) التي تربط ابناءها بعضهم ببعض طيلة السنوات الأخيرة الماضية.
واقع الامر ان هذا المخطط يشکل حربا معلنة على كرامة سيدنا رسول الله الحبيب محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الذي طالما كان يشدد على تقوية العلاقات الاخوية بين المسلمين، وتلطيف التعامل الانساني بينهم وبين اتباع الديانات السماوية الاخرى.
وبما ان الغاية “الصهيوغربية” هي حب التسلط والتحكم بمقدرات الامة الإسلامية، فان زعماء الاستكبار في اميركا واوروبا وعملاءهم في المنطقة، لم يدخروا وسعا لاضعاف عقيدة المسلمين على مستوى التدين والاخلاق والتآلف والتآزر.
فقد عمدوا سابقا الى استخدام الموروثات الاستعمارية كأداة فعالة في سبيل تكريس الفرقة والتنافر، ومن ذلك دعم “الفرانكفونية” و”منظومة الكومنولث” و”التطبيع بمختلف اشكاله مع العدو الصهيوني” ، وهم اليوم يقومون بمساندة الجماعات التكفيرية المنبثقة اساسا من”الوهابية” التي هي صناعة بريطانية مئة بالمئة ،كما ورد في كتاب (مذكرات المستر همفر).
وقد سخر زعماء المحميات الخليجية البترولية ، اقصى طاقاتهم المالية والدعائية والاعلامية باتجاه تأجيج الخلافات الدينية بين بني امة الرسول الاكرم (ص)، والتعتيم على المكاسب المعنوية التي تحققت بفضل التضامن الاسلامي العظيم مع المجاهدين المؤمنين الذين التزموا النهج المحمدي القويم وقدموا التضحيات الغالية في سبيل الله (عزوجل) ومن تحرير الأراضي المحتلة ربقة المحتل الصيوني المجرم.
وبالعودة الى الحديث النبوي الشريف (ما أوذي نبي مثلما اوذيت) يتضح لنا بجلاء ان اعداء رسول الله المصطفى الأمين (ص) الذين آذوه في زمانه ، لا يتورعون عن ايذائه وايذاء امته في راهننا ، المعنى الذي ينطوي عليه هذا الحديث الشريف ، على مستوى الماضي والحاضر والمستقبل.
فمن المؤكد اليوم أن الاعداء الدوليين والاقليميين عندما يتكالبون اليوم على أبطال حزب الله (المقاومة الاسلامية اللبنانية) وابناء الجيش العربي السوري الهصور والمجاهدين في الحشد الشعبي العراقي وأنصار الله في اليمن المقاوم للعدوان السعودي ، ابتغاء القضاء عليهم واختزال انتصاراتهم الباهرة والمدوية ، إنما يستهدفون بذلك قتل (المحمدية البيضاء) ، والاستعاضة عنها بعصابات اتعس وافظع من “داعش” و”النُصرة” ومن هم على شاكلتهما من القتلة واللصوص والارهابيين والمجرمين الذين ربما يدعون ايضا تمسكهم بالقرآن والسُنّة وهم بعيدون عنهما ، بدليل ان ممارساتهم الإرهابية التي ارتكبوها ويرتكبونها في العراق وسوريا ولبنان وباكستان ونيجيريا وافغانستان ومختلف مناطق العالم ، برهان ساطع على هذه الحقيقة.
على صعيد متصل فان النبي الاعظم (ص) الذي بعث ليكون رحمة للعالمين، وليتمم مكارم الاخلاق وينشر قيم العدالة والمساواة ومساعدة الفقراء والمستضعفين، ومكافحة الظلم والعسف والمستكبرين الجبابرة، يتعرض منذ أمد طويل لحملات عارمة من الاساءات والتبشيع والمكائد الشيطانية داخليا وخارجيا، وان المسؤولية الدينية والاخلاقية تحتم على المسلمين كافة التصدي لهذه المؤامرة الصهيوغربية، والدفاع عن المقدسات الدينية والرسالات السماوية والانبياء والمرسلين (عليهم السلام) ، سيما خاتمهم سيدنا رسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم )، وتتطلب منهم عدم التراخي والتساهل والتهاون في هذه القضية قيد انملة ، باعتبار ان السكوت في مواجهة هذه التحركات البغيضة ، هو بمثابة اشعال الضوء الاخضر الشامل امام الغزاة الاميركيين والاوروبيين والصهاينة من اجل الامعان اكثر فاكثر في استباحة الحرمات والثوابت العقائدية وتدمير المعالم الاسلامية والدينية في قادم الايام انطلاقا من القدس الشريف ومرورا بالمسجد النبوي الشريف وانتهاء بمكة المكرمة.
صفوة القول : ان الامة الاسلامية على ثقة تامة بانها بمستوى احباط هذه المشاريع الجهنمية، شريطة تعزيز عرى التآخي والمودة والتعاون في ما بين شعوبها، ونبذ الفرقة والعصبيات والتناحرات کليا بهدف التفرغ للتعامل بکل حزم مع التحديات الحاقدة ، وذلك بلحاظ اندحار الدور التكفيري الإجرامي الداعشي في العراق وسوريا ولبنان تحت وقع الضربات القاصمة للجيش والحشد الشعبي وحزب الله والقوات الشعبية المضحية والدور المصيري الذي اضطلع به القادة والمتطوعون العسكريون الإيرانيون يتقدمهم اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالجمهورية الاسلامية الإيرانية في اسناد أبطال قوى محور المقاومة وتامين عوامل انتصارهم على المؤامرة الأميركية الاسرائيلية التي تسترت هذه المرة بقناع “داعش” واخواتها من اجل بسط هيمنتها وفرض خارطة طريقها للتحكم بامدادات النفط والغاز من منطقة الخليج الفارسي الى اوروبا ، مع تعمد شركات النفط الغربية العملاقة وبالتواطؤ مع العدوان السعودي ، في تجميد استثمار احتياطي البترول والغاز الضخم الذي تتربع عليه جمهورية اليمن بمنطقة (الجوف) ، وذلك إمعاناً في محاصرة الشعب اليمني وتجويعه.
لكن الشئ المتيقن منه هو ان المؤامرة التكفيرية المسيرة بالريموت كنترول الصهيواميركي قد تحطمت على صخرة صمود محور المقاومة في الشرق الأوسط (ايران وسوريا والعراق ولبنان واليمن) ، وان على واشنطن وتل ابيب والرياض ان تلعق هزائمها المذلة وتعتبر منها ، أو أن تستعد ـ ومع فرضية الاصرار على غطرستها ـ لتلقي الجولة الأخرى من الاندحارات والهزائم اكيدا ، وذلك لأن ابناء (المحمدية البيضاء) ماضون قدما في طريق اللاعودة حتى النصر او الشهادة.