مهند أبو عريف
من أكثر الجرائم الدولية العابرة للحدود التي تؤرق المجتمع الدولي، جريمتا غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقد أيقنت سلطنة عُمان مبكراً خطورة هاتين الجريمتين، فوضعت من الاستراتيجيات والخطط والتشريعات اللازمة للمواجهة، كما تعاونت مع كافة الدول والمنظمات الإقليمية والدولية في مجال التصدي للجريمتين العابرتين للحدود والأوطان.
ووفقاً للعديد من التقارير الدولية، فقد قطعت سلطنة عُمان أشواطًا كبيرة في التصدي لجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لتحرز نجاحا باهرا على كافة الصعد الوطنية والإقليمية والدولية.
وتعد سلطنة عُمان من أوائل الدول بالمنطقة التي عملت على تمتين البنية التشريعية اللازمة لمكافحة هاتين الجريمتين، وتم ذلك وفق آليتين، الأولى: من خلال العمل المؤسسي الذي تُوج بتشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي تختص بوضع وتطوير استراتيجية وطنية لحظر ومكافحة جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتمويل أنشطة أسلحة الدمار الشامل بالتنسيق مع الجهات المختصة ومتابعة تنفيذها، وتحديد وتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب على المستوى الوطني.
أما الآلية الثانية فتتعلق بوضع التشريعات واللوائح والنصوص القانونية اللازمة، وتحديث وتطوير أنظمتها وإجراءاتها وفق أعلى المعايير الدولية المعمول بها، لتتطور هذه التشريعات الرادعة وفق متطلبات كل مرحلة، وذلك بدءاً من المرسوم السلطاني رقم 17 لعام 1999 الخاص بمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، والذي جرم الفصل الثامن منه غسل الأموال الناتجة عن الاتجار غير المشروع في المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية وصولاً إلى قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بموجب المرسوم السلطاني رقم 79 لعام 2010، ليتمخض بعد هذا القانون قانون جديد معدل شاملاً جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على كافة الصعد الوطنية الإقليمية والدولية.
الآلية الثالثة، آلية التطبيق العادل الناجز: إذا كانت سلطنة عُمان قد أرست بنية تشريعية قوية لحماية وصون الحقوق والمكتسبات من آفات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فإن هذه البنية التشريعية تؤتي ثمارها عبر التطبيق الفاعل الذي يترجم الكلمات والنصوص على أرض الواقع، وذلك وفق عدالة ناجزة تبدأ من مرحلة التحقيق الذي يقع ضمن سلطة واختصاصات الادعاء العام، ومن ثم إحالة المتهمين وقضاياهم لعدالة القضاء لمقاضاتهم وإصدار الأحكام القضائية العادلة بحقهم، في مراحل تجسد تكاتف الجهود لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتطبيق وإنفاذ القانون بحق المدانين.
الآلية الرابعة، آلية التعاون مع الجهود الإقليمية والدولية: ولأن هذه الجرائم من الجرائم العابرة للحدود والأوطان، فقد استوفت سلطنة عُمان استراتيجيتها من خلال تكاتف التعاون مع الجهود الإقليمية والدولية، وذلك عبر دراسة المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ومتابعة التطورات العالمية والإقليمية، وكذلك تلقي طلبات تسليم المجرمين أو المساعدات القضائية، وكذلك التجميد والحجز على الأموال وغيرها من أشكال التعاون الدولي.