رأىسلايدر

أسعار المياه

استمع الي المقالة

 

بقلم: عبدالناصر سلامة

ترددتُّ كثيراً قبل الكتابة فى هذا الموضوع المتعلق برفع أسعار المياه، خشية أن يعتبر البعض ذلك إخلالاً بعملية التثبيت الشائعة هذه الأيام، تثبيت الدولة ودعائم الدولة وأركان الدولة، إلى غير ذلك من عمليات التثبيت المعروفة، لم نتحدث من قبل عن ارتفاع أسعار الكهرباء، رغم أحقية كل مواطن فى الحصول عليها، ولا عن أسعار المواد البترولية بأنواعها، ولا عن أسعار المواصلات والاتصالات، إلا أن الأمر حينما يتعلق بمياه الشرب، أو المياه النقية عموماً، كنت آمل فى تروِّى الحكومة، كنت آمل فى إخراج المياه من المنظومة الرسمية المتعارف عليها حالياً، والتى تنطلق من مفهوم (اللى ما معهوش ما يلزموش)، أو (اللى عايز يدفع).

المياه النقية أيها السادة، سواء تعلقت بالشرب أو الاستخدام المنزلى عموماً، ليست سلعة كمالية، ولا عملية ترفيهية، ولا حتى ثانوية، يمكن الاستغناء عنها، ولو مؤقتاً، أو حتى التعامل معها بطريقة النص نص كما الكهرباء أو الغاز أو أى شىء من هذا القبيل، ذلك أنه إذا حانت حالة العطش فلا مفر من الاستجابة، كما حالة الاستحمام أيضاً، كما حالة النظافة عموماً، منزلية كانت أو شخصية، وبالتالى كان يجب أن تكون النظرة مختلفة حين اتخاذ القرار، كان يجب مراعاة كل هذه الأبعاد مجتمعة.

الحكومة قررت رفع أسعار المياه ما بين 40‏ إلى 72%‏، الذريعة الرسمية المتبعة دائماً هى أنه تم تقسيمها إلى شرائح مراعاةً لحال الفقراء، بمعنى أن الاستهلاك الأقل سوف يتميز بأسعار أقل، بمعنى أن عشرة أمتار مكعبة فأقل سوف يتم التعامل معها بسعر 45 قرشاً للمتر، وأن الاستهلاك الأعلى هو الذى يتم التعامل معه بشريحة أعلى سعراً، تصل إلى 215 قرشاً للمتر حال زيادة الاستهلاك عن 40 مترا مكعبا، وبذلك فإن الأسرة تصبح مطالبة بخفض الاستهلاك إلى ما دون عشرة أمتار شهرياً حتى يمكن محاسبتها بالسعر الأدنى!!

هذه الطريقة فى التعامل مع المياه تحديداً تؤكد أننا نتعامل مع حكومة تتخذ من سياسة اللف والدوران منهجاً فى التعامل مع المواطن، لن نحاول وصفها بالوصف اللاذع اللائق بها، حتى لا نُتهم بإعاقة عملية التثبيت المشار إليها سالفاً، ذلك أن الحكومة تعى تماماً أن أكثر من 80%‏ من الوحدات السكنية فى بر المحروسة لا يوجد بها عداد خاص بالمياه، نتيجة تعامل العمارة الواحدة مع عداد واحد يضم كل الوحدات السكنية بها، وبالتالى فإن كل هذه العمارات والوحدات دون استثناء أصبحت تخضع للأسعار الأعلى تصنيفاً أو الشرائح الأعلى سعراً منذ اليوم الأول للاستهلاك، وليس حتى مع نهاية الأسبوع أو الشهر، ذلك أن العمارة التى بها 20 شقة، لو أن كل واحدة منها استهلكت مترين من المياه فى اليوم، لأصبحت الحسابات فى حدودها القصوى.

من هنا فإن كل ما أعلنته الحكومة من تفاصيل شرائح تبدأ من 45 قرشاً، مروراً بـ120 قرشاً، ثم 165 قرشاً، و200 قرش، كل هذه أسعار لن يستفيد منها سوى نسبة قليلة جداً، قد تكون قاطنى الفيلات والقصور، ذلك أن الاستهلاك فى النهاية هو استهلاك أسرة واحدة، إلا إذا اعتمدوا على مياه الشرب فى الرى والرش وتشغيل النوافير وخلافه، أما سكان العمارات عموما فقد خضعوا دون أى شك، وعن سبق إصرار وتعمد، للأسعار الأعلى، بل لا توجد أمامهم أى فرصة للمناورة، حتى فى حالة ترشيد الاستهلاك.

كان يجب الوضع فى الاعتبار أن المجتمع المصرى، أو المدن المصرية، خاصة العاصمة، من أكثر مجتمعات ومدن العالم ازدحاماً وتكدساً، كان يجب الوضع فى الاعتبار أن البيئة المصرية من أكثر البيئات تلوثاً، كان يجب الوضع فى الاعتبار أن معظم الشعب يستخدم مواصلات عامة مزدحمة وملتحمة، كل ذلك سوف يستدعى استهلاكاً للمياه بهدف النظافة الشخصية اليومية، كان يجب أن نحث الناس على النظافة المستمرة وليس العكس، كان يجب الأخذ فى الاعتبار أننا أمام بيئة مُتربة تحتاج إلى الكثير من الجهد والماء فى النظافة اليومية سواء للوحدة السكنية أو للمعمار والشوارع عموماً، كان يجب الأخذ فى الاعتبار أن معظم المجتمع المصرى من الطبقة المتوسطة والفقيرة وما دون الفقر، أى ليسوا من رواد الطعام الدليفرى، بمعنى أن استهلاك المياه هنا ليس تبذيراً بقدر ما هو من أجل إعداد الطعام وما شابه ذلك.

على أى حال، أعتقد أنه بعد أن وصل الضغط على المواطن إلى مياه الشرب، بدعوى خفض عجز الموازنة ودعم الاقتصاد وتخفيض الدعم إلى غير ذلك من الذرائع، يجب الوضع فى الاعتبار أن كل ذلك لا يبنى اقتصاديات ولا يُقيم مجتمعات، يجب الوضع فى الاعتبار أنه لم يعد هناك ما يمكن الضغط به بعد الآن، بمعنى أن الدور الحقيقى للحكومة لابد أن يتحقق، ذلك أنه منوط بها بالدرجة الأولى تنمية موارد الدولة من خلال مشروعات حقيقية، صناعية وزراعية واستثمارية، وليس من خلال مزيد من الضرائب والأعباء والبحث عما فى جيوب المواطن من قروش هو فى حقيقة الأمر فى حاجة إليها، أما وقد فشلت الحكومة فى القيام بمهمتها الأساسية، فيجب أن تعترف ولا ضير فى ذلك، فقد نلجأ إلى نقل تجارب ناجحة فى هذا الشأن، لن نقول من سنغافورة وماليزيا، وإنما موريشيوس وبوركينا فاسو، هذه التجارب التى أصبحت حديث العالم الآن.

* نقلا عن المصرى اليوم..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى