رأىسلايدر

سينـاء في ذاكـرة مبـارك.. المقال الذي رفضت الصحف نشره حتى لا يُفهم صح !

استمع الي المقالة

بقلم: عبدالناصر سلامة

روى لى الرئيس مبارك أن قضية توطين الفلسطينيين في سيناء ليست وليدة اليوم، قال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إرئيل شارون حاول جاهداً أن يقابلني في عام ٢٠٠٥ إلا أنني كنت دائم الرفض نظراً لممارساته تجاه الفلسطينيين، وذات مرة أجبت على طلبه بأن يجلس مع محمود عباس “أبو مازن” أولاً لتلبية الطلبات الفلسطينية وبعدها نلتقي، وبالفعل التقى أبو مازن ووافق على ماطلب، التقيته بعدها في شرم الشيخ كعادة لقاءاتي بهم، وجدته يطرح هذا التصور الخاص بتوطين الفلسطينيين قائلاً: كل ما نريده في سيناء ٦٠ ألف كيلو متر مربع حتى يمكن إنهاء هذه المشكلة تماما..

أجاب مبارك على شارون قائلاً: (بَس بَس بَس، إقفل الموضوع ده خالص، إنت بتتكلم في إيه، إنت فاكر إن سينا دي أرض ابويا، واللا ملكية خاصة، دا انا يادوب حارس عليها، وصي يعني، ما اقدرش حتى إني أناقش معاك الموضوع ده، إنسى خالص انك فتحت الحكاية دي، وبعدين إوعى تفكر أنك تتصرف أي تصرف كدة واللا كدة من نفسك، إفهم إني ها احاربك على طول، هو دا الموضوع اللي يخليني احارب بدون تردد، إنت بتتكلم في أرض) فما كان من شارون إلا أن أجاب قائلاً: (لا لا لا واحنا مش عايزين حرب، خلاص انتهى الموضوع)، وبالفعل تم إغلاق هذا الموضوع نهائياً من الجانب الإسرائيلي.

إلا أن الأمريكيين أيضاً حاولوا فتح هذه القضية مع الرئيس مبارك أكثر من مرة، لكنه كان يرفض مجرد سماع الطرح، ذلك أن الرجل شارك في تحرير سيناء إن حرباً (١٩٦٧- ١٩٧٣) وإن سلاماً من خلال مفاوضات كامب ديفيد واتفاقية السلام فيما بعد، وإن بالمحكمة الدولية حيث تحرير طابا، ذلك أنه يعرف قيمة الأرض، مابالنا عندما يتعلق الأمر بسيناء التي جعل من شرم الشيخ فيها واحة سلام عالمية، حتى أن اسمها ارتبط بمؤتمرات السلام الدولية، وقد زارها بالفعل ربما كل قادة العالم، الذين كانوا يقصدونها سواء في مهام رسمية أو قضاء أجازات ومواسم وأعياد.

في هذا الصدد أضاف الرئيس مبارك إن شارون حين قدومه إلى شرم الشيخ، لم يكن يتصور أنها أصبحت بهذا الشكل، فحين رآها من الطائرة قبل الهبوط سأل مرافقيه: هل أنتم متأكدون أن هذه هي شرم الشيخ، ذلك أنه شاهد زخماً كبيراً من الفنادق والقرى السياحية والمنشآت المختلفة، وبالفعل عاش حالة انبهار حينما شاهد كل ذلك على الأرض من قريب، لأن الإسرائيليين عموماً لم يتصوروا أبداً أنها يمكن أن تصبح بهذا الجمال الذي ينافس أجمل منتجعات العالم.

سألتُ الرئيس مبارك عن سبب رفضه مناقشة هذا الموضوع كانت الإجابة كالتالي: ( إنت بتتكلم في إيه، فيه حد يتنازل عن أرض إلا واحد اهبل، وبعدين سينا دي بالذات اتسدد تمنها دم أكتر من مرّة، بل يمكن على مدى تاريخها، يعني مش فلوس، يعني لو كنا شاريينها يبقى ما فيش مانع أما نبيعها ونكسب فيها، إنما أما يكون تمنها كان بالدم، يبقى تتباع بإيه دي بقى، كل شبر فيها ها تلاقي فيه دم تحت الرمل وفوق الرمل، وجثث وعضم، وآلات ومعدات وكل حاجة، دول ناس بيستعبطوا اللي يقول استبدل أراضي، واتنازل عن أراضي، وبيع أراضي، دول ما يعرفوش يعني إيه آرض أصلاً).

قلت: ولكن ياسيادة الريس كان ممكن العودة للشعب في هذا الموضوع من خلال استفتاء لو كانت هناك فائدة لمصر، قال: (شوف عايز أقول لك على حاجة، ولا الشعب من حقه التنازل عن أرضه، ولا حتى من صلاحياته، ويبقى استفتاء باطل، لأن اللي ما حدش واخد باله منه، إن الأرض عموماً ملك الأجيال اللي جاية، هي ملك الشعب آه، لكن ملك الأجيال اللي لسه جايه بعد ١٠ سنين وبعد ١٠٠ سنة وبعد ١٠٠٠ سنة، يعني طول ما فيه دنيا، يالله بقى روح خد رأيهم، والا اعمل استفتا معاهم، تيجي ازاي دي، يعني ما ينفعش بأي حال إن أي شعب يفرط في أرض، لأن دي خيانة للأجيال اللي بنتكلم عنها دي).

عموماً، يبدو أنه سوف تتكشف الكثير من الأسرار يوماً بعد يوم فيما يتعلق بهذا الأمر تحديداً، وهو الذي توَّجَهُ الرئيس مبارك فيما بعد برفض إقامة أي قواعد عسكرية أمريكية أو أجنبية عموماً على التراب المصري، ومتوجاً ذلك باستقرار غير مسبوق في سيناء تحديداً طولاً وعرضاً، ومتوجاً ذلك بعلاقات متوازنة مع العرب محورها القيادة وليست التبعية، وعلاقات متوازنة مع العالم عموماً محورها تاريخ مصر الحافل بالحضارة، وجغرافيتها التي لم تقبل أبداً القسمة أو التجزئة أو التفريط.

في النهاية، أعتقد أن من حق هذا الرجل مبارك أن يُفجع مما فعله به شعبه، لكن أحداً لم يستطع النيل من وطنيته بأي شكل من الأشكال، أو في إخلاصه لبلده، أو في حبه لتراب وطنه، أو في سجله الحافل بكل ما هو عظيم، سواء في الحرب أو في السلام، في الحياة المدنية أو العسكرية، لذا أراه يسترد اعتباره يوماً بعد يوم، وقد يكون لكل جواد كبوة، إلا أن كبوة مبارك لم تكن أبداً في الأرض أو العرض أو أي شئ من هذا القبيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى