قراءة في العمليات السعودية ضد العوامية؛ الأسباب والنتائج
تسنيم – ياسر الخيرو
منذ فجر الاربعاء 10 مايو اجتاحت معدات هدم عملاقة مع آليات عسكرية منطقة المسورة التاريخية بحجة تطوير الحي، إلا أن الأمور اتخذت مسارا آخرا وأصبح التطوير آخر ما يشغل بال السلطات.
ورافق عملية التطوير المزعومة اطلاق نار كثيف من قبل القوات المرافقة لمعدات الهدم، وصباحا ادعت السلطات السعودية أن معدات الهدم تعرضت لاطلاق نار من قبل من وصفتهم بـ “الارهابيين”، لتاخذ العملية في أول أيامها مسارا آخرا، حيث زال قناع التطوير وكشر النظام السعودي عن أنيابه كاشفا أن التطوير كان حجة لاطلاق عملية أمنية ضد المواطنين واجبارهم على الرحيل من منازلهم دون الحصول على تعويض.
في اليوم الاول للهجوم استشهد مواطن ومقيم هندي برصاص قوات الأمن، فيما اصيب 19 آخرين، ومنعت السلطات سيارات الاسعاف والصحفيين من دخول البلدة، فيما شنت القوات الأمنية عمليات اعتقال عشوائية لم يسلم منها الأطفال.
وفي نهاية الاسبوع كان عدد الشهداء قد ارتفع، فيما دمرت السلطات عددا من المنازل، وسجل الناشطون في المدينة استخدام السلطات قذائف الآر بي جي لاستهداف المنازل بصورة عشوائية، فيما ادعت السلطات أن قذيفة آر بي جي أصابة احدى عربات القوات الأمنية مما ادى الى مقتل جندي.
وسرعان ما تطور الأمر لتتحول عملية التطوير الى عملية عسكرية وحصار على العوامية، حيث حوصرت البلدة بالكتل الخرسانية وتم نشر القناصة، فيما استخدمت الأسلحة المتوسطة والثقيلة في استهداف منازل المواطنين، فيما تم قطع التيار الكهربائي عن عدد من الاحياء، وهو ما دعا الأمم المتحدة لتوجيه نداء طالبت فيه بوقف هدم حي المسورة فورا، معتبرة أن العملية تنتهك حقوق الإنسان.
وعلى مر الأسابيع الماضية، أعلنت السلطات السعودية مقتل عدد من رجال الامن خلال العمليات، إلا أن اللافت للنظر أن هذه الاعلانات كانت غالبا ما تترافق مع اطلاق نار عشوائي للسلطات.
عملية التطوير المزعومة أدت الى استشهاد أكثر من 21 مواطنا، أغلبهم قتلوا غدرا، أما بفتح النار نحو سياراتهم خلال مرورها في الشارع او استهدفهم القناصة وهم في منازلهم او على عتباتها، بالإضافة الى من قتلوا داخل منازلهم نتيجة استهدافها بالأسلحة المتوسطة والثقيلة واطلاق النار العشوائي.
وزعمت السلطات السعودية أن من قتلوا كانوا مطلوبين أمنيين، إلا أنها لم تعلن عن أسماء هؤلاء المطلوبين إلا بعد مقتلهم نتيجة التعرض لاطلاق النار الذي غالبا ما كان عشوائيا؛ من جهة أخرى قتل قرابة 10 أشخاص من العمال الاجانب، نتيجة تعرضهم لاطلاق النار من قبل القوات المهاجمة، في حين التزمت السلطات الصمت تجاه ذلك.
الولادات المنزلية، حالة أخرى ظهرت خلال الحملة العسكرية ضد العوامية، حيث في يوم واحد، اضطرت سيدتان إلى الولادة في منزليهما بمساعدة أهلية دون توافر اللوازم والأجهزة الطبية، بعد أن حوصرتا في منزليهما ولم يتمكن ذويهما من إيجاد طريق آمن لنقلهما إلى أقرب مستشفى خارج البلدة.
وأكد عدد من الأهالي ما تناقله النشطاء عبر حسابات التواصل الاجتماعي حول لجوء القوات السعودية إلى توسيع دائرة القصف المدفعي والصاروخي حيث دمرت عدداً من المنازل والمباني في أحياء “الجميمة” و”شكر الله” غرب العوامية وكثفت الأعيرة النارية على عدد من الأحياء الأخرى، ويقول النشطاء ان السلطات تتبع سياسة بثّ الرعب والخوف بهدف إرغام السكان على ترك منازلهم والرحيل إلى خارج البلدة، التي تخطط السلطة لهدم أغلب أحيائها لاسيما القديمة.
إلى ذلك أرغمت السلطات مئات العمال الأجانب على مغادرة البلدة، وأشارت المصادر المحلية الى مئات المواطنين اجبروا على مغادرة البلدة تحت تهديد السلاح وقطع الخدمات واستمرار القصف العشوائي.
وطرح محللون عدة اسباب لهذا الهجوم العنيف ضد البلدة:
أولا: الهجوم بدأ قبل عزل ولي العهد السابق، محمد بن نايف، وربما كان بأمر من الملك لاستعراض القوة ومنع القبائل المقربة من محمد بن نايف من العصيان أو التمرد؛
ثانيا: الشيعة في السعودية والبحرين هم الخاصرة الرخوة لإيران، وتحاول الرياض ضرب هؤلاء للضغط على إيران؛
ثالثا: خطوات محمد بن سلمان وتوجهاته الليبرالية أغضبت المؤسسة الدينية مما دفع الملك وابنه إلى إثبات الولاء للمؤسسة المتطرفة، عن طريق ضرب الشيعة الآمنين بيد من حديد.
رابعا: ربما حاول الملك وابنه الهاء وزير الداخلية وولي العهد آنذاك، محمد بن نايف، في أزمة أمنية، بينما كانا يضعان اللمسات الأخيرة لخطة الإطاحة به، أو حاولوا إخراجه في العوامية لتسهيل التخلص منه.
خامسا: علاقة آل سعود بالأقلية الشيعية كانت ولا زالت متوترة، حيث يُكفر آل سعود الشيعة، وربما حاول الملك وابنه استغلال ازمة اليمن، الخطة التي كانوا يعدونها ضد قطر بالإضافة الى حدث الاطاحة بولي العهد، من اجل التغطية على استخدام القوة المفرطة ضد الشيعة.
وايا كان السبب في الذي دفع آل سعود لشن الهجوم، فإن النتيجة هي مقتل عشرات المدنيين وتشريد المئات حتى الآن، بالإضافة الى هدم حي أثري في ظل صمت المنظمات الدولية، مما قد يمنح آل سعود نصرا على المدى المنظور، إلا أن جيلا سينشئ في ظل الاضطهاد والتهجير قد يتحول فيما بعد الى مصدر للأزمات الأمنية.