تجليات النهضة الحُسينية.. نموذج لمسيرة الأربعين الأسطورية
بقلم : حميد حلمي زادة
التضحية الحسينية هي اعظم المآثر الاسلامية والانسانية عطاء وعاطفة وإحساسا، وازاء ذلك فانها كانت ومافتئت تلتحم بشكل مباشر بالضمائر الحية والاهداف العادلة والتطلعات المصيرية لبني البشر كافة على مر العصور.
في هذا السياق تعتبر (مسيرة الاربعين) مشيا على الاقدام من انحاء العراق صوب مدينة كربلاء المقدسة حيث مرقد الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) والثلة الطاهرة من اهل بيته واصحابه الكرام الذين استشهدوا في یوم العاشرمن محرم عام 61 للهجرة (عاشوراء) ، محطة خالدة في التاريخ الاسلامي جديرة بالكثير من الاهتمام والتأمل والدراسة ، باعتبارها حركة جماهيرية هائلة تكتسب ميزاتها الاساسية من العفوية والبساطة والزهد والتواضع والتعاون والتکاتف، وهی المعانی النبیلة التی يتنافس المحتفون بهذه الذكرى علی تجسیدها قولا وعملا، وهم بالملايين نساء ورجالا وشيوخا واطفالا ، علماء ومفكرين وساسة ، اغنياء وفقراء ، مسؤولين وكسبة وعمالا وفلاحين ،اصحاء ومرضى ومعوقين، يحدوهم الامل جميعا بأن تدون اسماؤهم في سجل المناصرين لثورة حفيد الرسول الاكرم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، على الطغيان والانحراف والردة يوم تحكم “ابناء الطلقاء” برقاب المسلمين، واخذوا يسوقون الامة نحو مسالك المعاصي والهلكة وسوء العاقبة.
وبما ان الاعمال تعبر عن ادق الاحاسيس، فانه من المفيد القول بأن (مسيرة الاربعين) هي ثورة اسلامية ناعمة تحمل رسائل معنوية هائلة الى شعوب العالم اجمع ،اهمها:
اولا) ان التضحية من اجل العقيدة والمبدأ يهون دونها الغالي والنفيس، والاموال والارواح والابناء والأحباء والاخلاء.
ثانیا) ان هذه المسيرة الملايينية مظهرعظیم للطاقات والقدرات الايمانية الصادقة لعموم الامة، باعتبار ان المشاركين فيها-عدا ابناء البلد – جاؤوا الى العراق من شتى انحاء الارض، وقد يمموا وجوههم سيرا ، لمئات الکیلومترات وبعضهم حفاة ، صوب تلك البقعة الطاهرة التي تضم في طياتها جثمان اعظم بني البشر من آل البيت النبوي الشريف (عليهم السلام)، واجساد المجاهدين الكبار الذين واسوا سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين (عليه السلام) بأرواحهم واغلی ما عندهم دفاعا عن الاسلام المحمدي الاصيل.
ثالثا) يعتبر المراقبون ان (المسيرة) تجسد حالة تعبوية موًاجة، وهي في خدمة حماية الدولة العراقية بقدرات لا حدود لها، وصيانة منجزاتها التغييرية على مستوى تحرير الشعب من قيود الافكار الشوفينية والعنصرية والمادیة البائدة ، وتعزيز قدرات الجيش والحشد الشعبي وعموم القوات المسلحة التي خلصت البلاد والعباد من عصابات داعش التكفيرية الارهابية المتطرفة، ونجحت في مكافحة الفتنة الطائفية الخارجية التي سعت الى اعادة وادی الرافدین الى المربع الاول لكنها منيت بهزائم نكراء بعد الفتوى التاريخية للامام السيستاني باعلان الجهاد الكفائي.
رابعا) انها تمثل تحديا شعبيا سلمیا للغة “القتل” و”الرعب” و”التطرف المذهبي” و”الابجديات التكفيرية” التي ينفر المسلمون ویبرأون منها ، لاسيما بعدما تحولت هذه اللغة الى استراتیجیة (صهيواميركية ــ سعودية) اغرقت العالم الاسلامي بشلالات الدم والفوضى والاضطرابات والتناحرات بين ابناء الوطن الواحد من جهة، وفي اوساط الامة بأسرها من جهة اخرى.
خامسا) ان الطبيعة الجوهرية لمسيرة الاربعين وزيارة ضریح الامام الحسين(ع) يوم العشرين من صفر من كل عام تقضي بان تكون الشمولية الجماهيرية، هي سيد الموقف والغاية الاساسية لهذه (الثورة الناعمة)، ومن هذا المنطلق المبدئي ترسم هذه المسيرة (لوحة فسيفسائية رائعة) لا نظير لها في العالم علی صعید التنوع البشري والمذهبي والفكري والاجتماعیة.
مما مضی یتضح ان (مسیرة الاربعین) هی ثورة عقائدیة واخلاقية ، کما انها حرکة نهضویة وتضحویة فی ان معا. وهی منظومة جهادیة واعیة قوامها الارادة الحرة لأبناء الامة الاسلامية على البذل والعطاء والصبر وتحمل والشدائد والصعاب ومقاومة الطغاة والمستكبرين والغاصبین والمنحرفين، مثلما صنع سيد الشهداء الحسين بن علي (عليهما السلام) في ثورته الخالدة التي انطلقت من اجل الاصلاح في امة جده المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي سبيل سيادة قيم الحرية والعدالة والمساواة والخیر والفضیلة ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.